“داعش” كيان فوق الأنقاض
برز تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014 بشكل خطير ومفاجئ، بعد أن اكتسب زخما وازداد قوة في العراق وسوريا اللتين شكلتا أرضية خصبة وفرت له إمكانية البقاء والتمدد.
لم يظهر تنظيم “داعش” من فراغ، فهو امتداد لحركات الإسلام السياسي المقاتلة، وبخاصة في نموذج تنظيم “القاعدة” الذي ارتبطت به أغلب التنظيمات المتطرفة التي جاءت بعده بصلات مختلفة، كما أنه يعد امتدادا مباشرا للتنظيم الذي أنشأه أبو مصعب الزرقاوي.
هذا التنظيم في صيغة “الدولة الإسلامية” بزعامة أبي بكر البغدادي، ضرب بقوة في منتصف عام 2014 حين اجتاح مسلحوه ومقاتلو تنظيمات سنية أخرى متحالفة معه مناطق واسعة من العراق، تمكن خلالها، بحسب تقديرات بعض المصادر، من السيطرة على نحو 40 في المئة من الأراضي العراقية.
بدأت الأحداث في التسارع منذ مطلع شهر يونيو 2014، حيث تقدمت مجاميع من مسلحي داعش شمال البلاد وتمكنت بسهولة من السيطرة على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية ومركز محافظة نينوى بشكل كامل في 10 يونيو/حزيران، ثم زحفت مجاميع التنظيم المسلحة على المناطق المجاورة وسيطرت على مساحات واسعة باتجاه العاصمة بغداد ووصلت إلى منطقتي السعدية وجلولاء اللتين تبعدان عن بغداد بنحو 65 كيلو مترا من الجهة الشمالية الشرقية، رافق ذلك انهيار واضح للجيش العراقي، وغياب شبه كامل لأي مقاومة.
قوات تنظيم “الدولة الإسلامية، ارتكبت خلال زحفها مجازر مروعة حيث دأبت على تنفيذ إعدامات وحشية جماعية في حق الجنود العراقيين الأسرى بغرض زرع الرعب وتدمير الروح المعنوية لخصومه.
في تلك الآونة، أعلنت قوات إقليم كردستان العراق “البشمركة ” سيطرتها في 12 يونيو/حزيران على مدينة كركوك النفطية المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، ودخل الأكراد حلبة المواجهة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”.
دفعت التطورات الميدانية والسيطرة على مناطق واسعة في العراق وفي شمال وشرق سوريا، التنظيم فيما يبدو إلى إعلان “دولة الخلافة” وشرع في تدمير الحدود بين البلدين في المناطق التي يسيطر عليها.
تمكن هذا التنظيم في أغسطس الماضي من السيطرة على منطقة زمار النفطية شمال مدينة تلعفر، وسد الموصل، أكبر سدود العراق، إلا أن قوات البشمركة المدعومة بطيران التحالف تمكنت من استعادة السيطرة على هذين الموقعين الحيويين بعد عدة أسابيع من ذلك.
القوات المسلحة التابعة لإقليم كردستان العراق، قامت بدور أساس في التصدي لتمدد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وعلى الرغم من الانتكاسات التي واجهتها في البداية ما دفعها للانسحاب إلى جبال سنجار شمال غرب العراق، إلا أنها تمكنت لاحقا من استعادة المبادرة وانتزعت عدة مناطق من قبضة “الدولة الإسلامية” بدعم جوي من طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
تلكأت الولايات المتحدة في التدخل لوقف زحف مجاميع مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” في البداية على الرغم من خطورة الموقف وسيطرة مسلحي التنظيم على كميات كبيرة من أسلحة الجيش العراقي وذخائره بما فيها أسلحة ثقيلة من دبابات وصواريخ، إضافة إلى أموال سائلة من بنوك الموصل ومصادر طاقة في أكثر من موقع.
إلا أن واشنطن حسمت أمرها بداية أغسطس 2014 وبدأت في شن غارات على مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” شمال وغرب العراق، وأعلنت حينها أنها قصفت أهدافا له بالقرب من العاصمة بغداد.
عملت الولايات المتحدة لاحقا على تشكيل تحالف دولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا من خلال توجيه ضربات جوية وصاروخية لمواقعه في البلدين.
ضم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” 5 دول عربية هي السعودية والإمارات والبحرين وقطر والأردن، وشاركت فيه بشكل نشط فرنسا وبريطانيا إضافة إلى دول غربية أخرى. وساهمت طائرات الدول العربية المنضمة إلى التحالف في قصف مواقع التنظيم في العراق وسوريا باستثناء قطر.
