محلي

الأسد : الحوار أساس الولاية الثالثة

يخرج بشوشاً حتى الباب. لا يوحي مطلقاً بقلق أمني. الداخل إليه لا يخضع لأي تفتيش، ولا يمر تحت أي بوابة الكترونية. يوحي الرئيس بشار الاسد، في مستهلّ ولايته الثالثة، وكأنه يتابع حياته اليومية كما لو أن البلاد لم تعرف الحرب أصلاً. لا شيء يذكّر بالحرب في مكتبه سوى أصوات مدفعية تنطلق بين حين وآخر صوب معاقل من باتوا يوصفون بالإرهابيين. يحافظ على رشاقته وأناقته كما في أحوال السلم. يهتم بالرياضة وبعائلته، رغم تكدس الملفات الامنية والسياسية التي يتابع تفاصيلها شخصياً طيلة النهار. يعترف كل من تابعه عن قرب، خلال سنوات الحرب، انه كان الأكثر برودة للاعصاب.
لم يهتز مرة واحدة. يروي قريبون انه يوم اعلان الرئيس الاميركي باراك اوباما ساعة الصفر للعدوان الذي تراجع عنه لاحقاً، كان الاسد، حتى اللحظات الاخيرة، يتصل سائلاً عن العاملين معه مطمئناً عليهم فرداً فرداً. وحين استهدف تفجير احد المقار رئيس جهاز أمن الدولة سابقاً (رئيس مكتب الامن القومي حالياً) اللواء علي المملوك، كان الاسد اول المتصلين والناصحين بعدم خروج المملوك خشية تفجير ثان. الأمثلة متعددة، ولا احد يملك جواباً شافياً عن سبب هذا الهدوء. كانت عوامل الثقة واليقين خلال الحرب نادرة. مع ذلك، بقي الاسد يقول ان سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية، وان الارهاب سينتشر ويعود ليفجّر من حيث انطلق. يشعر اليوم بأنه كان على حق. «الغرب تبنى ولو متأخراً ما كنت أقوله منذ خطابي الأول بعد الأزمة لأنه شعر بأن النار تمتد الى ارضه».
الأسد-الحوار-أساس-الولاية-الثالثة
منذ اللحظات الاولى لولوج الحدود، تنتشر اليافطات المؤيدة للرئيس بشار الأسد. كلها مذيّلة بتوقيعه، ويتصدرها شعار الحملة الانتخابية «سوا». اللافت ان شركات سورية كبيرة وأسماء تجارية وشخصيات معروفة عادت تضع اسمها تحت الشعار ليعرف القارئ ان اليافطة تقدمة أو هدية من هذا الطرف أو ذاك. ما كان هذا الأمر ممكناً خلال السنوات الماضية. كان بعض المؤيدين يحاول الابتعاد قدر الإمكان عن التأييد العلني. رأس المال الدمشقي واضح البصمات.
هل فعلاً ستكون «سوا» شعار المرحلة المقبلة؟
الأسد مقتنع بذلك. يقول ان «الحوار وثقافة الحوار وتعويد الناس على الحوار مع الاخر» باتت عناوين المرحلة. تأكدت صوابية الامر بعد عدد من المصالحات. «صالحنا حَمَلة السلاح وأصدرنا عفواً عنهم، فكيف لا نحاور بعضنا بعضاً». لم تكن مصالحة حمص نتيجة توافق اقليمي ودولي، بل «كانت نتيجة الحوار بين الدفاع الشعبي والمسلحين. هؤلاء يعرفون بعضهم بعضاً. يتجاورون في الأحياء. لذلك نجحت المصالحة وتعاملت الدولة باحترام كبير مع المسلحين، رغم الجروح والدماء والأحقاد، وتركتهم يخرجون بعد تسليم سلاحهم ويستخدمون الهواتف ويعيشون حياتهم الطبيعية».
