غدر الناس .. بقلم نغم نصر
استَشعَرتُ قُربَهُم….التِصَاقَهُم …جُنُونَ مَحَبَّتِهِم….فَتَقاسَمُوا أَروَاحَهُم مُنَاصَفَةً مَع حَيَاتِي
تَدَاخَلُوا ….تَمَاهُوا بَينَ ثَنَايَا أَحلَامِي …..غُصْتُ إِلَيهِم….. إِلَى أَعمَاقِ مُحِيطَاتِهِم هُنَاكَ حَيثُ تَكْمُنُ الأَمَانِي
رَفَعُوا الحَوَاجِزَ جَمِيعَهَا…. تِلكَ المَسَافَات الّتِي طَالَمَا جَاهَدتُ لِأُبقِيَهَا بَينَنَا خَوفَاً على فَخَامةِ عَرشِ كِبرِيَائِي
اشبَعُونِي تَلَهُّفَاً لِسَمَاعِ الثَّنَاء …فَتَقَاذَفَتهُم شَوَاطِئ الأَفرَاحِ مُهدِيَةً إِلَيَّ أُنشُودَةً رَفَدْتُهَا أنهَارَاً… لِتَروي ظَمَأَ القَادِمَاتِ مِن أَيَّامِي
جَذّفْتُ ….أَبْحَرْتُ بَينَ أَموَاجِ كَلِمَاتِهِم العَابِرَة ….مَلَأْتُ مِن بَرِيقِ أَفئِدَتِهِم غَلَاصِمَ رُوحِي
أَغرَقُونِي بِكَلِمَاتٍ أَدفَأَت بَهَاءَ غُرُورِي وَ أَشعَلَت لَهِيبَ عُنفُوَانِي
وَعِندَ كُلِّ مُنَاجَاةٍ …..شَكَرتُ الحَياةَ عَليهِم …كَمِنحَةٍ وَهَبَتْهُمُ إِلَيّ…مَضَغْتُ خُبزَهُم وَ مِلحَهُم… فَتَجَرَّعُوا كَأسَ دِمَائِي
حَتَّى إذَا بَلَغنَا مِحرَابَ الصَّلاةِ ….قَدَّمتُ رُوحِي قُربَانَاً لِبَقَاءِ وُجُودِهِم فِي ثَنَايَا ضُلُوعِي
حِينَئِذٍ أَقسَمتُ أَننّي لَم أُرزَق بِهِبَةٍ مِثلَهُم وَ بِأنَّهُم أَجمَلُ مَا رَزَقَنِي إِيَّاهُ الله وَ أَهدَانِي
فَجأةً ….شَعَرْتُ بِالصَفْعَةِ تَلطِمُ وَجنَتَيَّ …..فَإِذَا بِي أَستَفِيقُ مِن أَضغَاثِ أَحلَامِي
تَبَاعَدَت الأَروَاحُ …… حَتَّى بَلَغَتْ مَسَافَةً تَكَادُ تُشَابِهُ ابْتِعَادَاً مُفَاجِئَاً لَهُم عَن وِجدَانِي
بِلَظَى نِيرَانِهِم تَأَلَّمتُ….تَلَوَّعْتُ ….فَاستَيقَظَتْ رُوحِي المُتَصَدِّعَة مِن بَينِ سَكَرَاتِ أَشجَانِي
انتفضت عَقلَانِيَّتِي …. لِتَطحَنَ سُبَاتَاً عَمِيقَاً مَلَأَ أَجفَانِي
لَعَنتُ تَعوِيذَةَ عَوَاطِفِهِم……دَمَّرتُ طَلَاسِمَ خُزَعبَلَاتِهِم …. تِلكَ الَّتِي مَسَخَت فُؤَادِي
أَطلَقتُ العنَان …أَرسَلتُ إِلَيهِم عَبرَ أَثِيرِ غَدرِهِم… استِفسَاراً مَفَادُه :أَمَاتَ زَمَنُ الصَّدِيقِ عِندَ الضِّيق؟ رَجَاءً أَجِيبُوا عَن سُؤَالِي
زَمَانٌ مَبدَؤُهُ مَع كُلِّ ضِيقٍ تَخسَرُ حَبِيبَاً وَتَفقِدُ رَفِيق ! لَمْ تَكُن تِلكَ إجَابَتُهُم…وَلَا كَانَ ذَاكَ رَدُّهُم…. بَل كَانَ رَدِّي وَ كَلَامِي
