رسالة مفتوحة الى سماحة مفتي آل سعود المحترم .. بقلم فؤاد عزيز قسيس
لقد قرأت مؤخرا الفتوى الغريبة التي صدرت عن دار الإفتاء، رأيت العجب من مخالفة هذه الفتوى لِأبسط ما تعلمناه من القرآن الكريم حول الكتاب واهل الكتاب وكنائسهم… أرفق لِسماحتك هذه المقالة أرجو قراءتها حتى خواتمها “علكم تفقهون وتسمعون وتتعظون” وشكرا
هل النصراني مشرِك في الله ؟…
سؤال كبير، كِبر العالم الإسلامي والمسيحي. سؤال قديم، قِدم ظهور الإسلام في القرن السابع. سؤال مخيف، خوف الحروب الدينية. سؤال خطير، خطر ذبح الإنسان لِأخيه الإنسان وحرق أملاك الغير ودمار البلاد والعباد. والمتطرفون الجهلة لِآيات القرآن الكريم، تذرّعوا بِ تهمة الإشراك لاضطهاد النصارى عبر العصور، وفرض الشروط المجحفة بحقهم :
- إشهار إسلامهم لضمان سلامتهم وحياتهم،
- دفع الجزية لقاء بقائهم أحياء على إيمانهم،
- الذبح حتى الموت بحد السيف،
- مغادرة دارالإسلام الى غير رجعة…
قبل دراسة الجانب الديني في عنوان بحثنا هذا، علينا مساءلة التاريخ ومعرفة موقف القرشيين من النصارى، لذا علينا الرجوع الى المصادر الإسلامية المليئة بالأحداث ذات الصلة التي يُعتمد عليها لمعرفة حقيقة الأمر…
- ” لما كان فتح مكة، دخل رسول الله البيتَ وأمر بِ بلّ ثوب في ماء زمزم ومحوِ جميع الصور إلاّ ما تحت يديه ولما رفع يديه ظهرتْ صورة عيسى ابن مريم وأمه المقدسة.” (تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، ج. 6 ـ ص.435 و 666)
ما جاء أعلاه يثبت أن النصرانية كانت موجودة في مكة وعلى قدر كبيرمن الإحترام والتقدير…
- في ’طبقات ابن سعد‘ (5/186 و 8/78) نقرأ أن النبي قال للسيدة أم رومان ـ زوجة ابي بكر الصدّيق ووالدة عائشة : ” يا أم رومان أستوصي بِ عائشة خيراً واحفظيني فيها.” ومن المعلوم أن أم رومان كانت على النصرانية كما يؤكّد د. جواد علي في موسوعته (تاريخ العرب قبل الإسلام، ج. 6 ـ ص.686)
سؤال يفرض نفسه : ” هل يُعقل أن يستوصي النبيُ خيراً ويطلب القرب من فتاة صغيرة نشأت على يد أم مُشرِكة ؟…”
- توّفى الله والدَ النبي وهو في المهد، تاركا له خمس نوق ومربية نصرانية اسمها بركة الحبشية أم أيمن وكان النبي يحبّها كثيرا ويقول لها ” أنتِ أمي بعد أمي و من سَرَّهُ أن يتزوج من أهل الجنة فليتزوج أمّ أيمن” (السيرة الحلبية 1/57).
وبعد وفاة والد النبي تكـفّله جدّه عـبد المطلب، واستـُرضِع في بني سعد فأرضعـته حـليـمة السعدية وكانت على النصرانية… ونشأ النبي في قبيلة بني سعد المعروفين بِ فصاحة لسانهم وبلاغـته. (السيرة الحلبية 1/259ـ260) من غير المعقول اعتبار النصارى مُشركين ويقبل والد النبي وجدّه ـ وهما على التوحيد ـ أن يُسترضع الطفل محمد وينمو ويترعرع على يديّ بركة الحبشية وحليمة السعدية وكلتاهما على النصرانية…
- يؤكّد مؤرخّو وكتبة السيرة النبوية أن الرسول محمد كان يرافق جدّه عبد المطلب ورجالات قريش الورعين، مثل ورقة بن نوفل، قس مكة وابي أمية بن المغيرة في الصلاة والتأمل والتحنّث في غار حرّاء.(السيرة الحلبية1/257 ـ 260)
إذا كان النصارى وقس النصارى ورقة بن نوفل مُشركين في الله لما شاركهم النبي المصطفى في الصلاة والتأمل والتحنّث.
