نبوءة هيلاري كلينتون بزوال اسرائيل تتحقق .. فهل نجرؤ على الانتصار ؟؟
قبل عام تقريباً قال السيناتور الأمريكي النافذ والصهيوني المتطرف جون ماكين بأن : “الشرق الاوسط قد ينهار إذا لم تلتزمه واشنطن مع حلفائها” ، ولكن هيلاري كلنتون قالت الأخطر والأعمق والأكثر تحديداً ، وأمام “الأيباك” بمؤتمره السنوي في 22/3/2010 ، عندما قالت : “إن إستمرار النزاع والواقع الحالي لا يخدم مصالح الولايات المتحدة ، ولا يمكن أن يبقى مستداماً لجميع الأطراف ، خصوصاً في ظل ديناميكيات الديموغرافيا والإيديولوجيا والتكنولوجيا ، بل يعد بمزيد من العنف ويهدد إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية ” .
ما هو المعنى العملي والإستراتيجي والمباشر لما قاله هؤلاء وغيرهم من الساسة الأمريكيين والصهاينة ونظرائهم من المفكرين هنا وهناك ؟
يعاني الكيان الصهيوني من مشاكل وجودية تعصف به ، وفي “الحاضن الأخير” ، أمريكا ، التي يتداعى إقتصادها ، وتتآكل قدراتها العسكريّة ، ويتراجع “مجالها الحيوي” أمام خصومها الذين يزدادون كلّ يوماً قوة في حين تزداد هي ضعفاً .
لذلك ، نلاحظ “اليوم” إرهاصات إنزياح إستراتيجي في مراكز القوى الإقليمية من كيان العدو الصهيوني وحلفائه إلى حلف المقاومة ، وهو السبب الحقيقي والأساسي لكل هذا العنف المستشري الذي نراه ، وهو العامل الأول والمحوري وراء سيل الدماء الذي يتدفق من حولنا ، إنها معركة حياة أو موت لأطراف الصراع .
لقد أصبح يقيناً أن هناك عالماً جديداً يتشكل ، تُرسم معالمه على نحو متسارع جداً هذه الأيام .
إنتهت الحرب العالمية الثانية – عملياً – مع إنزل الحلفاء في منطقة النورماندي بتاريخ 6 / 6 / 1944 ، ولكن كان على العالم الإنتظار حتى 11/2/1945 ليلتمّ شمل قادة العالم الجدد جوزيف ستالين ونستون تشرشل وفرانكلين روزفلت ، ليقرروا شكل العالم ولونه ومناطق نفوذهم فيه .
لم يحجز أحد من هؤلاء الكبار كرسيّه حول طاولة “يالطا” إلا بعد خوضه واحدة من أشرس المعارك في تاريخ بلاده .
لم يجلس الإتحاد السوفيتي على مائدة الكبار إلا بعد معركة “ستالينغراد” ، كما لم تجلس بريطانيا على تلك المائدة إلا بعد معركة العلمين ، وأمريكا لم تنظم إلى تلك القمّة التاريخية إلا بعد ضرباتها القاتلة لليابان وقيادتها للإنزال الأكبر في تاريخ البشرية – إنزال النورماندي – .
جلس هؤلاء وكان كلّ العالم المتبقي مادة للتفاوض .
عودة إلى منطقتنا ، ونحن اليوم نتقف أمام مشهد مماثل إلى حدّ كبير جداً ، في حدود الإقليم على الأقل . وحتى يكون الكلام واقعياً وعلميّاً ، سأنطلق من تحديد عناصر قوة ، وأعمدة “بقاء” الكيان الصهيوني في منطقتنا :
1- أن هذا الكيان هو أرض اللبن والعسل الموعودة للشتات المعذب من بني يهود .
2- أن هذا الكيان هو الأرض الأكثر أمناً لبني يهود ، فليأتي كل شتاتهم إليه .
3- أن جيش هذا الكيان هو الجيش الأقوى ، ويده هي اليد الطولى ، ولا غالب له في محيطه .
4- أن أي حرب سيخوضها هذا الجيش لن تمس أبداً بحياة ورفاه وحركة … المدنيين في الداخل .
5- لن يكون هناك حروباً تخاض ، أو أهداف تقصف على أراض هذا الكيان .
6- أن جيش هذا الكيان قادر على شنّ الحروب متى شاء ، ولا نهاية لها سوى النصر .
7- لا مكان للحروب الطويلة هنا ، فالنصر مؤكد ، وسيتم إحرازه بين طرفة عين وأخرى .
