السفير : معركة لم تنتهِ .. إدلب وبصرى الشام
لا يبدو أن الستار قد أسدل على مشهدَي إدلب وبصرى الشام. إذ إنه من الجلي أن المعارك لم تُحسم لا في الشمال السوري ولا في الجنوب.
ليس تطورا عاديا سيطرة “جبهة النصرة” على مدينتَين سوريتَين خلال أقل من أسبوع. هذا صحيح، لكن الأكثر دقة أن ما جرى في إدلب وبصرى الشام، ليس منعزلا عن صورة المعارك في المنطقتَين الحساستَين، ولا عن تطوراتهما المحتملة.
وتشير المعلومات إلى أن تعزيزات كبيرة للجيش السوري و “الدفاع الوطني”، تستعد للهجمات المضادة ما إن تكتمل استعداداتهما، بما يحول دون سعي الفصائل المسلحة، والقوى الإقليمية الداعمة لها، إلى ترجمة هذين المكسبَين، إلى إنجازات راسخة وأكبر، سواء في ما يتعلق بالجبهات المتعددة على خطوط التماس في حلب وحماه وريف اللاذقية شمالا، أو جنوبا بما يتصل بالميادين الدرعاوية.
ويطرح تزامن المكسبَين الميدانيَّين الكثير من الملاحظات ليس أقلها أن “جبهة النصرة” هي التي حققتهما بحشد الآلاف من مقاتليها ومسلحي الفصائل المتحالفة معها، وتحركهم على مساحات جغرافية ليست ضيقة، في وقت يفترض أنه ذروة “الحرب على الإرهاب” التي تقودها الولايات المتحدة في سورية كما في العراق.
كما من الملاحظ أن “النصرة” والفصائل المتحالفة معها في هجوم إدلب، تكتلت قبل نحو عشرة أيام لتشكل «جبهة الفتح»، ما يشير إلى أن قرار التحرك نحو مدينة إدلب، لم يتخذ سوى قبل أيام، على الرغم من أن ريف المحافظة مرتع للمسلحين منذ بدايات انتشار المسلحين في الأزمة السورية.
فلماذا الآن؟ يخدم اقتحام مدينة إدلب أهدافا عدة، من بينها بطبيعة الحال تعزيز الضغوط على الجيش السوري والاستمرار في استنزافه. لكن المسألة مرتبطة أيضا بمسار “تبييض” صفحة “جبهة النصرة” من الدول الإقليمية، منذ بدأت ما يفترض أنها حرب عالمية على “داعش”، ربما لاستخدام الجبهة كرأس حربة في المشروع الإقليمي الأساس المتمثل في تشكيل جبهة المسلحين “المعتدلين” برعاية سعودية – تركية – أميركية.
وبهذا المعنى يصبح تزامن المعركتَين لافتا. الهجوم على بصرى الشام، كان بحشد كبير من “النصرة” وحلفائها في الجنوب، بمتابعة وثيقة من غرفة عمليات “الموك” في الأردن، بينما جرت عمليات إدلب تحت إشراف وتسهيلات تركية، ساهمت في تجميع آلاف المسلحين من ريفَي إدلب وحلب وغيرهما، وذلك بعد الاختراق المفاجئ الذي كان الجيش السوري وحلفاؤه قد حققوه حول حلب مؤخرا، بما يقضم المزيد من التأثير التركي في الجبهات الشمالية، والعملية العسكرية الواسعة التي نفذها الجيش وحلفاؤه بمحاذاة الحدود الأردنية جنوبا.
ولهذا يبدو أن المكسبَين الميدانيَّين اللذين حققتهما “النصرة” هدفهما غير المعلن إنجاز انتصارات سريعة وسهلة نسبيا، وهو ما جرى بالنسبة إلى كل من بصرى الشام وإدلب، “الجيبَين” المحاصرَين منذ فترات طويلة بخطوط إمداد هشة، ويفترضان بالمنطق العسكري سقوطهما منذ مدة طويلة، وهو ما لم يحصل سوى الآن بعد تعبئة واسعة في صفوف المهاجمين، سواء من “النصرة” أو “أحرار الشام” و “جند الأقصى” و “جيش السنة” و “فيلق الشام” وغيرها، وسقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف المهاجمين وبينهم العديد من “الجهاديين” وقياداتهم القادمين من الخارج.
وبحسب مصدر ميداني مطلع فإن من أسباب سقوط إدلب، إلى جانب الحشد الكبير للمسلحين والدور الواسع للانغماسيين والمقاتلين الأجانب، كان تمكن المسلحين من ضرب مبنى الاتصالات في المدينة وهو ما أدى إلى قطع الاتصالات في المنطقة وارتباك التنسيق بين الوحدات المدافعة عن المدينة في وجه المهاجمين من ثلاثة محاور حولها.
وإذا كان صمود المدينتَين طوال هذه المدة، كما جرى ويجري حتى الآن في جيبَي نبل والزهراء، يسجل نقطة لمصلحة القوات المدافعة عنهما، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن القوات الحكومية تمكنت، إلى جانب الانسحاب للتموضع في مواقع قتالية مجاورة، من المساعدة بفاعلية في تأمين خروج آمن نسبيا لآلاف المدنيين منهما، برغم كثافة الرصاص والقذائف التي تعرضوا لها خلال موجات النزوح البشري من المدينتَين، والتقارير عن عمليات إعدام جرت في إدلب بعد سقوطها.
لكن كل ذلك لا يخفف من وطأة ما جرى، في “معارك الجيوب” هذه، في لحظة اندفاعة بعض القوى ذاتها التي تعادي النظام في دمشق، في “عاصفة الحزم”. وربما لهذا السبب تحديدا، يصعب، برغم الاستثمار السياسي والنفسي المكثف لهذين المكسبَين، تصور أن معركتَي بصرى الشام وإدلب، قد أسدل ستارهما فعليا.
سيريان تلغراف