الإرث الثقافي السوري في خطر
يقوم العديد من المجرمين في سورية بنهب وتدمير التراث الثقافي الثمين للبلاد. وهو ما تستفيد منه الميليشيات الإرهابية أيضا. هذا ما دفع الحكومة الألمانية إلى وضع خطط لتشديد القوانين للحد من تجارة الآثار بطريقة غير شرعية حسب ما ذكر موقع دوتشي فيليه الألماني.
على عكس تجارة المخدرات أو الأسلحة بقي موضوع “الاتجار غير المشروع في السلع الثقافية” خارج اهتمام الرأي العام لمدة طويلة، حتى داخل الأوساط السياسية والقانونية. وهذا يمكن ملاحظته أيضا من خلال تركيبة الموظفين لدى السلطات الأمنية الألمانية على سبيل المثال. فالمكتب الاتحادي للتحقيقات الجنائية لا يوظف سوى ثلاثة ضباط فقط في مجال حماية الممتلكات الثقافية.
ولكن في الآونة الأخيرة، تتراكم التقارير الإعلامية حول نهب السلع الثقافية، وخاصة في بلدان الشرق الأوسط. كما أن هناك أدلة على أن الأرباح من الاتجار غير المشروع في الآثار المنهوبة تتدفق في جيوب المليشيات الإرهابية، ومن بينها ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يكسب الكثير من المال عبر التجارة في الكنوز الفنية والثقافية المسروقة. وهو ما يؤكده التقرير الذي أصدره لصالح مجلس الأمن فريق بحث تابع للأمم المتحدة في منتصف تشرين الثاني.
تنظيم “داعش” يشجع على نهب المواقع الأثرية وتهريب التحف
فالتقرير يكشف في الفصل المتعلق بتمويل تنظيم “الدولة الإسلامية” أن عمليات نهب الآثار تأتي في المركز الثالث من حيث العائدات التي يعتمد عليها التنظيم الإرهابي. ويشير التقرير إلى أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يقوم بتشجيع نهب المواقع الأثرية وتهريب التحف والقطع الأثرية من سورية والعراق. ولذلك فهو يعتبر نهبا منهجيا ومنظما أكثر من أي وقت مضى. ففي بعض الأحيان تستخدم أيضا معدات وآليات ثقيلة مثل الجرافات. وجدير بالذكر أن التنظيم الإرهابي يحصل على جزء كبير من الأرباح عبر فرض ضريبة على اللصوص.
معالم محطمة وثقوب عميقة
من جهته يرى نيل برودي، عالم الآثار بجامعة غلاسغو، والمتخصص في بحوث التجارة العالمية في الممتلكات الثقافية المنهوبة، أن ما يجري في سورية مأساة خطيرة، وقال: “على صور الأقمار الصناعية، تشاهد المناطق المتضررة. ومع رؤية الحفر في كل مكان تبدو وكأنها مناظر على سطح القمر”. ويضيف برودي في مقابلته مع DW: “نعرف من تقارير السكان المحليين أن هذه ليست مجرد حفر بسيطة وإنما ثقوب عميقة، مرتبطة جزئيا عن طريق أنفاق، وبعض هذه المواقع تتعرض لتدمير مهول.
غير أن الخبير الاسكتلندي لا يستطيع تحديد حجم تجارة الآثار غير المشروعة في السوق العالمية. وذلك لسببين أساسيين: أولهما: لأن جزءا كبيرا من المسروقات يتم تداوله في السوق دون معرفة مصدره. وثانيهما أن أغلبية الآثار المسروقة لم تصل إلى السوق المفتوحة في بيوت المزادات والمعارض العالمية. ويقول برودي: “على مدى السنوات العشرين الماضية، تكونت مجموعات كبيرة، خاصة من القطع الأثرية القادمة من العراق، ولكن هذه الآثار لم تظهر أبدا في السوق المفتوحة”.
خلاف حول حجم الظاهرة
رغم ذلك هناك تقديرات حول حجم عائدات التجارة غير المشروعة من الآثار القديمة. فمنظمة اليونسكو والانتربول ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجرائم يقدرون العائدات بحوالي ستة إلى ثمانية مليار دولار أمريكي. غير أن أورزولا كامبمان، المسؤولة عن حماية الممتلكات الثقافية في جميعة (IADAA) التي تضم 32 من تجار الأعمال الفنية الدولية، تعتبر هذا الرقم مبالغا فيه بشكل كبير. وفي تشير كامبمان إلى الدراسة التي قامت بها الجمعية التي تعمل فيها. وتشدد الدراسة على أن أرباح بيوت المزادات الأوروبية والأمريكية في عام 2013 تقدر بين 150 و 200 مليون يورو. ولهذا تتساءل الخبيرة: “كيف للتجارة غير المشروعة أن تشكل 40 ضعفا للتجارة المشروعة في الآثار الثقافية؟”
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أصابع الاتهام توجه أيضا لجمعية كامبمان، خاصة وأن سوق الفن مشتبه فيه أيضا في كسب المال من تجارة الممتلكات الثقافية المنهوبة. فحتى الآن لا يطالب التجار بتقديم حجج أو أدلة عن مصادر الآثار أو القطع الفنية التي يعرضونها في المزادات والمعارض العالمية. غير أن هذا التعامل المتراخي بعض الشيء مع السلع الثقافية قد ينتهي قريبا، وخاصة في ألمانيا، حيث هناك مقترح لقانون جديد لوزيرة الثقافة الألمانية مونيكا غروتَرس. ومن المنتظر أن يفرض مشروع القانون الجديد على التجار تقديم أدلة واضحة حول مصدر التحف المتداولة بالإضافة إلى تصريح التصدير من قبل الدولة المعنية.
تغيير الوعي الإنساني
لكن المشكلة في نهب السلع الثقافية والاتجار فيها يكمن أيضا في الاعتقاد السائد بأنها “جريمة بلا ضحايا”. ولهذا يجب أن يكون هناك وعي بأن هذا العمل الإجرامي يعني سرقة التراث الثقافي للبلد، بل هي سرقة للإنسانية جمعاء. فبسبب النهب لا يمكن دراسة هذه الآثار علميا، فغالبا ما تختفي في خزانات هواة جمع التحف. وما هو أكثر خطورة حسب ماركوس هيلغورت، مدير متحف الشرق الأدنى في برلين: “الآثار غير القانونية تساهم في تدمير السياق الأثري، فاللصوص ليسوا مهتمين بذلك على الإطلاق ولا يرون في تلك الآثار سوى القيمة المادية.
ألمانيا تسعى لسن قوانين لمنع الاتجار في الآثار المهربة
ولذلك فإن تجارة الآثار غير المشروعة تعتبر أسوأ شيء يمكنك القيام به لتدمير الهوية الثقافية للبلد “. ولذلك يشدد المستشرق هيلغرت في مقابلته مع DW على ضرورة تغيير الوعي الإنساني والتركيز على أهمية هذه الآثار، التي تعتبر جزءا مهما من هوية البلد. وهذا هو أيضا موضوع المؤتمر، الذي انطلق امس الخميس 11 كانون الأول في برلين تحت شعار “الإرث الثقافي في خطر”. ويشارك في هذا المؤتمر خبراء دوليون وهمهم الأساسي هو كيفية إيجاد حلول للحد من ظاهرة التجارة بالآثار الثقافية خاصة في بلدان الشرق الأوسط وعلى رأسها سورية والعراق.
سيريان تلغراف