الأسد مقتنع، أكثر من أي وقت مضى، بقدرة الشعب على تخطّي هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا. لعل هذا بالضبط ما أبقاه متماسكاً طيلة الازمة. يقول: «بقيت ألتقي بالناس والوفود التي تأتي إليّ أو أذهب اليها. شعرت منذ اللحظات الأولى لهذه الأزمة التي أدخلوها الى بلادنا لتدمير سوريا ان الناس تثق بالدولة ورئيسها وجيشها. لذلك بقيت أراهن على قدرة هذا الشعب على ضرب جذور المؤامرة. وجاءت الانتخابات لتؤكد ان الناس لم تتغيّر رغم الاعلام والتجييش والتكفير والارهاب والتآمر الخارجي».
دمشق كموسكو
ثقة الاسد بناسه وجيشه تدعمها ثقته بالحلفاء. «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان ولا يزال يدعم الموقف السوري لإدراكه بأن ما تعرضت له سوريا ليس نتيجة غضب شعبي، وإنما لرغبة دول خارجية بتدمير دورها، رغم خرق هذه الدول لكل القوانين الدولية وحقوق الناس. تجدّد هذا الدعم مراراً، وآخره قبل فترة قصيرة. عاش الرئيس بوتين شيئاً مما عاشته سوريا خلال الحرب عليها. أُريد للدولة الروسية الوريثة للاتحاد السوفياتي ان تغرق في حروب على خلفيات ارهابية او متطرفة او انفصالية. كانت الأمثلة كثيرة من الشيشان الى جورجيا فأوكرانيا. أراد بوتين، عبر دفاعه عن سوريا، ليس فقط تأكيد أواصر التحالف القوي بيننا. ولكن أيضاً اعادة التوازن الى نظام عالمي عاش منذ تفكك الاتحاد السوفياتي حتى انتخاب بوتين تحت لواء احادية القطب المعقودة لأميركا وحلفائها من الغرب الاطلسي».
الموفدون الروس كثيرون الى دمشق، كان آخرهم نائب رئيس الحكومة ديمتري روغوزين. الرجل قال كلاماً عالياً جداً حيال الدعم، تماماً كما كان سيرغي لافروف وبوشكين وغيرهم يقولون، او ربما أعلى قليلاً.
يقين الأسد بالتحالف مع روسيا ودعم بوتين توازيه ثقته الكبيرة بالموقف الايراني. بعث مرشد الثورة السيد علي خامنئي أكثر من رسالة دعم واضحة. «يدرك الحليف الايراني ان الحرب على سوريا تستهدفه أيضاً لأنها تستهدف كل خط المقاومة وداعميها». لا تترك القيادة الايرانية فرصة الا وترسل إشارات الدعم. ليس غريباً، إذاً، ان تصدر عن الرئيس حسن روحاني في أنقرة مؤشرات صريحة الى رغبة طهران بتغيير الرياح التركية التي عصفت على سوريا «فساهمت بالحرب، ولكنها أفقدت تركيا الجزء الأكبر من دورها في المنطقة».
يكتسب الكلام أهمية خاصة الآن للرد على كل من يعتقد ان التقارب الايراني ــــ الاميركي الحالي قد يغيّر موقف طهران حيال القيادة السورية. يبتسم الاسد. يقدّم، كعادته، تحليلاً استراتيجياً دقيقاً وبلا مغالاة، لا بل وبواقعية باردة كالثلج، لكل الإطار الدولي والإقليمي، فيصل السامع الى النتائج التالية:
ــــ «ليس الحليف الايراني هو الذي سيتغيّر حيال سوريا. فهو صامد في موقفه اكثر مما يعتقد البعض. وإنما أميركا والغرب هم الذين بدأوا يرسلون إشارات تغيير. صار الارهاب في عقر دارهم. ثمّة أميركي فجّر نفسه على الاراضي السورية، وثمّة فرنسي من أصل مغاربي قتل يهوداً في كنيس في بروكسيل».
ـــ «لن يستطيع الغرب أن يفعل أكثر مما فعل لتغيير المعادلة. يحكون عن أسلحة فتّاكة وغير فتّاكة. الأسلحة كلها متوفرة عند المسلحين الإرهابيين منذ فترة طويلة بما فيها المضادات للطائرات».
ــــ «يحاول مسؤولون أميركيون حاليون أو سابقون التواصل معنا، لكنهم لا يجرؤون بسبب لوبيات تضغط عليهم». تعود الذكرى الى الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر حين أراد المجيء الى دمشق عام
سيريان تلغراف
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock