مقالات وآراء

جيل الشيوخ .. بقلم برهان إبراهيم كريم

الشيوخ جيل يمكن تعريفه بهذه السطور: الشيوخ جربوا كثيراً, وتعلموا من تجاربهم وتجارب من سبقوهم من الآباء والأجداد والأصدقاء والأعداء. وأصابوا وأخطأوا في الكثير من الأمور. عرفوا الأيام وقارعوا الخطوب, وعاشوا تقلبات الأحوال. أصابوا الحكمة ونفعتهم كثيرا في العديد من الأمور. امتلكوا العقل الراجح والفكر الرزين. يقدرون الواقع, وينظرون بواقعية نحو المستقبل. وبعيني الصقر يبصرون الحسنات والسيئات والمحاذير. فهم أشجار الوقار ومنابع الأخبار. لا يطيش لهم سهم, ولا يسقط لهم فهم. إذا رؤوك في قبيح صدوك, وإذا شعروا بأنك في مشكل تحالفوا لينقذوك, وإن أبصروك على جميل أيدوك وساعدوك وشجعوك وأمدوك. يتذكرون أيام شبابهم, وكم قطعوا فيها من الفيافي. كدوا في العمل, وجاهدو في هذه الحياة, لينعم من حولهم ببعض الأمن والسعادة والأمان وراحة البال. يمارسون رياضة المشي لأنهم يعتبرونها أفضل الرياضة التي تليق بهم, وتغني عن كل الألعاب. ويعتبرونها خير وصفة طبية تنفعهم في حياتهمبدون الحاجة إلى أدوية وعقاقير. ورياضة المشي بنظرهم تحدد لهم وزن جسدهم المفروض بدون اتباع نظام طعام محدد و ريجيم, إضافة إلى أنها مستحضر تجميل لا يوجد له من مثيل في الصيدليات, ومسكن يوفر عليهم تناول الأقراص أو الحقن أو المهدئات, ومعالجة لا تحتاج إلى طبيب عام أو اختصاصي أو نفسي, وينبوع فتوة لا ينضب, ونزهة في الهواء الطلق لا تكلف فلس. ويدعون ربهم كما كان المأمون يدعوا: يا من لا يموت أرحم من يموت. فالمسنون الذين يسبحون الله مرتاحين في شيخوختهم هم الذين خاضوا سواقيها في شبابهم. ومن لا يلاحظ عدم رغبته في التفاعل مع كل جديد فهذا يعني أنها كبر. وما أجمل الشيخ إذا قام حمد الله, وإذا قعد ذكر الله, وهما الخصلتان المحمودتان حتى بعد ذهاب الشباب وشرهه ومغامراته, وحلول الكبر وخيره. وقالوا في الشيوخ الكثير ومنها:

  • قالوا: الشيْخُ من استبانتْ فيه السن وظهر عليه الشيبُ؛ وآخر قال: الشيخ هو من بلغ الخمسين من العمر. وقيل: هو من بلغ الإِحدى وخمسين إِلى آخر عمره. وقيل: هو من الخمسين إِلى الثمانين.
  • وقالوا: من طال عمره نقصت قوة بدنه, وزادت قوة عقله, والأيام لا تدع جاهلاً إلا أدبته, فكفى بالتجارب مؤدباً, وبتقلب الأيام واعظاً. وهذه الصفات تجدها عند الشيوخ.
  • الشيوخ لم يملوا العمر, وإنما ملوا من الضعف, والذي عبر عنه شاعر بقوله:

   إذا قال المرء أف فما ***** مل الحياة وإنما الضعف ملا.

             آلة العيش صحة وشباب ****** فإن هما وليا فالعمر ولا.

  • ومنهم من يعتبر نفسه مازال شاباً رغم تقدمه في العمر. والذي عبر عنها الشاعر أحمد الصافي النجفي بهذه الأبيات:  سني بروحي لا بعد سنين ***** فلأسخرن غداً من التسعين.

           سني إلى السبعين يركض مسرعاً**** والروح ثابتة على العشرين.

  • وشاعر لخص حياة الشيوخ بقوله: مشيناها خطى كتبت علينا *** ومن كتبت عليه خطى مشاها.
  • وشاعر عبر عن حال الشيوخ بقوله: ألا ليت الشباب يعود يوماً ***لأخبره بما فعل المشيب.
  • وصف الشاعر العريان بن هيثم حال الشيوخ, بهذه الأبيات من الشعر:

               سلني أنبئك بآيات الكبر ***** نوم العشاء وسعال السحر.

               وقلة النوم ‘ذا الليل أحتكر **** وقلة الطعم إذا الزاد حضر.

               وسرعة الطرف وتجميع النظر (تصغير العين) **** والناس يبلون كما تبلى الشجر.

في فلسطين قرية تدعى قرية الشيوخ, وتتبع محافظة الخليل. وتقع في الشمال الشرقي من مدينة الخليل. أقيمت القرية حول قبر الشيخ إبراهيم الهدمي. ، وتبعد عن مدينة الخليل 6 كم، وترتفع 880 م عن سطح البحر. وفي بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مجلس تشريعي يسمى بمجلس الشيوخ. وأن أول مجلس شيوخ في العالم كان هو مجلس الشيوخ الروماني. والأقدمون قالوا: في سن الثامنة عشر تكون مهتم للغاية برأي الناس فيك ، منتبه لما يقولونه عنك ، قلق بخصوص ما يشعرون به تجاهك ، وعندما تبلغ سن الأربعين تصبح غير مهتم البتة بما يقولوه الناس عنك ، غير آبه بآرائهم فيك ، ولا يقلقك ثنائهم أو نقدهم ، بينما وأنت في الستين تدرك الحقيقة الغائبة وهي أنه لا أحد في الحياة كان مهتماً بك بالدرجة التي كنت تظنها طيلة حياتك.

فكم هو واجب وضروري على الشباب الاستفادة من آراء وخبرات الشيوخ. فإنهم إن فقدوا ذكاء الطبع فقد مرت على عيونهم وجوه العبر, ووردت على أسماعهم آثار الخبر والتجارب. فهمة جيل الشباب بقوته وعنفوانه وطموحاته وآماله وأحلامه تكملها وتثريها وتغذيها وتصقلها حكمة وخبرة وواقعية وتجارب ورزانة جيل الشيوخ. والأوطان تبنى بهمة الشباب وحكمة الشيوخ لتحقيق التقدم والتنمية واحتلال المكانة اللائقة بين دول العالم.

جيل الشيوخ جيل يجب على باقي الأجيال أن تحترمه وتوقره وتعتز بدوره في حياة كل مجتمع من المجتمعات. وعلى الحكومات أن تقدم لكل مواطن بلغ مرحلة الشيخوخة الرعاية الصحية والاجتماعية في كل المجالات.

سيريان تلغراف | العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock