“نحن في حزب الله نتابع بدقة تفاصيل المعركة التي تجري في غزة ونقول للمقاومة في غزة نحن واثقون من انتصاركم وسنقوم بكل ما نراه مناسبا”، هذا ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال مهرجان يوم القدس العالمي، في اشارة تحمل الكثير من المعاني في طياتها.
فهذا العدو الصهيوني الذي يعمل ويتعاطى مع غزة على شاكلة انها وحيدة في الميدان عليه ان يتنبه بشكل جدي ان حلقة المقاومة تمتد عابرة للجغرافيا ولا تتوقف عن حدود او قيود، فكيف يمكن قراءة كلام السيد وهو الذي يعرف العدو قبل الصديق صدقه وعزمه على تنفيذ كلامه وتهديداته مهما طال الزمان ومهما كثرت المؤامرات، إلا ان كلام السيد نصر الله يأتي في وقت بالغ الحساسية وفي مرحلة دقيقة وخطيرة تمر بها المنطقة كلها بل العالم، ولكن كلام السيد فتح الباب على مصراعيه في الصراع بين محور المقاومة والمحور الاميركي الاسرائيلي الذي اسقط كل قيد او محرم حتى بات يعمل على اسقاط ليس فقط الدول والانظمة بل هو يعمل على تدمير الشعوب، بحسب ما اشار اليه السيد نصر الله في خطاب يوم القدس.
ولكن كلام السيد لم يخل من اشارات جديدة على الصعيد الميداني فهو قد لفت الى ان المقاومة الفلسطينية تسير على خطى شقيقتها اللبنانية في رسم معادلات جديدة في الصراع مع العدو، خاصة ان هذه المقاومة قد أثبتت قدراتها العالية في كل المجالات المرتبطة بالميدان حتى الآن من الامن الى العسكر الى صلابة بنيانها السياسي والشعبي.
العدوان على غزة: فشل للعدو على كل الصعد والمقاومة أثبتت قدراتها
فالحرب البرية مثلا التي بدأها العدو الاسرائيلي في غزة ظنا منه ان فيها مخرجا “مشرفا” لعدوانه الاجرامي المعدوم النتائج ضد غزة وضد مقاومتها الباسلة، معتبرا ان باستطاعته تحقيق تعويض ما عن فشله الذريع على كافة الصعد، هذه الحرب البرية باتت فخا أوقع العدو نفسه فيها ليغرق في “المستنقع” رغم كل المواقف المحذرة التي اطلقها قادة المقاومة السياسيين والميدانيين، ليظهر بسرعة للصهاينة مدى فشل قيادتهم الحالية والتي تسير بخطى ثابتة للحاق بتلك التي تهاوت بعد انتهاء حرب تموز 2006.
فعدد القتلى الصهاينة في تزايد مستمر في كل يوم يمر والعدو غارق في مستنقع القطاع المحاصر منذ سنوات، ورغم كل ذلك يحاول العدو البحث عن اي انجاز يكتب له في هذا العدوان وهو يسلك في سبيل ذلك أسلوب قتل المدنيين وتهديم المنازل على رؤوس ساكنيها، ولكن شعب غزة كما اوضح السيد نصر الله في خطابه ليس منذ اليوم بل منذ العام 1948 لم يستسلم ولم يخضع وهو كلما سقط منه شهيدا تمسك بقضيته وبسلاحه وبمقاومته أكثر.
