منذ أول لقاء له مع الرئيس بشار الأسد، أكد هيغو شافيز أن الرئيس الأسد سيكون أهم زعيم ثوري على مستوى العالم.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تحول الطبيب الخجول الذي ضغط عليه كي يخلف والده، إلى قائد حرب. لقد كشف خطاب القسم إلى أي مدى غيرته الأحداث.
المثل الأعلى الذي عبر عنه، تجسد قبل أي شيء بخدمة الوطن الجمهوري، وكفاحه في الدفاع عن رجال ونساء كان مقدراً لهم أن يعيشوا تحت نير ديكتاتورية دينية في خدمة الإمبريالية. كان يتحتم عليه في بعض الأحيان أن يقاتل دفاعاً عنهم، وضد إرادتهم في الوقت نفسه. قاتل دفاعاً عن هؤلاء، رغم شكوكه في بلوغ النصر، مفضلاً الشهادة من أجل عدالة قضيته، على قبول منفى العار الذهبي الذي عرضه عليه الغرب.
كان الأمر في البداية بالنسبة للرئيس الأسد يتوقف عند الصمود في وجه الضربات الإمبريالية. لكن عندما لاحت له بشائر النصر، أتته العزيمة بالمضي إلى ما هو أبعد من ذلك: الطعن في الفوضى الثورية، تماما كما رآه هيغو شافيز، في الوقت الذي كانت دول العالم لا تزال تنظر إليه كوريث لوالده لا أكثر.
من هذا المنطلق، ومهما بلغت درجة خيانة بعض السياسيين، فإنه من غير الممكن للرئيس الأسد أن لا ينهض للدفاع عن الشعب الفلسطيني الذي يذبح الآن على أيدي المستوطنين في غزة.
الثورة في نظر الرئيس الأسد هي في المقام الأول معركة تحرر من الظلامية الدينية، وهي بالتالي الضامن لانعتاق كل فرد بشكل حر بغض النظر عن دينه، وهي تؤكد بذلك على علمانيتها، أي إنها تتعارض كليا مع الجمود الديني، وهي ترى أن الخالق لم يول أي دين عناية خاصة دون باقي الأديان، باستثناء جعل العدالة قاسماً مشتركاً بين الجميع، وهي بالتالي تحصر مسألة الإيمان باللـه في المجال الخاص بالفرد، بشكل يصبح فيه هذا الإيمان مصدر طاقة تسمح لكل فرد بالنضال ضد العدو والانتصار عليه بشكل جماعي، حتى لو كان متفوقاً بقوته.
مثل أي شخص خاض حرباً طاحنة، لا يمكن للرئيس الأسد أن يسلم بفكرة أن كل هذه الفظاعات التي ارتكبت، ارتكبها رجال أتوا من نسل شرير «غرزوا أنيابهم في أجساد السوريين، ونثروا الموت والدمار في كل مكان، أكلوا أكباد أبناء جلدتهم وذبحوهم ذبح النعاج». قبوله بهذه الفظاعات يعني فقدانه أي أمل بالجنس البشري. لم يكن يخفى عليه تأثير الشيطان وراء أفعالهم والتلاعب بهم من خلال من يسمون أنفسهم «إخواناً مسلمين».
اسم «الشيطان»، وفقاً لعلم الاشتقاق، يشير إلى خطابهم المزدوج، لكن الرئيس الأسد نجح في فضح شعار «الربيع العربي» الذي اخترعته وزارة الخارجية الأميركية بهدف تسليم السلطة إلى الأخوان المسلمين بدءا من المغرب العربي، مروراً ببلاد الشام، وصولاً إلى دول الخليج.
في كل
الدول التي ابتليت بالربيع العربي تجسدت التبعية للإمبريالية برفع أعلام الاستعمار: علم النظام الملكي السنوسي الوهابي في ليبيا، وعلم الانتداب الفرنسي في سورية، مع ادعائهم، ويا للمفارقة، بـ«الثورة» إلى جانب طغاة الرياض والدوحة.
كانت الحرب بالنسبة له طريقاً شخصياً طويل المدى. لقد عاش الحرب مسترشداً بأخلاقه: «خدمة المصلحة العامة»، والتي كان يسميها الرومان القدماء بـ«الجمهورية»، في حين يعتبرها البريطانيون وهماً يخفي وراءه طموحات سلطوية. وحسب روبسبيير «العفيف» فإن هذه الخدمة العامة لا تعاني من أي خيانة، وبالتالي من أي فساد.
لقد دخل بشار الأسد التاريخ من أوسع أبوابه.
سيريان تلغراف | تيري ميسان