مقالات وآراء

مسرحية غربة وشهوة الرئاسة في سورية .. “بلد كلّها حكّام من وين أجبلك شعب” ..؟؟ بقلم بلال فوراني

كلما خطر على بالي أن أكتب عن الحدث الهام الجاري في سورية اليوم وهو السباق الرئاسي , أراني مشدوداً الى رائعة المرحوم محمد الماغوط في مسرحيته الخالدة غربة , فأجد دوماً تقاطعات غريبة بين ما يحدث اليوم وبين ما يحدث في تلك الضيعة , الفارق الوحيد في كمية اللحّى التي فاضت على سوريا ولم نعد نعرف ماذا يختبئ تحتها , عدا هذا فكل أحداث المسرحية تنطبق بشكل أو بآخر على ما يجري اليوم في سوريا , بداية من مختار الضيعة الى حاشيته التي تغرد خارج السرب ,الى القهوة الشعبية التي يشرب فيها الرجال مشاريبهم ويتبادلون الشتائم والنميمة والطعن في الظهر ,الى النساء اللواتي يكدّحن في حراثة الارض الى الحجّة التي كانت القابلة القانونية لكل أفراد الضيعة والى غربة نفسها تلك الصبية التي ترعرعت تحت ظلال عريشة الياسمين وهي تنتظر فارسها القادم على حصان أبيض .

اللافت في المسرحية لكل من تابعها يوما ما ذاك المشهد الذي يتجلى حقيقة في مشهد السباق الرئاسي اليوم, وهو حين بدأت الانتخابات لاختيار مختار للضيعة , واكتشف المشاهدون أن كل من في الضيعة قد تقدم الى الترشح لهذا المنصب , فاختصّر محمد الماغوط  ما يحدث في سوريا بكلمة واحدة قالها على لسان بطله الذي قام بدوره الممثل القدير دريد لحام حين قال : ( بلد كلّها حكّام من وين أجبلك شعب )؟؟ . بمعنى أن كل الشعب يريد أن يصير حاكماً فمن أين أتي لك بشعب كي يحكم هذا الشعب .لقد استطاع المرحوم محمد الماغوط الخارج من أقبية سجن المزة والذي تجرع كل أصناف العذاب في فترة سجنه أن يعبرّ عن حالة الشعب السوري بكلمة واحدة فقط .. هي أن الغالبية من هذا الشعب يرون انفسهم أشخاص يستحقون قيادة البلد .. لان رؤوسهم كبيرة .. و رؤوسهم فارغة .. و رؤوسهم خارجة عن نطاق التفكير وليس ضمن التغطية العقلية أو الوطنية .

الأمر الذي يستحقّ فعلا قليلاً من انتباهنا هو ترشح 23 شخص لرئاسة البلد من دون ذكر الرئيس بشار الأسد, ولست هنا أعترض على حرية الترشح وهو حق أصيل لكل من يجد في نفسه الكفاءة للقيام بهذا الواجب الوطني , ولكن الغرابة ان يجد 23 شخص في نفسهم القدرة الكبيرة والحكمة العظيمة على قيادة بلد يقولون أنها على وشك الدمار والضياع , بلد ترزح تحت حرب عشواء طوال ثلاث سنوات وما زالت قادرة على أن تنجب رؤساء لهذا الوطن , بلد نهبوا خيراتها ودمروا منشأتها وسرقوا أموالها وما زال هناك من يظن أن لديه الحكمة في اعادة المياه الى مجاريها, رغم أن المياه شحيحة هذه الأيام والمجاري فاضت برائحة العفن الوطني والمهني والاخلاقي . والشيء الوحيد الذي يفيض علينا هذه الايام هو موسم قذائف الهاون التي تنزل على بيوتنا مثل حبات المطر.

