جهل الجهلاء من تفصير العلماء .. بقلم نغم نصر
(لَعَنَ اللهُ هذا الزّمان)) جُملةٌ نَخَرَت رأسي هذهِ الأيّام
تعابيرٌ مُبهمةٌ مُغالِطةٌ لنَفسِها تُعكّرُ صفو كلّ ذي نَفْسٍ مستيقظةٍ تُعكِرُها حدَّ السُّقام
من الّذي تحقُّ عليهِ اللّعنة إذاً؟ الزّمن أم مخلوقٌ يسمّى بَشَر!….يا ربّي مَن المُلام؟
مُنذ بدأ التّكوين…وسيرورة التكوير…. الأَرضُ كما هي لم تتبدّل ، مستمرةٌ في عطائِها ..
لا تَنخَدِع كَثِيرَاً! ….الدُّنيا لَم تعُد كَسابقِ عَهدِهَا تَبدّلَت و تَقلّبت….
بَصماتُ البشرِ على واقعِ الأرض تَشهد …حَربٌ هنا دَمارٌ هُناك
تَحوّلت الأنهارُ من ماءٍ لدماء
بدّلوا ترانيم المَلائكة بِكُفرٍ وغِياء
جِنانُ الأرض صنعوا منها جحيماً تجاوزَ أعقابَ السّماء
نِفاقٌ كَذِبٌ …تملّقٌ ..مواراةٌ…. رِياء
مُؤامَراتٌ ويلاتٌ اغتيالاتٌ ….قتلٌ…كُفرٌ …استياء
الأرض و الزمان منذُ بدأ الأكوان لم يتغيّرا …
الشمسُ القمرُ يُشرقان ويغرُبَان
بموعِدٍ ثابتٍ في غايةِ الإتقان …إلى يومِ الأوان
حَمَائِمُ الشّام ربما تنوحُ الآن
ولكن لم يتوقّف عن تغريدهِ طيرُ الكَروان
الماءُ.. المطر… الرزق كلٌّ يَنزِلُ بمقدار… من دونِ زيادةٍ أو نقصان
لم يتَبدّل عُمقُ الأَرضِ…هم تغيّروا …حَوّلوا سَطحَها إلى جَحِيمٍ بمخالب شّيطانيّة ….أَتساءَلُ باختناقٍ … تمكَّنوا من تغيير الأرضِ للأسوأ ولكن من الّذي غيّرهم وجَعلَهُم سَيّئين ؟
استَجمَعتُ قِواي واعتصرتُ ما أبقى هؤلاء من روحي لَملَمتُ أجزاءَ عقلي ……أخيراً وجدتُها
أنا السّبب…”أنا وأنت”… نعم… أنتَ خربتَها حقنتَها وجَلستَ على تلّتها
لا تَستغرب…أجل وَحدَكَ تتحمّل المسؤولية …. …..الضغينةُ أنتَ حضنتها
البغضاءُ بينَ البَشر …فَتيل الحُروب أنت أشعلتَها
لا تتّهمني بالجُنونِ أنا وأنت….نعم أنتَ وألفُ نعمٍ أنت ، لا تلتفت أنت يامن تقرأ …اياك و التهرّب كعادتِك ….كفاك صمتاً …توقّف عن قول:( ليس لي دخل )..فأنا من كلامك مَلَلتُ وزَهِقت
هل تذكرُ اساءتَهُم لكَ وتعدّيهم على حقّكَ ؟….لماذا لم تردّ عليهِم حينَها لماذا لم تستَرجِع حقَّك وحقنا جميعاً؟
أَذكُرُ جيّداً ما قُلتَهُ لي يَومَها:
_ دَعيهِم يفعلوا ما يَشاؤوا ، إذا خَاطبتُهُم و انخفَضتُ إلى مُستواهم سوفَ أُصبحُ مِثلَهُم دَعِيهُم وَدَعِي الحقَّ يَضيع!
