لِ نحترمنّ معتقد الآخر .. بقلم فؤاد عزيز قسيس
في أوائل عام 2006 نشرتْ بعض الصحف الأوربية صورًا كاريكاتورية مسـيـئة لرسول الإسلام، فكانت لي وقفة تنديدٍ ورفضٍ لذلك التصرّف المشين، وبمناسبة مشاركتي في محاضرة في المركز الثقافي في النبك، قدّمتُ هذه الكلمة تضامنا مع إخوتي أبناء العشيـرة، إليكم بعضاً منها :
” في هذه الأيام العصيبة، تواجه أمتـنا هجـمة شرسة وغير مسبوقة، بدءا ً بالإعتداء على أرضنا إلى الاستهانة بتاريخنا والتطاول على مقدساتـنا الاسلامية والمسيحية وصولا ً إلى إهانة نبينا محمد ابن عبد الله :
يتوجب علينا جميعا ً أن نعيش هذه الأحداث الأليمة التي تمسّ صميم وجداننا ونتصدّى لها بما أوتينا من قوة، لا أن نتعايش معها أو نـتـقـبـّلها، وبما أن أرضنا فجـرّت الحـضارات وتاريخـنا كـتبه الأنبياء ومقدساتنا نزلت من السماء، علينا جميعا ً أن نبقى لها أوفـياء ونحـميها بالأرواح والدماء.
يتوجّب علينا جميعاً أن نضع نصب أعيننا أن من يهين كرامة النبي العربي، يهين كرامة المسلمين والمسيحيين أيضا ً… ومن يسخر من “قرآن الإسلام” يسخر من ” كتاب النصارى” الذي يقدسه ويجلّه القرآن الكريم، لذا على كل من يحترم الإنجيل أن يحـترم القرآن أيضا ً.
يتوجّب علينا جميعا أن نقف بوجه طغيان عُبّادِ المال وعبيد الظلم والظلام الذين تطاولوا على نبيّ الإسلام ، كما تطاولوا على المسيحية وعلى عيسى ابن مريم وأمه العذراء’وقالوا فيهم بهتانا ًعظيما ً‘باسم حرية الرأي… في حين أن من يعتبرنفسه وليَّ أمر الحرية، يسوقُ إلى المحاكم من يلمّحُ إلى التمييز العنصري أو يبدي بعض الشكوك في المحرقة.”
يتوجّب على كل مسيحيي الغرب أن يـتـفهّموا حمـّيةوغـيـرة المسلمين على كرامة مقدسّاتهم، وعليهم أن يـتـذكروا أن مسيح المحـبة والتسامح ورفض العنف الذي قال :” من ضربك على خدّك الأيمن حوّل له الأيسر.”
تحوّل إلى مسيح حمـيّـةٍ وغيرةٍ على مقدسات بيت الله وحمل السوط وطرد من الهيكل تجّار الحمام والغنم والبقر والصيارفة المرابين صارخا ً معنّـفاً : ” بيتي بيت صلاة يدعى، وأنتم تجعلونه مغارة لصوص.”
وقد جاء في الإنجيل : “من له اذنان سامعتان فليسمع” لذا يا اهل الغرب اسمعوا وعوا هاتين الآيتين :
” وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ. ” 3.42
“وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.” 5/47
آيات السورة 19 تؤكد أن مريم المقدسة وَلدتْ المسيح وهي عذراء، 12 قرن قبل ان يؤكد الفاتيكان هذه العقيدة…
لست فرنسياً لكني أحترم الشعار الثلاثي للثورة الفرنسية : “حرية، مساواة، أخوة” لكني سأحصر بحثي حول “الحرية” فقط :
هل حـرّيـتـنا لا حدود لها ؟… وهل حـرّية الآخريـن لا حدود لها ؟…
إذا كـنّا نعـيـش حرّيةً لا حدود لها، فَ إننا نتصرّف كَ الحاكم والحَكَم مع سائر المواطنين !…
إذا تقـبـّلنا أن يتصرّف الآخرون بِ حرّية لا حدود لها، علينا أن نـتـقـبّـل ايضا كل نزواتهم !…
إذا كـنّا نقبل ان يتصرّف الجميع بحرّية لا حدود لها، علينا أن نقبل العيش حسب شريعة الغاب!…
أما إذا اعترفنا أن حرّية كل أفراد المجتمع تحدّها حرّية الآخرين، حينئذ نعيش في مجتمع منسجم آمن…
كلامي هذا الى الصحافيين عامة، والى صحافيي ‘شارلي إبدو’ بشكل أخصّ : ” إذا كنتم تبحـثون عن ‘خـبطة صحـفية’، أو كنتم تسعـون لِ تحسين مبيعات المجلة، أو تلهـثون وراء الإعلانات، أو تـقـصدون كسب ودّ الإدارة، فَ ناقـشوا حرب غزة الأخيرة بِ شكل حرّ حيادي، وتحلّوا بِ شجاعة الشجعان واذكروا، فقط اذكروا، أن عدد ضحايا النازيين كان أقل بقـليل من ستة ملايين… وحافـظـوا على بعـض الرقابة الذاتية في كافة كـتاباتكم وتخيّلاتكم الكـاريكاتورية، كي لا تحـرّكوا المشاعـر الوجدانية لدى المؤمنين بالمقدسات كي لايتصرّفوا بِ دموية يرفضها المنطق، شبيهة بمقتل صحافيي ‘شارلي إيبدو’…