مِنَ اليَوم فَصَاعِداً… سَأَحكُمُ مَمَالِكَ الغَابِ تِلك….الآن تَحتَ عَرش سَماء حَيَاتِي … يَكُونُ القَولُ قَولِي… وَ القَرَارُ قَرَارِي
نَعَم .. .. شَعَرتُ بِالغُربَةِ مَعَهُم .. جَفَّت أَنهَارُ عَطَايَاهُم الَّتِي مَلَؤُهَا مِن جَدوَلِي
هَدَمُوا جُسُورَنَا ….لِيَبنُوا جُدرَانَهُم …اليَوم انشَغَلَت أَوقَاتُهُم !… تِلكَ الَّتِي دَقَّتهَا عَقَارِبُ سَاعَاتِي
حَمَلُوا حَقَائِبَهُم الَّتِي مُلأِت بِي يَومَاً ثُمَّ أَفرَغُوهَا…..أَحرَقُوا الكُتُبَ الَّتِي خُطَّتْ بِحِبرِ كَلِمَاتِي
أَصَابَتنِي النَّائِبَاتُ ….عَلِمُوا بِهَا …..لَم يَلتَفِتُوا …..أَفرَاحِي بَاتَت تُثقِلُ كَاهِلَهُم فَلَا يَحضُرُون ….حَتَّى أنَّهُم تَغَيَّبُوا عَن أَترَاحِي
انقَطَعَت عَنِّي نَسَمَاتهم الَّتِي نَعَتْتُهَا يَومَاً بِالدَّافِئَة ! …إِيه كَمْ نَثُرُوهَا عَلَى حَيَاتِي كُلَّ حِين ..دُونَهُم بَاتَت الوِحشَةُ تَقتُلُنِي
وَفِي حُضُورِهِم تَقسُوا فِي دَاخِلِي غُربَة حُضُورِهِم .. يُحَاوِلُونَ بِكُلِّ السُّبُل أَن يَحذِفُونِي .. وَ يَخلِقُوا الطُّرُق لِيَستَبعِدُونِي
هُم فِي الغَالِبِ رِفَاقٌ جَمَعَتنِي بِهِم الظُّرُوف…أَحبَابٌ اعتَقَدتُ أَنَّ الحَيَاة سَوفَ تَمنَحُنِي فُرصَةَ الاِستِمرَارِ مَعَهُم حَتَّى تَحِينَ نِهَايَتِي
قَد يَكُونُوا أَصدِقَاءَ دِرَاسةٍ أَو زُمَلَاءَ عَمَلٍ ….رُبَّمَا مُقَرَّبُونَ…. يَقتَرِبُونَ فَجأَة وَ يَبتَعِدُونَ فَجأَة !….أَمرٌ تَكَرَّرَ فِي حَيَاتِكُم وَ حَيَاتِي
حَدَثٌ يُعِيدُهُ التَّارِيخُ مِرَارَاً…. وَقَعَ فِي المَاضِي وَ سَوفَ يَتَكَرَّرُ فِي الحَاضِرِ وَ لَا مَفَرَّ مِنهُ لَاحِقَاً فِي الزَّمَنِ الآَتِي
تُرَى هَل تَغَيَّرُوا أَم أَنَّهُم ظَهَرُوا ؟ تَبَدّلُوا أَم كَانَت حَقِيقَتَهُم وَ بِتَمثِيلِهِم الرَّائِعِ أَوهَمُونِي ؟
أَبدَعُوا فَكَانُوا عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِم..أَتقَنُوا الأَدوَار..حَتَّى اقنَعُونِي أَنَّ وُجُودَهُم لَا يَقبَلُ المُحَاكَاة وَبِأَنَّهُم هَدِيَّةٌ أَرسَلَتهَا إليَّ أَقدَارِي
احتَرَفُوا التَّمثِيلَ حَتَّى تَمَكَّنُوا ! ….و اعتَادَت عَلَى حُضُورِهِم لَحَظَاتُ أَيَّامِي
ثُّمَّ مَاذَا بَعد؟ الآنَ قَرَّرُوا الاعتِزَال !! و لِمَاذَا يُمَثِّلُون؟ فَالحَاجَةُ الَّتِي كَانَت فِي نَفسِ يَعقُوب … قُضِيَت أَمَامِي