……المُهمُّ عندي يا حُلوتي هو: الكرامةُ والخُلقُ الرّفيع
_عن أيِّ أخلاقٍ وكرامةٍ تتحدّث؟ لا تُفْصَلُ المكارِمُ والفضَائلُ عن الحقّ؟ عندما تَضيعُ الحقوقُ يا صاحِبي تتمرَّغ الكراماتُ في شلاّلاتٍ من وحل عندها لا تُمَيِّزُ المُنفردَ بذاتهِ عن الدنيّ والوَضيع
أكثر ما يُسيل دمعَ مقلتيّ من شدّة الضحك تلكَ المقولةُ الساذجةُ التي تقُولُها لي دَوماً: اذا أتتكَ مَذمّةٌ من ناقصٍ فهي الشّهادةُ لكَ أنّك كاملٌ…يا لبلادة تفكيرنا كيفَ نَصُفُّ الكلامَ صَفَّاً ولا نَفهَمُ مِنهُ سطراً
وهل يَحِقُّ للجَّاهلِ أن يُعطي للعَالِم شَهَادةً بأنّهُ عَالِمٌ؟؟
هل تذكُر ذلك اليوم؟ كانت أغلبيةُ الحضور من كبار الناس…… اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً
انتفض أحدُهم وبدأَ بالرّياء كعادتهِ…. فصَمَت الحضور عن ريائه ..غَضُّوا الطّرف عن نفاقه… ليزداد تطاولاً فأهانَهُم
لم يَرُدّ عليه أحد “من باب أن الجميع يعرف من هو ومن أنتم
انتهت تلك الجلسة كما بدأت تكلم السفيه وسكت الفقيه انتهيتم كما بدأتُم
لماذا لم توقفوه عند حده؟ ….هل تذكُر ما قُلْتَهُ لي يومها؟:
_ اذا شتمكِ وتعدّى على حقّك أحدُهم… أتركيه لا تُجادليه لأنك عاقلة وهو جاهل فعند جدالكِ للسّفيهِ سَيَغلِبُكِ، من مبدأ: (ما ناقشتُ جاهلاً إلاّ وغلَبني وما ناقشتُ عالماً إلاّ وغلبتُه)
_ ان لم تتمكّن من التّغلب على جاهلٍ ما فائدةُ علمك؟
……………………………………
مرّت الأيام وانقلبت الأزمان بات الصمت عن كل شيء سِمةٌ من سِماتنا …..مُصيبتنا تكمنُ في الفقيه المثقَّف الّذي من المفترض ان يكون صاحب الصوت العالي
فواجبٌ عليه أن يجودَ بالعلم والحق لا مبالي
ولكنه متردد دوماً متذبذبٌ في طرحهِ مع أنّه متيقّنٌ منهُ… ولكن سِمةُ العُلماءِ في عصرنا: الحكمة و الصمت
بينما الجاهلُ الأحمق واثقٌ متأكدٌ من صحّةِ كلامهِ دوماً يتشدّق يصدحُ بعلو الصوت
دون أن يَجِدَ من يقول له: ما أجمل الكُحل في عينيك! سحقاً لكم قد فتحتُم له بِصَمتِكُم للتمرّد مَعبراً …لقد قدّمتُم له ألفَ كرت
هذا ما حفظناه عن ظهرِ قلب …نطبِّقُه عن عمىً في البصيرةِ ، سُدَّت منافذُ كل درب …فَوُضِعَت على عُقولِنا صبَّةٌ من إسفلت
صَمتٌ يتلوه صَمتٌ تِلو الصّمت
اذا لم نُحاوِر بالقوة ونصلح الأحمق ؟….من نُنَاقش ؟… بعضنا؟… ونتركهم؟
لا تجادلوني كُلها مجرّد شمّاعةٍ صدئة هرئة نلقي عليها أخطَائنا
ان لم نُؤدب المذنب الجاهل ونضع للفاجر حداً… ((سيتمادى))
رِزقُكَ السّائب علّمهم السّرقة فاحترفوها ، وجعَلَهم مرتزقة فأتقنوا صنعتهم ….
من الذي جعل الفرعون يتفرعن؟ سَأَلوهُ …فأجاب :(لم أجد من يردَعني فأصبحت فرعوناً)!!!!
لا تفهموني خطأً فلم أطلب منكم حِواراً مع الحمقى
ولا أرتَضِي لكم مجادلة السّفهاء… فأنني على يقينٍ أنّكُم الأرقى
ولكن لا تتركوا لهم الساحة فقد ضجّت بهم ….أَمَا حان لمنابركم أن تتكلم ؟ فكلامُكم هو الأنقى
اخرجوا عن صمتكم …وإلاّ تحولتم من لائمٍ إلى مُلام…..فكونوا لقولِ الحقّ منبراً… فكلمتكم هي الأبقى
كفّوا عن ترديد كلمة (صمت العارفين).. فقد أعيتني وضَجِرتُ منها ..لأنه : “إذا صَمَتَ العارف سيتكلم الجاهل لا محالة”
ستُعَاقَب أيها الصّامت ….أم نسيتَ بأن الساكتَ عن الحق شيطانٌ أخرس؟
الى متى سيبقى الأخلاقي أبكم ، وعديمُ المبادئ قليلُ الأدب يتبجح؟ بلا خجل أو استحياء لا يكلُّ أو يمل… ومحال أن يُفلس؟
نصمت حفاظاً واحتراماُ لذواتنا…وقيمتنا …أعلم أن هذا سيكون ردّكُم.. وأعرف أنكم ستضيفون على كلامكم قائلين : ان الجدال مع أحمق خطأ كبير فقد لا يفرق الناس بينكما ، أقسم أنني حفظت عن ظهر غيب مقولتكم الشهيرة تلك التي أهَرِت مسامعي…. (بأن : لكل داء دواء يستطب به الا الحماقة اعيت من يداويها)!!!
عُذراً على المُقاطعة …
ما رَأيُكُم أليس الأجدى من كلّ هذا الهراء أن نقولَ :
((عندما سَكَتَ أهل الحقّ عن أهل الباطل ظنّ أهل الباطلِ أنهم على حق ))
عفواً سأتوقف عن الكلام الآن لم يعد بالقلبِ نبضٌ ولا بالوعاءِ ماء
ها قد نَفُذَ الحِبرُ من القلم… قد فاضَ بما فيهِ الإناء…. سأخرج برهةً إلى الفِناء
وأنتم أخرجوا عن صَمتِكُم أيُّها العُقلاء
أطرقوا أبوابَ السُّفهاء
أيقضوا في طريقكم كل البلهاء
فجهل الجهلاء من تقصيركم يا سادة ياااااااااا……..علماء
سيريان تلغراف | نغم نصر
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)