- لماذا تتهجّـمون على معتقدات يحترمها ويجلها الآخر ؟…
- جائت تعاليم السيد المسيح في الإنجيل تدعو لِ السلم والمحبة !…
- وكما في التوراة، عـلّـم النبي محـمـد : “السن بالسن والعين بالعين”
لِ نَـحْـتَـرِمَـنَّ إذاً مُـعْـتَـقَـدَ الآخَــر…
يا أيها الصحافيين، في كـتاباتكم، باسم حـرّية التعـبـيـر، تهكّمتُم على المسـيح يسوع وسخرتم من الإنجيل ومن الكنيسة ومن رؤسائها ومن حـضارتها ومن تاريخـها التي صنعتْ مجـد وعـظمة أوروبا… وجائت ردّة فعـل المسيحـيـيـن ضحلةً هزيلةً، لذا لا تـنسوا أن حمّية المسلمين دفاعاً عن الإسلام مختلفةٌ، وغليان دمائهم في عـروقهم شديد للغاية…
يا أيها الصحافيين، إذا كنتم تطمحـون في الوصول الى مرتبات عالية، فَابحثوا في أمور بنّائة أفـضل من تدنيس المـقـدّسات الإسلامية والمسيحية… إني آسف للضحايا الذين سقطوا بِبربرية على يديْ قـتـلةٍ غسل أدمغـتهم متطرفون دينياً. فَ الإسلام يصبح دموياً عند المسّ بمقدساته، وحسب اجتهاد بعض الشيوخ والأئمة…
لمعـلوماتكم، أيها الصحافيين، لستُ داعـية اسلامي ولست داعـية مسيحي… وقد سبق وحـصل لي شرفُ التصرف كداعية لكن في مسقط رأسي ولصالح ايمان ومعـتـقـدات المسلم والمسيحي كي يستمّرا متعايشيْن بِ ودّ واحترام متبادل…
ومع الصديق السوري المخلص (ج. ك. أ.) الذي يَفخرُ بوطنيته أؤكد : ” أنا لستُ شارلي، أنا سوري منذ اربع سنوات… لا أتحدّى احدا، لكني أبحث عن الأسـباب… فَ المطلوب مني أن أعطي جواباً مقنعا لِ طفل سوري كتب يسألني : ‘اني أعرف أن المجاهدين القادمين من فرنسا ذبحوا ابي وذبحوا أمي كما ذبحوا أختي الصغيرة، لكن فرنسا بقيتْ صامتةً… لماذا ؟…”
ومع الطفل السوري الحزين الذي جـفّـتْ دموعه في عـينيه البريـئـتـيـن، أضيف : العجب كل العجب من خمسين رئيس دولة يتهافـتون الى باريس، عاصمة الرياء والهبل، للبكاء على صحافيين استـدعوا نهاية عبثية لحياتهم، في عاصمة دولة وصلت سمعتها الى الحضيض بِ سياستها الخرقاء وتبعـيّـتها العمياء.
إني أبكي كل ‘ شارلي’ سوري، ضحية أوروبا الأطلسية وحلفائها العصملية وأبناء الجاهلية ـ أحفاد الحنظلية ـ الذين ساعدوا وموّلوا وسلحوا ‘الجهاديين’ الوهابيين كي يذبحوا البشر ويحرقوا الحجر ويهجّروا الأبرياء ليموتوا برداً وجوعا وحسرة…
ولكل من يدّعي أن سوريا ليست مثال الدموقراطية وان الفـساد مستـشرٍ في كل مفاصلها، أقول له : بِ ربّك قلْ لي من هي الدولة المتحالفة مع فرنسا، في المشرق كله، التي تراها فردوس الديموقراطية وجنة العدالة ونظافة اليد ؟… الكل يعـرف أن سوريا لها عـيوبها، لكن الدولة التي قاومتْ حرب العـصابات الهمجية المؤلفة من 82 جنسية، أدخلتها المافيات، عـبر تركيا ولبنان والأردن واسرائيل، على العالم اجمع أن يقـرّ ويعـترف أن شعـب وجيش هذه الدولة لم يكن مـضطهـداً أو مظلوما بل كان يعيش الأمن والأمان، ويحصل على قوته اليومي، تحت سقف بيته الخاص، وفي فراشه االدافىء مع عياله…
يا أيها الصحافيين، احترموا معتقد الآخر… وانسوا عيسى ومحمد، كما تناسيتم موسى !… وبلّغوا هذه الرسالة الى فرنسا :
- لقد حان الوقت يا فرنسا، كي تهتمّي بما تبقّى من تاريخك المجيد وتعالجي جراحات مجـتمعـك…
- لقد حان الوقت يا فرنسا، كي تمتنعي عن تدخّلاتك المدمّرة وتبادري الى احترام معتقدات الآخرين…
سيريان تلغراف | فؤاد عزيز قسيس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)