حرب الإمارات بين الإخوة الأعداء
تحاول العديد من الجهات وعلى رأسها أميركا تجميل بعض الجماعات المسلّحة في سورية وتظهيرها بمظهر الجماعات المعتدلة، متناسيةً أنّ ما سميّ بـ”الجيش السوري الحر” كان أوّل الجماعات التي قامت بارتكاب المجازر وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وحتى شوي الرؤوس المقطوعة وأكل القلوب، وكل هذه الممارسات موثّقة بالصور والأفلام ولا يستطيع أحد نكرانها ونفيها، رغم محاولة البعض تبرير هذا السلوك الوحشي في سياق ردّات الفعل على ممارسات النظام السوري.
لم تستطع الجماعات المسلّحة التي انطلقت تحت شعار الثورة والتغيير أن تقدّم نموذجاً بديلاً للنظام السوري بحسب إدعاءاتها، هذا النظام الذي اتُّهم بالديكتاتورية والقمع وغيرها من الصفات.
ولست هنا في سياق الدفاع عن النظام السوري، وهي مسألة تبقى مرتبطة بمسار طويل معقّد حول العديد من الآليات ومنظومات القيم والعلاقات بين نُظم الحكم وشرائح المجتمع وحجم الضغوط والمتطلبات، وغيرها من العديد ممّا يحكم علاقة الدولة بمواطنيها في سياق منظومة الحقوق والواجبات.
وكمدخل لمقاربة الموضوع الأساس وهو حرب الجماعات المسلّحة فيما بينها أودّ الإشارة الى لقاء جمعني بالبعض ممّن كانت تجمعني بهم الصداقة وهم ممّن تبنوّا شعارات “الثورة”، واختصاراً أورد بعضاً ممّا قلته لهم: “إنّ ما تسمونه ثورة لم تتشكل ظروف إنطلاقها لتتشكل ظروف نجاحها وهذا الأمر مرتبط بالكثير من التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية، إضافةً الى ما تسمعونه من مشجعي الثورة الأميركيين والخليجيين حول إسقاط النموذج الليبي على سورية لجهة إقامة منطقة حظر جوي لن يتّم بفعل الفيتو الروسي والصيني، كما أنّ رهانكم على إنشقاق وحدات كبيرة من الجيش السوري لن يحصل وستثبت الأيام صحة كلامي”، وممّا قلته لهم أيضاً أنّ ما يُحضّر للمنطقة وخصوصاً سورية يتجاوز رغباتكم في التغيير والتي لا ينكرها عليكم أحد كون التغيير جزء من حركة الحياة نفسها، إضافةً الى أنّ “عسكرة الثورة” ستجرّ على سورية الوبال والدمار، وبحكم تركيبة المجتمع السوري فإنّ عشرات الفصائل المتطرفة سيتم تشكيلها واستيراد بعضها لتصبح يوماً ما هي القوة المتعاظمة التي ستحكم بقبضتها على ما تستطيع من جغرافية سورية، وستتحولون انتم الى مجرد مشردين في الفنادق الفخمة تتسولون من الدول الكبرى الموقف وأسباب الإستمرار.
ولم تطل الأيام كثيراً لتتخّذ فصائل “الجيش الحر” أسماء إسلامية لتشكيلاتها، وتفقد قيادات هذا الجيش السيطرة على وحداتها التي بدأت تتشعّب وتتناثر ليتم تفريخ مئات الفصائل المتطرفة وعلى رأسها جبهة النصرة التي تؤمن بفكر القاعدة، والتي انبثق عنها في مرحلة لاحقة ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية”.
الحرب الجارية حالياً في ريف إدلب ليست الجولة الأولى من جولات حرب الإمارات الناشئة أو التي ستنشأ، فقد سبقت هذه المعارك عشرات المواجهات بين فصائل مختلفة وجوهر صراعها القائم على تقاسم مناطق النفوذ والغنائم بمنطق العشيرة والمنطقة والزاروب.