…أَمَّا الأَحبَابَ يَاأَحِبَّائِي” “مَا أَصعَبَ الاستِمرَار فِي دَوَّامَةِ الصِّدقِ عَلَى أَمثَالِهِم ،خَاصَّةً أَنَّهُم تَكَلَّفُوا عَنَاءَ صِفَاتٍ لَيسَت بِصِفَاتِهِم
رُبَّمَا يَتَغَيَّرُون إِن مَرَّت بِهِم ضَائِقَةٌ أَو مَوقِف فَأَسَاؤُوا التَّصَرُّفَ حِيَالَهُ وَلَم يَتَّزِنُوا… تَغَيَّرُوا عِندَمَا مَرُّوا بِمُشكِلَةٍ أو ظَرفٍ فُجَائِيّ
فَلَم يَتَعَامَلُوا مَعَهُ بالشَكلِ الصَّحِيحِ ..حِينَئِذٍ نَكُونُ عَلَى مَعرِفَةٍ بِأَسبَابِ تَغَيُّرِهِم وَنَعلَمُ أَنَّ مَا حَصَلَ سَوفَ يَزُول وَبِأَنَّهُ أَمرٌ آنيّ
وَ بِالقَدرِ الَّذِي نُبَادِلهُم الأُخُوَّةَ وَالمَحَبَّة وَ نَقِفُ مَعَهُم…. نَنجَحُ بِانتِشَالِهِم مِن مَوقِفِهِم …وَ نُعِيدُهُم نَحوَ مَوقِفِنَا وَ حُبِّنَا اللَّامُتَنَاهِي
كَمْ نَحتَاجُ المَوَاقِفَ لِنُدرِكَ الحقِيقَة!…فَمَا الحَيَاةُ إلَّا مَوقِفٌيُعَرِّيكَ وَ يَكشِف لَكَ الآخَر…فَيُبَاعِدَكُم أَو يُدخِلَكُم فِي حَالَةِ التَّمَاهِي
أَمَّا أُولَئِكَ الَّذِينَ تَلَطُّوا ثُمَّ ظَهَرُوا مُستَغِلِّينَ المَوَاقِفَ لِيَبتَعِدُوا …وَ يَتَغَيَّرُوا لِلنَقِيض فَإَنَّ حَقِيقَتَهُم كَانَت زَائِفَة وَ خَدَعَتْ نَاظِرَيّ
انَتَهَى العَرضُ …. انقَضَت آخِرُ فُصُولِ المَسرَحِيَّة ….كَانت هَزلِيَّةً بِامتِيَاز…وَ الآنَ مِن فَضَاعَةِ المَشَاهِد مَن يَحمِي مَشَاعِرِي؟
مَن يُخَفِّفُ عَنِّي وطأَة انسِدَال السَّتَائِر؟ وَ يُبَرِّدُ رَاحَةَ كَفِيّ..بَرَعُوا حَتَّى صَدَّقتْ.. ..صُعِقْتُ…. فَصَفَّقتُ مُبدِيَةً لَهُم إعجَابِي
مَن يُخرِجُنِي مِن ذُهُولِي …مِن دَهشَتِي؟ وَ تَبقَى الإجَابَةُ مُعَلَّقَةً ….عَن كنهِ الأَسبَابِ……فهَل سَأَجِدُ مُجِيبَاً عَن سُؤَالِي؟
غَفَرتُ لَهُم ذَنْبَهُمْ فِي حَقِّي وَ لَكِن لَايَحِقُّ لِي أَن أَغفِرَ لَهُم مَا فَعَلُوهُ فِي حَقِّ ذَوَاتِهِم..المَبَادِئ ..المُثُل …وَبِحَقِّ السَّامِيَ مِنَ المَعَانِي
غَفَرتُ خَطِيئَتَهُم لَاْ لِأَجْلِهِم بَل لِصَفَاءِ رُوحِي وَ رَاحَتِهَا ،غَفَرتُ لَهُم فَخَيرٌ لَكَ أَن تَنَامَ وَأَنتَ مَجْنِيٌّ عَلَيكَ مِن أَن تَكُونَ أَنتَ الجَانِي
سيريان تلغراف | نغم نصر
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)