الغريب لكل من تجرأ على التقدم لهذا المنصب أنه ربما لم يقرأ التاريخ أو أنه لم يتابع نشرات الأخبار الأخيرة في السنوات الثلاثة الماضية والتي تجلت بحقبة اسمها الربيع العربي , لقد أصبح كرسي الرئاسة هذا أخطر من أي حادثة مرورية قد تموت فيها قضاءاً وقدر , ففي هذه الحقبة رأينا ما لم نراه طوال سنين من عيشنا المرير في هذا الوطن العربي , رأينا الرئيس يُقتل على يد عصابات ثورجية همجية في ليبيا, ورأينا الرئيس في تونس يقصفون قصره ويضطر الى الذهاب الى السعودية كي يتعالج فيها, ورأينا في تونس الرئيس يلملم أغراضه ويسرق ما يستطيع ان يسرقه ويهرب الى بلد صارت فندق للرؤساء ووكر لدعارة النساء ,ورأينا الرئيس الذي رموه في السجن بعد ثورة مفتعلة في مصر وما زال في انتظار فرج الله او فرج أمريكا عليه ثم رأينا كيف تابع الرئيس الذي خلفه بإرادة امريكا أيضا مسيرته العصماء التي لم تدم أكثر من سنة فصار الاثنان زوار سجن واحد , ورأينا في سورية الرئيس الذي قامت الدنيا كلها عليه ولم تقعد وما زال واقفاً على قدميه محمياً بتلك اللعنة التي أصابت كل من طالب برحيله او اسقاطه او تنحيه .

في سورية تصبح مسرحية غربة مسرحية طفولية امام المسرحية الكبرى التي تحدث اليوم , وهو اذا دلّ على شيء واحد فهو يدل على مستوى التطرف في التفكير العقلاني لأي حدث في سورية حتى لو كان الترشح للرئاسة , ومازلنا نمارس لعبة الاختباء وراء إصبعنا كي لا يرانا أحد , رغم أن الجميع يعرف تماما أن منصب الرئيس هذا لن يكون سوى من نصيب رجل واحد فقط شاء من شاء وأبى من أبى ولا أتكلم هنا من منطلق القمعية والتظلم والتفرد في القرار تحت المقولة المستهلكة ( الأسد أو نحرق البلد ) . بل أتكلم من منطلق الواقع والأرض ,أتكلم من منطلق من يرى الحقيقة على الأرض وليس من رؤوس ما زالت تهذي بإسقاط النظام وتحلم أن تجلس على عرش الرئاسة ولو جاءت على صهوة دبابة امريكية أو اسرائيلية يدفع ثمن وقودها حكام وملوك الخليج .

( بلد كلّها حكّام من وين أجبلك شعب ) .. وهذه الحقيقة الوحيدة التي تختصر العقلية العربية السورية , إنها تجسّد واقع مؤلم من سخافة العقول التي تظنّ نفسها قادرة على إدارة بلد في الوقت الذي يكون فيه عاجزاً عن إدارة بيته أو شركته أو مديريته , إنها حقيقة لن تعجب الكثير ولكن من قال أن الحقيقة تعجب الكثير , لقد اعتبروا في سالف الزمان أن الحقيقة عارية سافرة وعلينا تحجيبها كي تستر نفسها , لذا تجد الحقيقة دوماً مدفونة تحت اللسان الصادق أو في مكتب قاضي التحقيق فقط .ولهذا تصير الكذبة في حياتنا حقيقة أكثر منها مجرد اختراع من الخيال , لأننا بطبيعة الحال نتعايش مع الشيء الذي نتمناه ونكره ما يوقظنا من هذا الحلم .

والحقيقة الوحيدة التي ذكرتها في مقال سابق وها أنا أعيدها اليوم نكاية بكلّ حاقد وكاره ونكاية بكل عصابات الجيش الحر وداعش وجبهة النصرة وأولئك الاقزام المأجورين الذين ينامون في فنادق تركيا وهم يحلمون بأن يناموا في القصر الجمهوري . أقول لهم أن الرئيس بشار الاسد هو الرئيس القادم للبلاد وعلى من يظنّ العكس أن ينتظر حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية كي يكتشف هذه الحقيقة ويعرف أني حين قلت سابقا أن حتى العيون التي في طرفها ( حولّ ) سترى أن الرئيس بشار هو الرئيس القادم لسورية , وحينها ربما يعيد النظر كي يكتشف أنه ليس أحولاً فقط بل هو أعمى البصر والبصيرة وكان عليه أن يتناول الكثير من الجزر في طفولته كي يرى هذه الحقيقة سلفاً .

\

/

على حافة مسرحية غربة

من الحرية أن تجدّ نفسك لائقاً بكرسي ما

ولكن من العدل أن تعرف وزنك قبل أن تجلس عليه ..؟؟

سيريان تلغراف | بلال فوراني

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock