لماذا لا تتحالف أمريكا مع الرئيس الأسد؟
تدلل المعطيات التي تشير إليها موازين القوى في الميدان السوري إلى أن الدولة السورية لن تسقط، و تعد دول الجوار هي الأكثر تضرراً إلى أن حكومة مثل حكومة أنقرة تتمسك بمواقفها من دمشق ضمن لعبة بوكر خاسرة تراهن فيها على سقوط دمشق لـ صالح إقامة نظام يتبع بشكل مباشر تحالف محور يسعى لإقامة كيانات ثابتة متأصلة في البقاء، مع تأسيس إمبراطوريات اقتصادية بتشاركية دولية لا تغيب عنها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقابل ذلك لا يخرج الدور الأردني و بعض القوى السياسية في لبنان من دائرة التبعية و التنفيذ مقابل الفتات ( سياسياً و اقتصادياً).
الدولة السورية التي تنفذ يومياً ما يزيد عن 150 طلعة جوية تستهدف من خلالها الميليشيات و التنظيمات الإرهابية في أكثر من نقطة تتواجد فيها هذه الميليشيات لا تعطي بالاً لـ طلعات التحالف الأمريكي التي لا تريد منها واشنطن سوى ذر الرماد في العيون عن أهدافها من العودة إلى المنطقة عسكريا، فشربكة الخيوط التي عملت عليها إدارة البيت الأبيض بدءً من الأزمة الامنية و استهداف الأقليات في العراق مروراً بخلق أزمة سياسية في بغداد تمثل بالخلاف على تسمية رئيس الحكومة، وصولاً إلى محاولات تفريغ الشرق من محتواه المسيحي و طرح نظرية التقسيم إلى كيانات طائفية وفقاً لنظرية نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن، كل هذه الأحداث لم تكن مجرد أزمات عابرة، لكنها في أصل الأمر كانت مجرد تمهيد للعودة إلى العراق عسكرياً.
وحين تنظر الإدارة الأمريكية إلى الخارطة السورية تجد أن لديها مشكلة مع وجود حكومة قوية ممثلة بالرئيس السوري بشار الأسد، وبرغم تزايد مخاوفها من عودة الجهاديين الذين قدرتهم صحيفة (A.B.C) بـ نحو 2000 جهادي يحملون جوازات سفر أوروبية و أمريكية يبدون الرغبة بالعودة إلى بلدانهم، فيما تابعت الصحيفة بالنقل عن وزارة الدفاع الأمريكية إن 15 ألف مقاتل أجنبي يقاتلون ضمن صفوف داعش في سوريا و العراق، و تترافق هذه التصريحات بتأكيد الكثير من محللي السياسة و الاستراتيجيات في الولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة التحالف مع دمشق و الرئيس الأسد، ولا تأتي هذه الدعوات إلا من باب النظر إلى المصلحة الأمريكية الأمنية المجردة، إذ يعكس هؤلاء رؤيتهم بالتأكيد على أنهم يريدون هذا التحالف لأنه سيحقق لأمريكا مكاسب أكبر بكثير من مكاسب محاربة الدولة السورية بحجة واهية.
لكن إصرار الولايات المتحدة و حلفائها على مواقفها من الدولة السورية يفرض السؤال الكبير حول الأسباب التي تدفع واشنطن للمغامرة بكل حساباتها والمحافظة على راهنها الأوحد في الأزمة السورية، والمتمثل بإسقاط دمشق لـصالح كيانات سياسية و عسكرية اختلقتها لتقول إن ثمة معارضة للأسد في سوريا، والتغيير الديمقراطي واجب.
السعي الأمريكي لفرض السيطرة على المنطقة عسكرياً و سياسياً يأتي من باب محاولة الحد من النفوذ الروسي في المنطقة، و الذي تضمن له دمشق هذا الامتداد الاستراتيجي في منطقة شرق المتوسط، كما إن لـ أمريكا مطامع اقتصادية كبرى في المنقطة تتمثل بالحد من حصص حلفائها في النفط العراقي من مناطق الشمال، وعلى الطاولة أيضاً تحضر حقول الغاز المكتشفة قبالة السواحل السورية، ومشروع خط الغاز “نابوكو” والذي يكفي الإشارة إلى أن الاسم مأخوذ من مقطوعة موسيقية للموسيقي الإيطالي “جوزيبي فيردي” والتي تتحدث عن السبي البابلي لليهود، وهذا يعطي مؤشراً كبيراً على الدور الإسرائيلي، وفي لعبة الطاقة ترمي تركيا ورقتها بقول لـ أردوغان خلال توقيع اتفاقية نابوكو، حيث قال ” حتى إن قمتم للنظر من مسألة الطاقة وحسب .. فيجب أن تكون تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي”.