في الأسباب المباشرة لإندلاع هذه الإشتباكات بين أمراء الحرب السوريين والوافدين قد تكون الخلافات على مناطق النفوذ هي المحرك المباشر للصدام، إلّا أنّ الكثير من العوامل الأخرى الإقليمية والدولية هي على الخط مباشرةً بحكم أنّ هذه الجماعات هي إنعكاس للداعمين والممولين الذين تتشابك مصالحهم في هذه المرحلة كما في كل مرحلة خصوصاً بعد إعلان التحالف ضد داعش، حيث يتنافس أمراء الجماعات على كسب ود أميركا ليحظى بلقب الإعتدال وما ينتج عنه من تبني وتمويل وإمتيازات.
ومن يراقب الوضع يدرك ما يرمي اليه كل طرف، فجبهة النصرة التي نجت حتى الآن من ضربات التحالف الدولي بإستثناء ضربة الليلة الأولى تتهم جبهة ثوار سورية بالعمالة لأميركا والتواطؤ معها، بينما تتهم جبهة ثوار سورية النصرة بمحاولة بسط سيطرتها على ريف إدلب وإقامة إمارة لها على غرار إمارة داعش وفرض قوانينها على الناس وتغيير تقاليدهم وعاداتهم، وهو أمر يُعتبر نوعاً من كسب ود الناس الممتعضين ممّا يجري.
وبمعزل عن نتائج هذه المعارك وعن محاولات فصائل أخرى تشكيل قوات فصل تحت مسمّى قوات الصلح، فإنّ مسار النزاع والصدام سيستمر بين هذه الجماعات التي تحمل في تركيبتها عشرات التناقضات الفكرية والمصلحية التي ستكون المبرر الحاضر والدائم لإكمال جولات التناحر وإلإقتتال.
ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الحروب ستكون أحد العوامل التي ستساعد الجيش العربي السوري في المرحلة القادمة على حسم معاركه لمجموعة من الأسباب، أهمها:
1- الإنهاك العسكري لهذه الجماعات بسبب معارك تصفية الحسابات فيما بينها، حيث سيكون لهذه المعارك دور أساسي في تدمير أسلحة وعتاد هذه الجماعات إضافةً الى خسارتها الكثير من المقاتلين في صفوفها.
2- سيكون بإمكان أجهزة الرصد والإستخبارات التابعة للجيش السوري أن تُجري عمليات رصد لعديد هذه القوات وأماكن تموضعها وتحركاتها بما يشكّل قاعدة معلومات جديدة عن هذه الجماعات، خصوصاً أنّ هذه المعارك تجري في منطقة هي مقصد الجيش السوري في المرحلة القادمة، بعد أن شارف على إنهاء تواجد الجماعات المسلّحة في ريف حماه ويستعد للتقدّم نحو خان شيخون ومعرّة النعمان وبالتأكيد جبل الزاوية الذي يشهد حالياً أعنف المعارك بين جبهة النصرة وجبهة ثوار سورية.
3- تفاقم الإمتعاض الشعبي في مناطق القتال من سلوك هذه الجماعات المضاف الى رصيد كبير من الإعتداءات والتجاوزات باسم “الثورة” وهيئاتها الشرعية الحاكمة باسم الله، ما سيؤدي الى تراكم الجهد الشعبي الضاغط باتجاه الذهاب الى منطق المصالحة مع الدولة والتخلص من حالة الفوضى القائمة.
وفي ظل استمرار المعارك والإتهامات المتبادلة بين هذه الجماعات فمن المؤكد أنّ الأمور ستتطور الى الأسوأ في الأيام القادمة حتى لو برزت من حين الى آخر بعض مراحل الهدنة ووقف إطلاق النار، فطبيعة الإنقسام الحاصل الذي يحاول من خلاله كل طرف تبرير مواقفه لا تساعد في إنهاء الوضع بشكل يؤدي الى الوئام والسلام.
سيريان تلغراف | سلاب نيوز