فكيف يمكن قراءة خطاب السيد نصر الله في سياق الحرب الجارية على ارض غزة، وكيف يمكن للعدو فهم الرسائل الموجهة مباشرة وغير مباشرة من السيد نصر الله؟ وكيف يمكن للمقاومة الاستفادة منها ميدانيا وسياسيا؟ لا سيما ان التفاوض يبدو بات محتدما في الكواليس الديبلوماسية؟
جابر: العدو يحلل خطاب السيد نصر الله ويبحث في أبعاد كل كلمة من كلماته
حول ذلك توجهنا بالسؤال الى الخبير الاستراتيجي العميد هشام جابر الذي اشار الى ان “العدو الصهيوني كان يراقب ويتابع خطاب السيد نصر الله بشكل لافت”، واوضح ان “خطاب السيد في يوم القدس كان ينقل مباشرة على القناة العاشرة الاسرائيلية مع ترجمة فورية”، واضاف “العدو يؤكد دائما انه رغم كل العداوة يحترم صدق السيد نصر الله لذلك يقوم العدو بتحليل خطاب السيد ويبحث في أبعاد كل كلمة من كلماته”.
ولفت جابر الى ان “السيد اكد في خطابه للقاصي والداني ان فلسطين هي الاساس لدى المقاومة وان ابتعاد البعض عن محور المقاومة او اي خلاف سياسي لا يعني ان حزب الله تخلى عن فلسطين وعن مقاومتها”، واضاف ان “السيد ركّز على اهمية حرب تموز 2006 لما فيها من عبر استفادة منها المقاومة الفلسطينية”، وشدد ان “مقاومة لبنان مع المقاومة في فلسطين سياسيا ولوجستيا وعسكريا وعلى جميع الصعد”.
ووضع جابر كلام السيد نصر الله بأن المقاومة تتابع تفاصيل المعارك في غزة في “إطار الحرب النفسية وعدم ترك العدو يرتاح بل تركه في حيرة من امره حول ماهية الخطوات التي يمكن ان تقوم بها المقاومة في لبنان لدعم المقاومة الفلسطينية في هذا الوقت”، ولفت الى ان “العدو يترقب تحركات ونشاطات حزب الله خشية من القيام بأي فعل او رد فعل”.
واشار جابر الى ان “السيد نصر الله بموقفه هذا جاء ليقول لقادة المقاومة في فلسطين انكم لستم لوحدكم في الميدان وانه هناك من يدعمكم بشكل كبير ولذلك يجب الصمود في الميدان وعدم تقديم خدمات مجانية للعدو”، مشيرا الى ان “ما يجري اليوم في غزة هو عملية شد حبال وعض اصابع ومن سيتألم اولا هو من سيقدم التنازلات”، علما ان السيد نصر الله اكد ان “نتانياهو لن يعترف بسهولة للمقاومة بانتصاراتها”، ولذلك قد تأخذ الرضوخ الاسرائيلية لشروط المقاومة بعض الوقت.
عوض: من اشارات اطلالة السيد نصر الله انكسار التوازنات وعدم قدرة العدو عن القيام بأي فعل
من جهته، لفت الكاتب السياسي اللبناني ميخائيل عوض الى ان “إطلالة السيد في ذكرى يوم القدس كانت مميزة بميزات عديدة اولا انه اطل مباشرة وشارك الناس في المهرجان وهذه اشارة قوية قرأها الاسرائيلي وحلفاءه ان فيها الكثير من التحدي والاصرار والقول لغزة اننا معكم ليس من خلف الشاشات بل على الارض وفي الواقع”، واضاف ان “الاسرائيلي قرأ مشاركة السيد في المهرجان انها خطوة نوعية بذاتها تؤكد انكسار التوازنات وعدم قدرة العدو عن القيام بأي فعل او عمل”.
ورأى عوض ان “تزامن يوم القدس والعدوان اعطى الكثير من الاشارات فالسيد نصر الله أعلن ان غزة حققت الانتصار وهو بذلك قطع الطريق على كل محاولة بالاصطياد بمأساة غزة وبتضحياتها وشرح اسباب وعناصر الاننتصار المحقق الآن وهو انتصار يضاف الى انتضارات كل المقاومة”.