- يوم زواج الرسول من خديجة، خطب أبو طالب قائلا: “… وابن أخي له في خديجة رغبة ولها فيه مثل ذلك.” ثم خطب القس ورقة، وليُّ أمرِ خديجة، وقال : “… فنحن سادة العرب وقادتها… فاشهدوا عليّ كلكم يا معشر قريش، اني زوّجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله…” (السيرة الحلبية 1/155 ـ السيرة المكية 1/123 ـ سيرة ابن هشام 1/194
هذا الحفل شبيه بالزواج عند النصارى : إشراف القس، رضا الزوجين، حضور الشهود، علنية العقد، واستمرارية الزواج حتى موت أحدهما. وبالفعل كان ذلك إذ “كانت خديجة اول امراة تزوّجها رسول الله ولم يتزوّج عليها غيرها حتى ماتت.” (سيرة ابن هشام1/173 ـ السيرة الحلبية 1/153 ـ سيرة ابن هشام 1/174) ما جاء أعلاه يؤكد أن النصارى لا يمكن أن يكونوا مُشركين بالله…
- لما اشتدّ اضطهاد المؤمنين دعاهم إلى الهجرة إلى الحبشة ” لأن فيها حاكم نصراني، لا يُظلم عنده أحد” وحين رتّل جعفر امام النجاشي سورة مريم وان عيسى هو رسول الله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم البتول قرّر منح المسلمين الآمان، وفتح لهم قلبه وابواب قصره. أما القسيسين والرهبان الحاضرين فقد ذرفوا الدموع سخية.
لوكان رسول الله يعـتبر النصارى مُشركين لما نصح صحابته بالهجرة الى الحبشة وهي ومليكها النجاشي على النصرانية.
البحث في أمورالدين له رهبة ٌ خاصة ويفرض الكثير من المعرفة والدقة، لأنه محـفوف بالمخاطر والمحاذيـر من تفسير أو تحليل خاطئ أو تأويل مخالف لرأي الآخر… وبما أني لستُ ضليعا ً في اللاهوت المسيحي أو الفـقه الإسلامي أو العلوم التـوراتـية ، أرجو من المتعـمق في الدين إرشادي حـيثُ أخـطأتُ في تفسير الآية وترابطها المتـكامل في فـقـراتها الثلاث :
” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ.” سورة المائدة 5/82 مدنية
- في بحثي هذا، سأقارب الآية فـقـرة ً فـقـرة مستجـديا ً كشف مدلولاتِها، وها هي الفقرة الأولى :
في عبارة ’لتجدّن‘ جاء حرف ’النون‘ مؤكداً قناعة الجميع أن عداوة اليهـود شديدة… وازدادت ضراوة حين أكدّ لهم النبي انتماء أمّة العرب إلى إبراهيم عن طريق انتسابهم لابنه البكر إسماعـيل الذي طـُرِد ووالدته هاجر ظلما وبهـتانا من البيت الإبراهيمي وحُرِمَ من الميراث رغم أحـقـيـته في ضعـفِ حصة أخيه كما جاء في شريعة حمورابي وكما شرّعت التوراة :
” إذا كان لرجل امرأتان، إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة، فولدتا له كلتاهما بنين في يوم توريثه لبنيه…
لا يحلّ له أن يعطي حقّ البكرية لابن المحبوبة(سارة) دون ابن المكروهة (هاجر) بل يعترف بأن ابن المكروه هو البكر فيعطيه من كل ما يوجد له سهمين، فإنه ابنُ رجولته وله حق البكرية…” سفر تثنية الاشتراع 21/15-17
رفض اليهود مشاركة غيرهم في ميراث إبراهيم معـتـقـدين أن الله لهم حصراً فجاء المسيح و ردّ إدعاتهم مؤكدا في إنجيله :
” إن الله قادرٌ أن يقيم من هذه الحجارة أبناءً لإبراهيم ” الإنجيل حسب متى 3/9 ثم أكدّ بولس الرسول في رسالتيه إلى (أهل غلاطية 3/8 وأهل رومية 4/17) أن إبراهيم هو أب الجميع وأن الله هو إله الجميع وكل مخلوقاته متساوية… و بعد نيف وستة قرون، أعاد القرآن الكريم نفس الحديث بنص ٍ بليغ ٍ رائع :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ الحجرات 49/13 مدنية
وفي العودة الى الآية المذكورة، نجد أن جملة : ’والذين أشركوا‘ معطوفة ٌ على ’اليهود‘ أي أن المعطوفين والمعطوف عليهم متساوون في شدّة العداوة ’للـذيـن آمنـوا‘ ومختلفون عن النصارى الوارد ذكرهم أدناه في :
- الفقرة الثانية من الآية الكريمة : ” وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى.”
