وما الهدف من هذه الشيطنة الإعلامية ؟ .. بقلم برهان إبراهيم كريم
بعض الناس ينظرون إلى مشاكلهم ومشاكل العالم كما يروق لهم ويتفق ومصلحتهم فقط. وهم أشبه من يراقب ما حوله من ثقب مفتاح الباب أو من ثقب آخر أو من شق صغير. وهذا الثقب هو ما يسمعونه من الآخرين, أو ما تنقله لهم بعض وسائط الاعلام المرئية والمسموعة. وعلى ضوء ما يروون ويسمعون يعالجون المشاكل والقضايا والأحداث ويحكمون عليها, وهذا خطأ فادح وكبير. وهذا الخطأ يتفاقم حين ينتهجه بعض العامة و المثقفين والمفكرين والساسة والمحللين والساسة والمسؤولين. لأن تلك الرؤية المنقوصة قد تبنى عليها مواقف, أو تتقرر بموجبها مواقف وسياسات تتعلق بمصائر الآخرين. ووسائط الاعلام تقدم وتبرز الجانب المطلوب منها إظهاره فقط, أو ما يروق لرغبات أسيادها وللنظامين العالمي بشقيه القديم والجديد. والتطور العلمي والتكنولوجي وإن ساهم في توضيح وكشف الكثير من الأمور, إلا أن التلاعب بهذه الوسائط التكنولوجية من قبل البعض سهل الكثير من أعمال الخداع والتزييف. وكأن وسائط الاعلام باتت تنتهج أسلوب الكاتب الوجودي الفرنسي هنري باريوس, الذي أصدر رواية عام 1918م بعنوان الجحيم. حيث ظل بطلها كولن ولسون يراقب ما حوله من غرفة مغلقة في فندق، مرة من ثقب الباب ومرة أخرى من ثقب في الجدار. وظن أنه اكتشف العالم من حوله، لكنه لم ير شيئاً من الحقيقة، وإنما ظل محكوماً بالقدر الذي أتاحه له ثقبا مفتاح الباب وجدار الغرفة المقيم فيها. ورواية الكاتب الفرنسي هنري باريوس بات الناس يعيشونها في هذا القرن, بحيث غدا الإنسان نسخة عن بطل الرواية كولن ولسون. فوسائط الاعلام المقروءة والمسموعة والفضائيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتطورة تحولت في معظمها إلى ثقوب, وهي من تحدد المنظر والمشهد الذي يجب رؤيته من خلالها فقط لكافة الاحداث والمشاكل والازمات وباقي الأمور. وما على المشاهدين والمستمعين والمتابعين والمشتركين سوى الرؤية والاصغاء والبصم بأصابعهم العشرة بدون أي نقاش أو تفسير. وهذه شيطنة ربما هدفها تضليل وخداع الجماهير لتمرير مخطط استعماري وصهيوني يستهدف العرب والمسلمين وباقي الشعوب ومن أشكال هذه الشيطنة:
- تحويل الخلاف والانقسام السياسي إلى خلاف وانقسام اجتماعي. فالانقسام السياسي أمر طبيعي مهما وصلت به الأمور لدرجه الحدة والشدة في بعض الاحيان, وهو ما يميز الفترات الانتخابية. أما الانقسام المجتمعي فهو اشكال كبير .حيث يحدث انقسام داخل المجتمعات والأُسر, بحيث ينظر الواحد للآخر بنظرة الكراهية والتي قد تصل إلى درجة الحقد, بل وقد يتمنى له الموت, أو يسعى للتخلص منه.
- شيطنة العملية الانتخابية وصناديق الاقتراع. وهذه الشيطنة قد تكون مقبولة خلال مراحل العملية الانتخابية, لأن المواطن حر في اختيار من يراه أهلا لتمثيله في السلطة التشريعية وهرم السلطة التنفيذية ، وله أن يقاطع إذا رأى أن المرشحين غير أهل لتمثيله. لكن من غير الجائز توظيف الدين بهدف التأثير على اختياره وخياره. لأن المواقف السياسة تتغيّر، والدين لا يتغير. ولا يدرك حكم الدين بخصوص العملية الانتخابية وصحة اختياره إلا كل من هو متمكن في دينه, وعلى دراية بمعاناة مواطني وطنه ومصلحة وطنه وبمن يرى فيه الأفضل أو المناسب لتحمل تبعات هذه المهمة لتجسيد خياره ومعالجة هموم وطنه ومعاناته ومشاكل ومعاناة مواطنيه.
