هرتزل والبنا وحلم الدولة !! .. بقلم خالد صادق طنجه
الأب الروحى … (1)
قد يفـزع البعض لمقارنة قد تبدو غريبة، وقد يتصورها البعض بالوقاحة وعدم الموضوعية، فهى مقارنة بين شخصيتين كان لهم أثر كبير فى المنطقة العربية، بل العالم اجمع، المقارنة بين “الامام حسن البنا” المؤسس والزعيم الروحى لحركة الاخوان المسلمين، و”ثيودورهرتزل” المؤسس والزعيم الروحى لحركة الصهيونية العالمية.
إن التقارب الفكري والمنهجي الواضح بين الرجلين يأخذك الي تفكيرعميق، فالرجلين كانا من الشخصيات الفاعلة والمؤثر في حياة الكثير من شعوب المنطقة، وكان لهم دور كبير وفعال في تكوين عقول الكثير من أتباعهم علي مدار عشرات السنيين، وكذلك العديد من جماعات اليمين المتطرف سواء من الجماعات الاسلامية أو الجماعات اليهودية.
ومن الملفت أن حسن البنا يتشابه فى كثير من فكر ومنهج هذا الرجل اليهودي، بل أكثر من ذلك فالرجلين عاشا نفس الفترة العمرية تقريبا، فقد مات الرجلان عن عمر ناهز 44 عاما، والسؤال هنا هل هو تشابه وتقارب بين الرجلين بمحض الصدفة ؟ ام هو اقتداء ومثل أعلي تأثر به الامام بشخصية وفكرهذا الرجل، لدرجة أنه اتخذ من أفكار وسياسة هرتزل منهجا وسبيلا بنى عليه البنا استراتيجياته ليصل إلى أهدافه وغايته، وللعلم توفي ثيودورهرتزل عام 1904 أي قبل مولد حسن البنا بعامين.
إن من يدرس تاريخ حسن البنا، يجد أن هذا الرجل أثر في تاريخ الأمة ومازال يؤثر بفكره الوبائي في عقول ووجدان الكثيرين من أتباعه، على مدى أجيال متعاقبة وحتي هذه اللحظات الفارقة من عمر الأمة، ومن هنا نستنتج بعض الحقائق الخفية التى قد تشير إلى أن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين تأثر بالفعل بحركة وشخصية هرتزل أخفاهما طوال حياته، ولكنه نسج على نفس النول، ونفس المنهج لحركة الصهيونية العالمية، حيث رأى البنا أنها حركة متطورة تحقق أهدافها بنجاح كبير، أما هرتزل فهوزعيم وقائد ملهم، خطط بمهارة ودهاء ووضع اللبنات الأولى للكيان الصهيونى المحتل، وهو صاحب مؤتمر بازل الشهير عام 1897بسويسرا .
ومن الملاحظ أن البنا أنشأ التنظيم “السري المسلح” علي نفس غرار التنظيمات السرية المسلحة للحركة الصهيونية “أرجون ليومي زفار” أو عصابات “الهاجانا”، وهي الحركات التي أسهمت في إنشاء دولة إسرائيل ومكنت الكيان الصهيوني من أرض فلسطين العربية. كما نقل البنا عن هرتزل أفكار ومحاور في مؤتمرات جماعة الاخوان السنوية، ونقل أيضا فكرة الرسائل التي أرسلها هرتزل إلى ملوك وحكام الدول للتبشير والمساعدة بالدولة اليهودية، كذلك أطلع البنا على قدرات هرتزل الفائقة لاستمالة القوى العظمى لجانب حلمه- وكانت بريطانيا في ذلك الوقت- لكي تساعده في الوصول إلى هدفه بتمكينه من إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، ومن هنا اتضحت الصورة أمام حسن البنا، وهي:
إستخدام الدين لحشد الأتباع والسيطرة عليهم، ثم إنشاء قوة اقتصادية ضخمة للكيان بهدف شراء الأهداف التكتيكية وتجنيد الشباب والشخصيات التي تؤدي دورها دون تفكير وبمنطق الطاعة العمياء، وذلك للوصول لأهداف الجماعة، إنشاء قوة عسكرية سرية تعمل فى الخفاء لردع كل من تسول له نفسه للوقوف ضد هذا المشروع، إخفاء الأهداف الاستراتيجية قدر الإمكان وهي كما ذكرها سرا “أستاذية العالم” وهذا مصطلح ماسوني لا علاقة له بالفقه أو الدين الإسلامي، وأخيرا التحالف مع القوى العظمى مما يساعده للوصول إلى أهدافه البعيدة.