وحول اشارات اعلان السيد لهذا الانتصار، قال عوض إن “السيد عندما يعلن ان غزة انتصرت فهو يعطي اشارات عديدة ومختلفة أهمها باتجاه اهل غزة والشعب الفلطسيني أنكم في موقع الانتصار”، ولفت الى ان “من يوثق هذا الانتصار ليس رجلا عاديا بل قائدا يشهد تاريخه له في قيادة الكثير من المعارك ذات الطبيعة الاستراتيجية والتاريخية على رأسها حرب تموز 2006”.
وبالنسبة لاشارات كلام السيد بالنسبة للمفاوض الفلسطيني، اعتبر عوض ان “كلام السيد عن الانتصار يحمل إشارة للمفاوض الفلسطيني عند كل الاطراف انه احذر من التفريط وان هذا الانتصار يجب ان يحصد شعب غزة وفلسطين ثمنه وثمن التضحيات”، واضاف ان “السيد يقول للفلسطيني أنت لست مضطرا ان تقدم تنازلات وان تطوّح بالانتصار العسكري لاي سبب كان فالانتصار تحقق بالميدان وانت عليك ان تحصد ثماره لمصلحة شعبك وناسك واهلك ويجب انتزاع شروط م العدو توازي هذا الانتصار الكبير”.
وفيما يتعلق باشارات كلام السيد بالنسبة للشعب والمقاومة في فلسطين، اشار عوض الى ان “السيد أكد أن المقاومة الفلسطينية ليست وحدها وقال للفلسطينيين ان ايران وسوريا والمقاومة في لبنان على سلاحها وتنتظر اشارتكم اذا احتجتم الى اي دعم وان يكون لها دورا ان كنت بحاجة لذلك”، واضاف ان “السيد قال ان الصواريخ التي اصابت تل ابيب هي فلسطينية بأيدي فلسطينية وان كان صناعة سورية او ايرانية او غير ذلك ليقوم للمقاومة الفسطينية انتم قادرون على تحقيق الانتصار رسم المعادلات ويجب تسجيل هذا الانتصار باسم غزة وفلسطين”.
أما اشارات كلام السيد بالنسبة للعدو الاسرائيلي، اعتبر عوض ان “السيد من خلال كلامه حذّر اسرائيل بعدم جرّ نفسها الى الانتحار لان المقاومة كل المقاومة قادرة ان تطال كل الكيان الغاصب”، وتابع “السيد قال للعدو اذا استمر بارتكاب المجازر فهذا سيؤدي الى نهاية اسرائيل على يدي المقاومة”.
واوضح عوض ان “كلام السيد يعني ان اسرائيل فقدت كل عناصر قوتها الاستراتيجية والتكتيكية لان الجبهة الداخلية الاسرائيلية تحت النار وباتت معطلة ومشلولة اقتصاديا ووسائط تواصلها مع العالم باتت معطلة لا سيما مطار بن غوريون وهناك امكانية لتعطيل المرافئ وغيرها من المرافق”، واضاف ان “كلام السيد يشير الى ان كيان العدو الاسرائيلي بات خارج الخدمة عمليا وهي شجرة تيسبت بحقل وتنتظر من يقتلعها والسيد حذّر العدو من مغبة التفكير بأي خطوة او اجراء يدفع الفلاح(اي المقاوم) من القيام باقتلاع هذه الشجرة”.
رغم كل الجرائم التي ترتكبها آلة القتل الصهيونية في غزة إلا ان فشلها في تحقيق اي انجاز نوعي على ارض سيعني حتما ان المقاومة تتجه لرسم نصر جديد يجب ان يستثمر بافضل الشروط ليس اقلها رفع الحصار الجائر الذي استمر لسنوات عن القطاع المضحي والمقاوم، ومهما حاول العدو ان يكابر ويستكبر لايهام العالم انه صاحب المبادرة إلا ان الارض التي تهتز تحت اقدام جنود الاحتلال هي التي ستعلن عن الانتصار لان من يملك الارض هو من يملك المبادرة وقادر على تحقيق المفاجآت والانجازات.
سيريان تلغراف | قناة المنار اللبنانية