هذه الأسباب على أهميتها تعد في الأسباب غير المباشرة لـ أمريكا في عدم تحالفها مع الرئيس السوري بشار الأسد ضد داعش أو غيرها من التنظيمات الإرهابية، فالقرار جملة و تفصيلاً في البيت الأبيض يتخذ من قبل اللوبي اليهودي فيه، إذا إن أمن إسرائيل لابد و أن يكون أولاً مهما كلف الأمر، وعلى ذلك فإن تفكيك محور المقاومة من خلال إسقاط دمشق مطلب ملح لـ “أمن إسرائيل”، و أي طرح لـ أي شكل من التحالف مع سوريا و إيران ضد داعش أو سواه مرفوض إسرائيلياً، وعليه لا يمكن أن تغامر أي إدارة أمريكية بمستقبلها السياسي بهكذا خطوة.
وتبعاً لـ تعقيدات السياسة الداخلية الأمريكية، فإن الحزب الديمقراطي يعتمد على إقامة الحروب خلال الولاية الرئاسية الثانية لأي منتمٍ للديمقراطيين في أمريكا على إقامة حرب كبرى ضد خطر يهدد الأمن القومي الأمريكي ليكون دعاية انتخابية جيدة، و إن الرؤساء الأربعة السابقين انتهجوا ذات النهج بدءا من جورج بوش الأب في حرب الخليج، ومن بعده بيل كلينتون في عاصفة الصحراء، وبوش الابن في حربه “المقدسة” على القاعدة في افغانستان و العراق، ومن ثم أوباما في حربه على داعش و ربما تذهب أبعد من ذلك، وعلى هذا يحرّك اللوبي اليهودي قيادات الديمقراطي على رفض أي تحالف مع الحكومة السورية، كما إن الحرب الطويلة غاية الأمريكيين ، إذ تحقق لهم الهامش الاقتصادي الذي سيخرج واشنطن من أزمة الديون السيادية التي غابت عن الإعلام و البحث الأمريكي داخلياً و خارجياً، كما إن إشاعة الفوضى في المنقطة لـ أطول فترة ممكنة سيخلق لواشنطن الهامش الذي تحتاجه للمناورة و طرح مشروع التقسيم الطائفي للمنطقة بما يضمن طبيعية إسرائيل جغرافياً..
لكن هل تمتلك دمشق أدوات حقيقية للخروج من هذه الأزمة الكبرى..؟.
الجواب يأتي في هذه النقطة من النظر إلى خارطة المعارك السورية، كما يأتي من طبيعة المصالحات الوطنية التي تقوم على جهود كبيرة، إذ إن تسليم 305 اشخاص لـ أنفسهم يوم أمس، الأحد، في حمص وريف دمشق و تسوية أوضاعهم ومن قبلهم الكثيرين، تعكس رغبة كبرى لدى الرئيس الأسد على أن يكون الحل من خلال هذه الصورة فيما يبقى التعامل مع الرافضين لفكرة المصالحة بذات الأسلوب الذي يريدوه لفرض غاياتهم، معارك شرسة لا يضع أمامهم الجيش السوري فيها سوى خياري الاستسلام أو الموت.
الرئيس الأسد يعكس ارتياح بلاده لمعطيات الحرب، فيدير البلاد إدارياً من مكتبه بما يؤمن استمرارية الحياة في ظرف قاس كالحرب، والقرارات الداخلية بتغير محافظين و تعيين جدد، وصولاً إلى استقبال الوفود القادمة من الدول الصديقة حاملة معها مشاريع استثمارية متوسطة و كبيرة لتنفيذها ضمن الأراضي السورية، و المشاركة بإعادة الأعمار، ومروراً بـ ممارسة مجلس الشعب لإعماله بشكل طبيعي من خلال إحالة قوانين جديدة أو معدلة إلى الهيئات المختصة، و انتهاءً بـ أبسط القرارات، تعكس دمشق ..واقع الثقة الكبيرة بالانتصار القريب، وفي المحصلة.. يمكن القول أن الأسد ممثلاً عن الدولة السورية ككل، و بواقع متانة العلاقة مع الحلفاء الاستراتجيين (روسيا و الصين و إيران و أمريكا اللاتينية وغيرهم )، وواقع قوة وتماسك الجيش العربي السوري، ليس بحاجة لأي تحالف مع أمريكا أو أي من حلفائها، فنهاية الحرب ستكون بـ قلب طاولة البوكر على الجالسين حولها للمقامرة بأمن المنطقة.
سيريان تلغراف