لذلك نجد أن أول تمويل حصل عليه البنا من المحتل البريطاني، وأول شيك لجمعية الاخوان المسلمين كان من شركة قناة السويس التابعة لبريطانيا فى ذلك الوقت بمبلغ 500 جنيه، وحتى بعد رحيل حسن البنا استمر التحالف البريطاني الإخواني ضد ما يسمى القومية العربية وقامت المخابرات البريطانية بتمويل جماعة الإخوان للقضاء على حركة “جمال عبد الناصر” كما جاء في كتاب الكاتب البريطاني “مارك كيرتس” وقال إن العلاقات بين المخابرات البريطانية والإخوان امتدت لعقود طويلة، مؤكدا أن بريطانيا موّلت الإخوان المسلمين للقضاء على نظام جمال عبد الناصر الذي وصفته المخابرات البريطانية بأنه فكر سرطاني سوف يدمر المنطقة العربية كلها.
ولا عجب من أن يتخذ الإخوان من لندن مقرا عالميا لجماعتهم، فقد نقلت صحيفة تلجراف البريطانية عن مسئول إخواني منذ أشهرقليلة قوله: “بأن اختيار الإخوان لمدينة لندن لأنها مدينة الأمن والأمان وعاصمة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم” .
ظهرالتحالف بين الإخوان المسلمين والأمريكان عام 1947 في لقاء بين حسن البنا والسفير الأمريكي فى بيته بحي الزمالك، ويدعى “إيرلاند” واتفقا السفير وحسن البنا على التعاون معا لمحاربة الأفكار الاشتراكية واليسارية على أن يكون حسن البنا مشاركا بالمنابر والرجال، والسفارة الأمريكية بالمال، ولا عجب ايضا من أن يستمر التحالف بين الاخوان المسلمين والامريكان حتى وقتنا هذا.
لم يثر شخص جدلا حوله مثلما أثار حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ولم تثر جماعة أو حركة أو حزب في مصر والعالم العربي جدلا مثل الذي أثارته جماعة الإخوان المسلمين على مدى أكثر من 85 عاما ومازالت تثيره.
وقد ولد حسن البنا في اكتوبرعام 1906في بلدة المحمودية التابعة لمديرية البحيرة سابقا، وكان حسن البناء هو الابن الاكبر بين خمسة أبناء، وكان والده الشيخ احمد عبد الرحمن الساعاتي وهو مأذون المنطقة وإمام مسجدها، تلقي علومه في الأزهر الشريف، وكان يمارس حرفة يدوية وهى إصلاح الساعات، وحرص الاب علي تلقين هذه الحرفة لابنه الاكبر حسن.
التحق البنا بكتاب القرية فحفظ نصف القرآن وكان معلمه الشيخ محمود زهران من الشخصيات التي كان لها أثر كبير في تكوين شخصية البنا وفكره منذ الصغر، ثم التحق بمدرسة الرشاد الدينية، وبادر بالاشتراك في أول جماعة دينية وهي “جماعة السلوك الاخلاقي” والتي كانت تهدف إلى تعميق حساسية الآثام الأخلاقية، والتي فرضت نظاما من الغرامات يطبق على من يخالف الدين او يتلفظون بالسباب والشتائم في حديثهم، وخلال فترة وجيزة اصبح حسن البنا قائدا لهذه الجماعة.
كما شهد حسن البنا في فترة مبكرة من حياته حلقات الذكر الصوفية “بجماعة اخوان الحصافية ” كما تأثر البنا بشخصية الشيخ الغزالي ومؤلفاته وكتابه “إحياء علوم الدين ” ، والتحق البنا بمدرسة المعلمين الأولية في دمنهورعام 1920م وتخرج منها مدرسا، ثم أكمل دراسته في دار العلوم بالقاهرة حتي عام 1927م ، وترأس بعد ذلك العديد من الجمعيات هدفها الأساسي كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان على صلة بـ “محب الدين الخطيب”، وعمل مندوبا لمجلة الفتح التي كان يصدرها، كما شارك في انشاء عدد من الجمعيات التي تدعو الى الفضيلة والأخلاق، أصدر مجلة النذير التى عهد بتحريرها إلى “صالح عشماوي”، كما ترأس تحرير مجلة المنار بعد وفاة رئيس تحريرها “الشيخ محمد رشيد رضا” ، واستأجر مجلات النضال والتعارف.
لنبدأ اذن من عام 1928 وهو العام الذي شهد مولد جماعة الإخوان المسلمين بمدينة الاسماعيلية، ثم انتقلت الى القاهرة لتكون جماعة اسلامية شاملة، سرعان ما انتشر فكرها في العديد من ربوع القطر المصرى.
سيريان تلغراف | خالد صادق طنجه
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)