وكانت قوات التحالف الدولي بدأت في شن الحرب على مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية ” في سوريا وتنظيمات أخرى، بينها جبهة النصرة وتنظيم “خرسان” الذي تتحدث واشنطن عن أنه يضم صفوة من تنظيم القاعدة في 22 سبتمبر 2014، واستهدفت في أول هجماتها 22 موقعا على الحدود مع العراق بواسطة مقاتلات وقاذفات وصواريخ توماهوك العابرة للقارات.
وفيما كانت الولايات المتحدة تحشد حلفاءها لمواجهة هذا التنظيم، اجتاح مسلحو “الدولة الإسلامية” عشرات القرى الكردية في ريف حلب شمال سوريا وصولا إلى مدينة عين العرب “كوباني” قرب الحدود مع تركيا، والتي بدأ التنظيم في مهاجمتها منذ 18 يوليو 2014 وكاد أن يسيطر عليها بشكل تام، إلا أن الضربات الجوية تمكنت من إعاقة تقدمه، وفي المقابل لم تتمكن قوات التحالف على الرغم من القوة النارية الجوية التي تتمتع بها من إنهاء المعركة المتواصلة هناك، الأمر الذي يرى أغلب الخبراء أنه بعيد المنال، من دون مشاركة قوات برية.
لم يقتصر نفوذ “الدولة الإسلامية” التي أعلنت أواخر يونيو 2014 على مناطق من العراق وسوريا، بل قامت بمبايعته عدة تنظيمات وجماعات مشابهة في بلدان عدة منها، السودان والجزائر وليبيا ومصر ولبنان وتونس.
لم يتورع هذا التنظيم عن ارتكاب أبشع الجرائم، بل وتصويرها وعرضها علنا عبر شبكة الإنترنت، من ذلك قيام مجموعة تابعة له بقتل امرأة رجما في ريف حماة الشرقي بسوريا في أكتوبر 2014 بتهمة الزنا.
كما وزع تنظيم “الدولة الإسلامية”مشاهد مروعة لعملية ذبح رهينتين، الأولى للبريطاني آلان هينينغ الموظف في هيئة إغاثة والبالغ من العمر 47 عاما، والثانية للأمريكي بيتر كاسيغ الذي قتل ذبحا.
امتدادات “داعش” وتحولاته التنظيمية
يمكن القول إن منبت تنظيم “الدولة السلامية” الأول يعود إلى تنظيم “التوحيد والجهاد” الذي أسسه وقاده أبو مصعب الزرقاوي، وهو الاسم الذي عُرف به أحمد فاضل نزال الخلايلة حتى مقتله في يونيو عام 2006 بمحافظة ديالي.
في عام 2004 بايع الزرقاوي بن لادن، وبات تنظيمه يحمل اسم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، وعقب مقتل الزرقاوي استلمت شخصيات عراقية ميدانية قيادة التنظيم واعتمدت نهجا يمنح الاستشهاد لعناصرهم المهاجرين والتمكين للعراقيين منهم.
في أكتوبر عام 2006 تأسس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” بقيادة أبي بكر البغدادي، وانضمت إليه 8 جماعات مسلحة منضوية تحت لواء “مجلس شورى المجاهدين في العراق” من بينها، تنظيم الزرقاوي قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين. وكانت هذه الجماعات المسلحة الثمانية تقاتل الأمريكيين منذ عام 2003.
وفي وقت لاحق، مُنحت البيعة لأبي عمر البغدادي، أمير مجلس شورى المجاهدين في العراق، وخلفه وبعد مقتله على يد الأمريكيين في أبريل 2010 أبو بكر البغدادي، وهو عراقي من مواليد عام 1971 واسمه الحقيقي إبراهيم عواد إبراهيم البدري، وكان محتجزا لدى الأمريكيين في سجن بوكا قرب مدينة أم القصر على الحدود مع الكويت بين عامي 2004 – 2009.
أسس البغدادي عام 2012 بمساعدة أبي محمد الجولاني جبهة النصرة في سوريا وأمدها بالرجال تحت زعامة الجولاني، وفي العام التالي أعلن البغدادي، قائد تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق عن دمج تنظيمه مع جبهة النصرة تحت مسمى تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق والشام وهو ما عرف بـ”داعش”.
رفض الجولاني الاندماج مع البغدادي، وبدأ “داعش” وبدأ الصدام بين الفريقين، حيث استولى داعش على مقرات للنصرة وعلى مخازن أسلحة لتستعر الحرب بينهما فترة من الزمن.
فيما بعد استفحل خطر تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وفي سوريا، واشتدت شوكته وعظم طموحه وبدأت المواجهة مع الغرب في محاولة من التنظيم لتجسيد الشعار الذي رفعه والذي فحواه الدولة “باقية وتتمدد”.
سيريان تلغراف