المواجهة “1” .. بقلم يحيى محمد ركاج
يعلم الجميع أن سلاح الجبناء الغدر، فالجبان لا يواجه وجهاً لوجه، إنما يلتف ويلتوي ويضرب من الخلف أو يستعين بالآخرين ليحقق أهدافه،في حين يقف الشجاع متحدياً مواجهاً كل من يريد أن يتحداه، ولا يأبه بمن يغدر وبمن يلتف حوله ما دام على ثباته.
وعلى الرغم من أن الحكمة تقول أحياناً أن في الحروب خدعة، فمن الفطنة أن يتراجع الشجاع أحياناً ويلتف أحياناً أخرى منعاً من الغدر، ولن تنقص من مكانته ما دام سيحقق النصر مؤكداً، إلا أنه دائماً يأبى التراجع ولو كان في ذلك بعض ضرره، كما يأبى الاستعانة بالآخر وهو ما قد يعرضه لأضرار.
هذا هو نصف ما يحدث باختصار في ساحات الدم التي تشهدها بلادي سورية، فسورية تعلن صراحة موقفها بشجاعة وأنها سوف تقطع اليد التي ستطال سيادتها، والآخرين لا يجرؤون على المواجهة المباشرة فيرسلون أذنابهم نيابة عنهم، ومن خلفهم الشيطان الأكبر “أمريكا” الذي يقف متربصاً كي تسنح له الفرصة ليعوض ما تم تمريغه من شرفه بالتراب في أكثر من موقعة.
لم تعد الموقعة موقعة دماء وسلاح ومواجهات مسلحة بين عصابات وجيش، أو بين إرهاب ودفاع عن السيادة، ولم تعد المواجهة أيضاً بين تخريب متعمد ممنهج للبنية التحتية وموارد التمويل وأدوات البقاء على قيد الحياة للسوريين، ولم تعد أيضاً مجرد اقتتال على آبار النفط والموانئ وخطوط إمداد الغاز وصراعات الطاقة والثروات الباطنية، ولم تعد أيضاً معركة ممرات مائية وسيطرة على العالم والتنافس بين قطبية أو أقطاب كثيرة، فقد اقتاتت دول العالم أجمع على غباء الكلاب العربية التي تحكم شعوباً مغيبة لا يهمها من هذه الحياة سوى جيبها المملوء بالمال وكروشها المنفوخة من الغذاء وأمور أخرى أترفع عن ذكرها، واللهث لإشباع غريزتها بالتزاوج والنكاح المتعدد الأنواع والأشكال تحت ألف مسمى ومسمى من باب التيسير وجعله كله بالحلال.
إن المعركة في سورية اليوم أصبحت معركة الكرامة والشرف، معركة صون الأعراض وحماية المقدسات، معركة الوجود أو اللاوجود, معركة حماية الأم والأخت والزوجة والبنت وكرامة الأبناء.
فقد انتهى سادة العالم للأسف من توزيع الحصص بينهم ورموا الفضلات للكلاب التي تحكم وطننا العربي، ومن لم يرض من هذه الدول أن يكون له فضلات الخنازير فعليه أن يواجه مصيراً أسود تجتمع فيه الكلاب العربية والخنازير الإرهابية من كل حدب وصوب لتنهشه.
ومن يُتوقع أنه لن يرض بسبي المقدسات الإسلامية وتهويد الأقصى فسوف يكون جهادياً مقتولاً باسم الشهادة والدين في الميدان السوري قبل أن يشهد سبي المقدسات وتهويد الأقصى.
إنه باختصار نصف المشهد الآخر الذي تشهده بلادي سورية في هذه الأيام وتعاني منه، ويخطئ من يظن أن حسم المعركة سيكون فقط بالسلاح، فالتشهد على الخنزير عند قتله لا يجعل من لحمه حلالاً، وغليه بدرجة حرارة مرتفعة لا يقضي على الضرر الموجود به عند أكله. إننا اليوم أمام مواجهة مفتوحة إن أردنا حفظ كرامتنا وأعراضنا وشرفنا – وهنا لا أفرق بين موالاة ومعارضة من جهة، وبين من يقيمون بالداخل ومن يقيمون في الخارج من جهة أخرى، لأنه لا كرامة للإنسان خارج وطنه ويدرك مغزى كلامي هذا حتى من يقيمون في أوروبا والدول النفطية- فعليكم دعم بلادكم والدفاع عنها وإن كنتم على خلاف مع كل غالبية سكانها، أو تشعر وكأنك غريب فيها,إننا اليوم نقف أمام الحفاظ على الشرف والكرامة الذي يُضرب به المثل، وتحقيقه يكون بالتحصين الاجتماعي والدعم الاقتصادي ومد يد العون والمسامحة للجميع, فليبادر من يقيم خارج الوطن مهما كان سبب خروجه منه بأن يدعم اقتصاد بلاده ويدعم عملتها فهي إحدى أدوات الصمود والانتصار,وليبادر من يتغنى بالحرية والكرامة ليمد يد العون والتسامح والمساعدة لمن بقي داخل الوطن فهم أساس النصر والحفاظ على كرامتنا جميعاً، وليساعدوا أهلهم وذويهم الموجودين داخل الوطن, وليتحرك من يترقب الحرية والكرامة والعيش الرغيد ويعلن تبرؤه من دعاة الدم والفتن ويذود عن شرف العروبة والدين المستباح ما استطاع, فنصر الجيش في معركته المسلحة أكيد بإذن الله ولا نشك بذلك، ولكننا في المعركة إن لم نتكاتف جميعاً بإدارتها فهي رابحةٌ عسكرياً لكننا منهزمون شرفاً وعرضاً وأخلاقاً.
في بداية ما تشهده بلادي كتبت مقال عنونته بـ “لن أخون وطني” ولن أخون وطني ما حييت وإن كنت على خلاف بوجهات النظر وبالتطبيق مع الكثيرين، والآن أتمنى من الجميع أن يعملوا على تطبيقها قولاً وفعلاً فلن نخون وطننا ما حيينا، ليس اعترافاً منا بأفضال الدولة وجميلها علينا رغم كثرتها، إنما حماية لكرامة أهلنا وذوينا في الداخل والخارج، فالمواجهة لم تعد بين مشروعين فقط، إنما هي مواجهة الشرف.
عشتم وعاشت سورية حاضنة العرب والعروبة موطن الأبجدية الأولى في العالم.
سيريان تلغراف | د.يحيى محمد ركاج
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)