هل من قائد سوري جديد في بعض بلاد العرب .. بقلم يحيى محمد ركاج
ما أشبه اليوم بالأمس، وإن اختلفت العباءات والألوان، فلازلنا جميعاً نتناقل رواية الحادثة التي وقف فيها فارس الخوري على منبر الجامع الأموي بدمشق ليقول رداً على رسالة غورو بما معناها إذا كانت فرنسا تدّعي أنها احتلت سورية لحماية المسيحيين فإنه كمسيحي وكممثل للمسيحيين من على المنبر الأموي يشهد بأن الشعب السوري واحد فجميعهم مسلمون لله، تجمعهم دولة واحدة ولا يفرقهم تعدد الأديان. وبحادثة أخرى ليست بعيدة عن سابقتها سياسياً رغم الحيز الزمني بينهما، يقول مفتي الجمهورية العربية السورية في لقائه وفداً أوروبياً خلال الأحداث التي تعصف بسورية بأنه لا يوجد أقليات في سورية, فهناك 22 مليون مسلما و22 مليون مسيحيا و22 مليون علمانيا.
لقد شكلت الواقعتين السابقتين أسطورة بالمواطنة والانتماء، في لوحة فسيفسائية تفصح عن نسيجاً متناغماً من أبناء الشعب السوري الواحد، مستنسخاً المواقف والأحداث وأفعال الشخصيات القادة، وقدرتها على رؤية ما يتم التخطيط له مستقبلاً من خلال استخلاص العبر من التاريخ والحضارات التي سطرتها سورية.
وفي الجهة المقابلة من الفرات يتكرر اليوم المشهد القاتم المبني على القتل والتدمير والتهجير في العراق الجريح، في استنساخ مشابه لما حدث في زمني الماضي البعيد والقريب، فأحد أعرق مكونات الديموغرافيا العراقية المتمثلة بمسيحييها يُذبحون ويهجرون من جديد، في حدث مقارب لمذبحة سميّل عام 1933، ولتهجيرهم وتشريدهم بعد الغزو الأنجلوسكسوني للعراق في بدايات القرن الحالي.
ولعل غرابة الأمر فيما تم ذكره يتجلى في ترابط بعض النقاط مثل:
إن مخططات استهداف المسيحيين واقتلاعهم من جذورهم الحضارية في منطقتنا العربية يتم العمل عليها بعناية فائقة من قبل المخابرات الأجنبية المعتدية على المنطقة، الأمر الذي يفسر أحداث العراق والإسكندرية ولبنان وبعض المحاولات التي يتم وأد تأثيرها في سورية.
قامت المنظمات الصهيونية في أربعينيات القرن الماضي بعمليات تهجير ممنهجة لليهود العراقيين إلى فلسطين عبر وسائل القتل والتدمير والتفجير، عندما تم تهجير اليهود العرب من بغداد، وقد تكشفت تلك الحقيقة في وقت متأخر بعد أن تمّ توجيه اليهود إلى فلسطين لتشكيل الكيان الصهيوني.
تناولت مجلة العربي الكويتية في عام 2002 في بعض أعدادها مواضيع مرتبطة بمحاولات الحكومات الغربية جعل الإسلام العدو الأوحد والأخطر بالنسبة لشعوبها وبعض السبل الحثيثة التي تبذلها هذه الحكومات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق ذلك، وهو ما أعتبره توظيفاً جيداً لأحداث 11 أيلول/سبتمبر إن لم تكن الأحداث مفتعلة أصلاً وهو ما لم تذكره مجلة العربي صراحةً.
تمتاز المشاريع الصهيوأمريكية ببراغماتية مرنة من حيث تغيير أسلوب التنفيذ والاستفادة من أبسط الجزئيات التي تخدم أهدافها، فعدم المقدرة على تمرير مشروع الشرق الأوسط في عام 2006 إبان حرب تموز، ثم العدوان الصهيوني على غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، لم يثنها عن تنفيذه من نقطة انطلاق أخرى، فتم الانتقال بحجر الأساس له من المشرق العربي إلى المغرب العربي وكانت تونس بداية لسقوط الدومينو فيه.
إن خطف بعض رجال الدين المسيحي في سورية، واغتيال بعضهم الأخر واستهداف الكنائس لم يأت أكله بالنسبة للمحور الصهيوأمريكي بسبب ارتفاع حس المواطنة لدى الشعب السوري عامة، وبسبب وجود قادة وحكماء في الميدان الاجتماعي من أمثال فارس الخوري ومفتي الجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون ورموز القيادة السياسية السورية على وجه الخصوص، ولم يكن بالإمكان التوسع في استهدافهم لو بقيت الأمور محصورة في سورية وحدها، لأن سورية وحدت كنائس الشرق خلال الأحداث التي عصفت بها من الإسكندرية إلى أنطاكيا إلى روسيا وغيرها.
إن الأمر الأكثر استهجاناً هو إدراكنا كعرب للنقاط السابقة وتنبئنا بما سيؤول الأمر إليه حتى قبل حدوثه، فهل كنا ننتظر أن يُبعث فارس الخوري من جديد بالعراق، أم أن يتم استنساخ مفتي الجمهورية العربية السورية أو الرئيس السوري والقيادة السورية في أماكن ودول أخرى من المنطقة، أم أن صمتنا هو خنوعنا لمبدأ ليس باليد حيلة، حيث لبنان سيبقى بلداً تحكمه الطائفية ويخضع للمحاصصة استنزافاً للقوة السورية، والعراق في طريقه للتقسيم المذهبي والفيدرالي، والسودان في طريقه للتشرذم، واليمن للاندثار، والخليج مخازن مؤجرة لبيع النفط. أم أن رغبتنا في إظهار القوة التي نتفاخر زيفاً بها لا تهتم من يكون الضحية على مبدأ من لا يقدر على حماته يتهجم على زوجته، الأمر الذي يجعل بعض العربان يتحالفون سراً مع الكيان الصهيوني ويسكتون على حرق البشر والحجر من سكان فلسطين.
سيريان تلغراف | د. يحيى محمد ركاج
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)