أن حرف ’النون المشدّدة‘ في كلمة “لتجدّن” تؤكد أن النصارى هم “أقربهم مودّة للذين آمنوا” وجاء في القرآن الكريم :
” وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه (المسيح) رأفة ورحمة ورهبانية ” سورة الحديد 57/27 مدني
و’تفسير القرآن الكريم‘ للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي (جزء2 – ص118 ) ما يلي :
” إن أتباع المسيح…فيهم مودّة الإسلام… لما في قلوبهم من الرقة والرأفة “
وذِكرُ ’اليهود سوية مع المشركين‘ في الفقرة الاولى من هذه الآية الكريمة، و فصلهم عن ’النصارى‘ المذكورين في الفقرة الثانية يوضّح جلياً أن النصارى ليسوا “مشركين”.
- الفقرة الثالثة من الآية تشكّلُ مع السابقـتـين كلا ً مترابطا بالمعنى والمبنى وتليها الآية 5/83 لِ تدعمها وتؤكد حرارة المودة ومتانة العلاقة بين “الذين آمنوا والنصارى” وتؤكد مجدّدا أن النصارى في القرآن ليسوا مشركين…
” ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ.”
” وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.”
- الآية التالية واضحة، وعلى القارىء المتجرّد واجب التمعّن في فحواها واستخلاص العبرة حول الشرك في الله :
” أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ…” الإنعام 6.90
- وها هي آية أخرى واضحة وعلى القارىء المتجرّد حق التمعّن في فحواها قبل اتهام النصارى بالإشراك :
” فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ.” يونس 10/94
هل يعقل أن يطلب الله من المؤمنين النصح والإرشاد من النصارى (المشركين) حين يستعصي عليهم فهمُ ما أنزل الله ؟…
- آية رائعة تؤكد أن الله ’الرحمن الرحيم‘ لن يصنّف أو يحاسب المؤمنين المذكورين أدناه كَ ’مشركين‘ أو كفّار :
” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.” 5/69
- لقد حلّل الأئمة الأربعة أن يتزوّج المسلمُ الكتابيةَ الحرة، بناء على ما جاء في القرآن الكريم :
” الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ
مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ…” 5/5
هذه الآية تؤكد بشكل قاطع ان ’الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ‘ ليسوا على الإشراك ’وَالْمُحْصَنَاتُ‘ هُنّ على السراط المستقيم، ولو كان القرآن الكريم يعتبرهنّ مشركات لَما حلّل زواج المسلم منهنّ، خوفا من تربية الأطفال على غير الإسلام…
في بداية رسالته قال المسيح: ” مَن كانَ لَه أُذُنانِ تَسْمَعان فَلْيَسْمَعْ! ” لوقا 8/8 والغاية من هذا البحث تذكير كل الإخوة المسلمين بِ الكلمة الآولى من سورة العلق :” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ.” 8/1 و 2… أرجوكم ثم أرجوكم : اقرأوا بنية صافية ما جاء في هذا البحث… ولا تكونوا مثل الذي ينظر ولا يبصر أو من يسمع ولا يفهم، لأن هذه الدراسة التاريخية والدينية توضح للعالمين ان النصارى ليسوا مشركين، ومن يتّهمهم بالإشراك هو على ضلال، ويخالف تعاليم القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي ومعتقدات السلف الصالح… لكل مُستزيدٍ ها هي مجموعة آيات أرجو تلاوتها بتمعّـن وخشوع وتجرّد:
” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.” 5/47
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاة وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ.” 5/46
” قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ.” 46/30
” نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ.” 3/3