8- لدى هذا الكيان قادة تاريخيين قادرين على إنقاذه من الأزمات .
9- الحرب وسيلة من وسائل “تصحيح” مسيرة وحياة هذا الكيان ، حيث يكون الحل لبعض مشاكله بشنّ الحروب .
* نبوءة هيلاري تتحقق :
لنعد إلى هيلاري وتصريحها الخطير أمام الإيباك : إن إستمرار النزاع والواقع الحالي لا يخدم مصالح الولايات المتحدة ، ولا يمكن أن يبقى مستداماً لجميع الأطراف ، خصوصاً في ظل ديناميكيات الديموغرافيا والإيديولوجيا والتكنولوجيا … ” .
فما الذي عنته هيلاري بهذه الأخطار الثلاثة ؟ سأحاول الأجابة بإختصار :
# الديموغرافيا : ويقصد بها إرتفاع معدلات الزيادة السكانية لفلسطيني 48 أولاً ، والضفة الغربية وغزة ثانياً عن مثيلاتها في الكيان الصهيوني ، ما يجعل الطابع “اليهودي” للكيان الصهيوني ، والوهم الديموقراطي الذي تدعيه في خطر حقيقي ، حيث سيصل هذا الكيان إلى مرحلة يفقد فيها زمام المبادرة والقرار .
# الإيديولوجيا : ويقصد بها الفكر والعقيدة المقاومة لأصل وجود هذا الكيان ، ومن هنا يأتي الهجوم الشرس والمستمر منذ عقود على سوريا وشركائها في حلف المقاومة ، ومحاولات تشوية حلف المقاومة ، وتفجير الفتن الطائفية والمذهبية في وجهه … ومن هنا أيضاً الخوف العميق من نقل تجربة حزب الله في تحرير جنوب لبنان من الإحتلال الصهيوني إلى غزة .
# التكنولوجيا : والمقصود بها تلك الأسلحة “الرخيصة” نسبياً ، والقادرة على إلحاق خسائر ضخمة بالكيان الصهيوني في آن واحد ، والحديث هنا يدور عن سلاحين أساسيين ، الصواريخ ، والأسلحة المضادة للدروع .
أي شيء يحصل في فلسطين وغزة ، غير تموضع هذا التهديدات واقعاً معاشاً وملموساً ، وخصوصاً عند التدقيق بمجريات الحرب الأخيرة التي نراقبها بفخر أمام عيوننا اليوم ؟! .
* بعد هذه المقدمة ، لنحاول معرفة آثار الحرب الأخيرة على الكيان الصهيوني :
بعد إغتيال الشاب محمد ابو خضير ، وتململ الضفة ، وتنفيذاً لمخطط مسبق ، وكي لا يحرج سلطة رام الله ، و يتلافى انفجار انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية ، وقلاقل ستندلع حتماً داخل “الخط الأخظر” ، ولأنه يعرف اين يتمترس عدوه الأخطر والمسلح ، ورأس الرمح في المشروع المقابل …
نقل العدو الصهيوني الحرب إلى غزة . أي أنّ المسألة أبعد من حدود فلسطين العربية كاملة ، إنها معركة “إستباقية” مع “حبل” محور المقاومة الذي يلتف حول عنقه رويداً رويداً ، وبإحكام .
لقد “جاء” الكيان الصهيوني إلى غزة ليختبر قدرة المقاومة على الصمود ، وليعرف عمق الروابط بين محور المقاومة وغزة ، وليتأكد من مستوى تدفق الأسلحة والمعدات والخبرات من هذا الحلف إلى غزة … ولكنه إكتشف بأن باطن الأرض أغنى من سطحها ، والمنتمون لقضية فلسطين وحلف المقاومة لن يتركوا فلسطين وحدها مهما واجهوا من مؤامرات وفتن .
# مناورات الكيان الصهيوني التي إنطلقت منذ العام 2007 ، وأستمرت حتى العام 2011 ، تحت مسمى مناورات “الكيان” ، وكان الهدف منها ضمان إستمرار “إنتاجية المجتمع” تحت ظروف الحرب – كنوع من العبر المستقاة من حرب 2006 – ثبت بالدليل القاطع فشلها ، والدليل على ذلك الشلل العام الذي ضرب مرافق الكيان ومؤسساته وخروج 5 ملايين صهيوني من بيوتهم ومؤسساتهم .