- شيطنة البناء وذلك بالبناء على مالا يقبل أو يسمح أو يستحيل البناء عليه. فالمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية مثلاً التي بدأت في أوسلو في أيلول من العام 1993م والتي مازال الوفد الاسرائيلي يتشدد ويتصلب، ويتمسك بمواقفه ولا يتراجع. والوفد الفلسطيني يتنازل ولا يمل وييأس. وإسحق شامير رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، أخبرنا بأن هذه لمفاوضات ستستغرق عشرين سنة، وأيهود باراك مددها خمسة عشر سنة أخرى لبناء الثقة فقط. ونتنياهو يريد منها الاقرار بيهودية دولة إسرائيل وتنشيط التوسع ببناء المستوطنات, وزج السلطة الفلسطينية في محاربة قوى المقاومة على أنها منظمات إرهابية. وخلف نتنياهو قد يمددها لعدة عقود.
- شيطنة بعض الأنظمة العربية والاسلامية. وهذه الشيطنة هدفها الاساءة لأنظمة لا تستسيغها أنظمة عربية أو إسلامية أخرى, ولا تستسيغها واشنطن وإسرائيل. وتحميل هذه الانظمة كل المسؤولية عما لحق بالأمتين العربية والاسلامية, وهي براء منها.
- شيطنة قوى المعارضة العربية والاسلامية. وهذه الشيطنة تتمثل بشرذمة هذه القوى من خلال توصيف كل معارضة على أنها فصائل متشددة ومعتدلة ووسطية وإرهابية. وهذا التوصيف والتصنيف هدفه إدخال هذه الفصائل في صراع تناحري فيما بينها لمزيد من عمليات سفك دم العرب والمسلمين بما يخدم مصالح واشنطن وإسرائيل.
- شيطنة الفتنة الطائفية والمذهبية. وتتمثل هذه الشيطنة بتحويل كل خلاف وصراع إلى تناحر طائفي ومذهبي تزهق فيه الكثير من الأرواح, وتهدر فيه الكثير من دماء العرب والمسلمين, وتقسيم المقسم والتي لا يستفيد منها سوى واشنطن وإسرائيل.
- شيطنة قيم الحرية والديمقراطية. وهذه الشيطنة تتمثل في قيام انظمة لم تجرى فيها أية عملية انتخابية, بنشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في دول عربية وإسلامية. وهذه الانظمة يفتقد فيها مواطنيها حتى لأبسط حقوق حرية التعبير.
- شيطنة بعض الحركات الاسلامية. وهذه الشيطنة تتمثل بتجريم حركات إسلامية, وتصنيفها بأنها منظمات إرهابية. وأسباب محاربتهم لهذه الحركات الاسلامية لأنهم ينازعونهم في الدين، وينافسونهم في الدنيا, ولأنهم قدّموا البديل, وهم لا يريدون أن يكون غيرهم البديل, وهذه الانظمة تفرض طاعة ولي الأمر الذي هم يحددونه.
- شيطنة بعض الزعماء والأحزاب. وهذه الشيطنة تتمثل بتجريم وإدانة وتشويه سمعة زعماء واحزاب لأن لهم دور مميز في التصدي لقوى الصهيونية والاستعمار, وحتى لمن لم يترك لهم المجال للتعبير عما يطمحون لتحقيقه من خطط تحرير وتنمية وإصلاح.
من خلال هذا السرد قد يتبين للقارئ الكريم حجم خطأ النظر للأمور والأحداث من ثقب صغير. لأنه لا يمكنه من رؤية كامل مسرح الحدث بكافة ابعاده وما يدور فيه. فكم هو رائع وجميل أن يلتزم كل منا ومعنا وسائط الاعلام بإعلاميها ومحلليها السياسيين والعسكريين وضيوفها الكرام بنبذ أسلوب الرؤية من ثقب صغير أو الحكم على ما يرونه من خلاله فقط. أو ما يسمعونه من الآخرين. وأن نسعى لفعل كل ما هو حسن ونافع ومفيد ويرضي الله, ويخدم الانسانية وقضايا الشعوب, ويخفف عن كاهل الناس الكثير من المعاناة ونحترم عقل كل منا. وننقل كل حدث كما هو دون تزييف و تحوير أو مكياج أو عمليات تجميل أو تشويه.
سيريان تلغراف | العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)