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون.” 29/46
” لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ.” 3.113
“…التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين.” 9/112
كل من ذبح وهجّر واعتدى على أعراض الآخرين وكتب ” ن” على بيوت النصارى في الموصل، عاصمة الآراميين، من سريان وآشوريين وكلدان، منذ كان التاريخ، وأضاف عليها : “عقارات الدولة الإسلامية ” وكسّر الصليب وفـقأ عينيّ مريم المقدسة وتنكّر لسورة آل عمران وسورة مريم، ارتكب معصية من الكبائر، تستوجب غضب الله ولعنته الأبدية لأنه بفعلته هذه انتهك القوانين السماوية وتعاليم الإسلام، كما انتهك التاريخ لأنه اختصر بِحرف “ن” كل تلاميذ يسوع الناصري عيسى ابن مريم الذي علّم البشرية ” الله محبة ” وتجاهل الآية المريمية الرائعة وكأنهم يهجّرون مريم من القرآن :
” وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ.” 3/42
كمسيحيين مشرقيين وبصفتنا أصحاب الأرض الأصليين وكمواطنين سوريين، لبنانيين، عراقيين… قبل أن نكون مسيحيين، كنّا نتمّنى على أشقّائنا في الوطن وفي المواطنة أن يسمعونا تضامنهم وبصوت عالٍ وليس بذلك الصوت الخافت الهزيل…
في أوئل شهر آب الحالي، هـدّد البعضُ صياغ طرابلس الشام بعدم بيع الصلبان والإيقونات… قد يختفي الصليب والكنائس والأديرة والمزارات وقد تختفي المسيحية والمسيحيون وتاريخهم الحضاري من طرابلس ومن المشرق، لكن البديل مخيف رهيب، لأنه يحمل الى طرابلس والمشرق كله، زواحفَ الصحراء والتصحّـر من برابرة وتـتار ودواعش وقاطعي الرؤؤس وآكلي القلوب والأكباد من اتباع بني عثمان ومن شيشان وأفغان وعربان… وقيادة هذه الزواحف معـقـودة لِ دولة خزينتها المالية خاوية خالية وعارفة انها بالتحريض على الحروب، بدون مشاركة جيشها على الأرض، تملأ خزينتها وتقضي على الخلل في اقتصادها من صفقات أسلحة بمليارات الدولارات ثمن حماية ممالك وامارات تريد الحفاظ على عروشها…
- حين كان المسلمون والمسيحيون على وفاق، أيام الأمويين والعباسيين وصلنا الى الأندلس والى بلاد الهند والسند، حاملين حضارة وعلوم وثـقافة السريان والفرس و اليونان..
- وحين اختلف المسلمون والمسيحيون عاد المشرق وعاش جاهلية جديدة اسوأ من جاهلية ما قبل الإسلام…
- في القرن التاسع عشر، حين تصالح الإسلام مع المسيحية، عدنا نعايش عصر النهضة السياسية والإجتماعية والثقافية وبدأت حركات التحرر من النير العثماني…
لذا يصّح التأكيد أن المشرق لن يقوم ويثبت أحقّيته في الحياة إلا بجناحيه المسيحي والمسلم متفاهميْن متقاربيْن، لأن المسلم هو جسر المشرق نحو الجنوب والمسيحي هو جسرنا نحو الشمال، كما يؤكد الدكتور محمد السماك
يا يسوع ابن مريم البتول، يا من علمّتنا في انجيلك المقدس ” اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم.” انجيل حسب متى 7/7 نسألك الراحة الأبدية لِ شهدائنا الراقدين على الإيمان بِ القيامة، ونطلب منك الرحمة والصبر لِ مهجّرينا من أرض آبائهم وأجدادهم كما نقرع بابك لِفتح باب التوبة والندم لِ من كتب على ابوابنا ” ن” لأننا غَـفـرْنا لهم ما فعلوه، كما علمّتنا في الصلاة الربية على أمل أن يؤمنوا بِ ثـقافة الحياة وينسوا ثقافة الموت كي نستحقّ جميعنا سماع احدى تطويبات يسوع في موعظة الجبل :
” طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْن.” إنجيل حسب متى 5
سيريان تلغراف | فؤاد عزيز قسيس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)