# مطار اللد “بن غوريون” ، أكبر المطارات الصهيونية وأكثرها ازدحاماً على مدار العام بعدد مسافرين سنوي يتجاوز 11 مليون مسافر ، ويستحوذ المطار علي أكثر من 80٪ من الرحلات الجوية الدولية للكان ، ويعد من أفضل مطارات الشرق الأوسط … لم يتوقف إلا مرتين منذ نشأة الكيان ، يومان في حرب 1967 ، وأربعة أيام في حرب 1973 . الآن ، يغلق وتعلق رحلات أقرب حلفاء الكيان إليه اليوم تلو اليوم ، وعندما حاول الكيان نقل الرحلات الجوية إلى مطار “أوفدا” إنهار المطار مباشرة أمام ضغط المسافرين .
# نشأ الكيان الصهيوني ليكون العصا الغليظة القادرة على “تأديب وإركاع” محيطها العربي ، لذلك تمّ تسليحها حتى العظم ، وصنع منها مشغلوها أكبر حاملة طائرات على اليابسة … واليوم ، نرى بأن غزة المحاصرة ، تصمد أمام هذا الكيان المدجج بالسلاح منذ ثلاثة أسابيع تقريباً ، وتقصف نقاط تبعد أكثر من مئة كيلومتر … وهو يقف عاجز تماماً عن فرض إرادته وشروطه عليها ! فأي دور يرتجى من هكذا عصا ؟ .
# في تشرين الثاني العام 2012 شنّ الكيان الصهيوني عدواناً على غزة لم يدم سوى أسبوع ، وعادت الفصائل الفلسطينية وقبلت بالتفاهمات التي تلت عدوان 2009 بضغط من دول “الإعتلال العربي” .
الآن ، وبعد عام ونصف تقريبا ، وعلى إثر كل محاولات التضليل وحرف البوصلة ونقل الصراع … يثبت للقاصي والداني أن جوهر الصراع هو فلسطين ، وأن التسويات مهما كانت “متوازنة” فإن المقاومة والتحرير هو الخيار الطبيعي والمنطقي للقضية الفلسطينية ، وأن محاولات “التسوية” التي تقودها الرجعية العربية – خاصة انظمة الريع النفطي- ومعسكر الثورة المضادة في بلدان” الربيع العربي” لن تحصد إلا الفشل وتأجيل المواجهة .
# غالباً ما شنّ الكيان الصهيوني حروبه ، وفي قائمة أهدافه تصدير مشاكله الإجتماعية والإقتصادية والديموغرافية … أمّا اليوم فإن هذا الباب يكاد أن يُغلق نهائياً ، وهذا يمثل بداية جدية للإنهيار الداخلي .
# هذا الكيان عدواني توسعي بجوهره وطبيعته ، وعندما يصبح عاجزاً عن التمدد والتوسع … فإن ذلك يفقده العنصر الأهم في “تجدده وتماسكه وتطرفه” وهي من العناصر الكبرى وراء ديمومته ، و”إنتماء” الصهاينة إليه .
# ما يحدث في غزة لن يكون بلا تداعيات عليها وعلى الضفة الغربية ، وعلى الفلسطينيين داخل “الخط الأخضر” ومخيمات اللجوء … كم لن يكون بلا تداعيات على القيادات الفلسطينية التي “راوغت وساومت وأنقلبت … ” ، وعلى علاقاتها مع دول الجوار والإقليم ، خصوصاً بين حلف داعم بكل ما للكلمة من معنى وآخر خائف مرعوب من نصر المقاومة في غزة … خصوصاً إذا علمنا بأن أكبر عدد من السائحين الصهاينة العالقين أمام المطارات موجود في تركيا بعدد جاوز العشرين ألفاً . إن ما يجري يشبه إلى حدّ بعيد “صهر” الذهب لتنقيته من العوالق والشوائب .
# تأتي الحرب في غزة في سياق بناء الفضاءات الإستراتيجية للدول الكبرى في الإقليم ، في ظل إنسحاب أمريكي ، وتمدد لمحور المقاومة في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد .
لذلك نرى هذا الصمت المطبق لكل حلفاء واشنطن أمام صمود غزة ، وإرهاصات إنتفاضة الضفة ، ومحاولاتهم المسعورة لوقف الحرب بأي ثمن … ولكن ما يجب أن نقوم به هو الإصرار أكثر على النصر ، والتجرؤ على إحرازه ، كما قال ماوتسي تونغ يوماً : ” يجب أن نتجرَّأ على النصر”
سيريان تلغراف