في سورية الجديدة لا بد من ذهنيات جديدة .. بقلم عبد الرحمن تيشوري
إن التحدي الذي تواجهه عملية التنمية في سورية يتمثل أساساً في إدارة الموارد والتسيير والتطوير المؤسسي وفي ضرورة ربط التخطيط للإصلاح الاقتصادي بالإصلاح الإداري، حيث أن ذلك وحده يمكن أن يوفر إدارة عامة، منتجة، كفؤة، شفافة، مبادرة، ذات رؤية تنموية مستقبلية، ومسؤولة وفاعلة ومنفتحة على قوى المجتمع ومتوجهة نحو خدمة المواطن ودعم الاقتصاد الوطني، إذ أن مفهوم تقديم سلع وخدمات النفع العام لم يعد مقتصراً على الدولة، بل هو مجهود تشاركي يساهم فيه بالإضافة إلى الحكومة كل من القطاعين الخاص والأهلي، ويشكل مثل هذا النهج الجديد ترجمة للتحول نحو اقتصاد السوق الاجتماعي.
في الوقت الحاضر تعاني أجهزة الدولة وقطاع الخدمة المدنية من تضخم واضح لا يتناسب مع قاعدة الموارد الاقتصادية المتجددة (غير النفطية)، وإن النتيجة الحاصلة لمثل هذا التضخم هي تدني مستوى الأجور الحقيقة، وبالتالي ضعف الدافعية في الأداء وفي إنتاجية العاملين، ومن ثم تدني القدرات الإدارية ونوعية الخدمات المقدمة.
ومن خلال استعراض البيانات المتاحة، يتضح أن إجمالي العاملين في أجهزة الخدمة العامة قد وصل عام 2010 إلى نحو 1و200000 ألف موظف وموظفة، أي بمعنى أن حوالي 7% من السكان يعملون لدى الدولة.(حاليا مليون ونصف واكثر )
ويتضح هذا التضخم الحاد إذا ما تمت مقارنته بالنسب العالمية، فهي لا تتعدى بالمعدل لدى دول القارة الإفريقية أكثر من 2% ولدى دول شرقي وجنوب آسيا 2.6 %، ودول أمريكا اللاتينية 3%. ولا تتجاوز كذلك لدى دول أوربا الشرقية التي ورثت قوانين التشغيل الكامل أكثر من 5.7 %.
وبالمقارنة مع بعض الدول العربية التي تتوفر عنها بيانات، يلاحظ أن نسبة العاملين في الخدمة العامة بين السكان لا تتعدى في الأردن 1.6%، وفي المغرب 2.75، وفي تونس 3%، وفي مصر التي ما زالت تلتزم بقوانين توفير الوظيفة العامة لكل خريج وخريجة لا تتجاوز النسبة 5.7 %.
وفي الواقع فإن مشكلات الإدارة العامة في سورية تعود إلى طبيعة التوجه التنموي الذي ساد خلال العقود القريبة الماضية، حيث تركز العمل على تحقيق دولة الرفاه والاهتمام بالدرجة الأولى بمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستثمار في القطاعات الإنتاجية والخدمية، مع عدم إعطاء الأهمية الكافية للنهوض بالتنمية الإدارية وبإدارة التنمية، في حين أن الرهان الأساسي في بلد محدود الموارد كسورية كان يجب أن يكون رهاناً على تنمية القدرات الإدارية من أجل ضمان التوظيف الأمثل والتسيير الكفء للموارد، من خلال الربط بين التنمية الاقتصادية – الاجتماعية والتنمية المؤسسية والنهوض بأداء قطاع الخدمة المدنية. وعليه، فإن الضعف السائد حالياً في الإنجاز الاقتصادي هو انعكاس ذو دلالة على ضعف مؤسسات الخدمة المدنية.
ولقد كان من مضاعفات غياب عملية الربط بين التنمية الاقتصادية والتنمية الإدارية أنه تم النظر إلى قطاع الخدمة المدنية باعتباره خزاناً لامتصاص البطالة وتوفير فرص التشغيل للداخلين الجدد لسوق العمل. ونتيجة لذلك، لم يكن التوظيف مبنياً على معايير الطلب والحسابات الاقتصادية للجدارة والإنتاجية، بل غلب عليه الطابع الاجتماعي والريعي، مما أدى إلى تراجع مبدأ الحرفية في عمل البيروقراطية.
من جانب آخر، إن عدم التواصل بين التخطيط الاقتصادي والتخطيط الإداري هو الذي كان وراء إحباط جميع محاولات وضع خطط وطنية فاعلة للقوى العاملة، وتوفير قاعدة معلومات عن خريطة قطاع الخدمة المدنية يتم على ضوءها رسم الخيارات والبدائل وإرساء نظام واضح لإدارة وتطوير الموارد البشرية واعتماد ملاك وظيفي محكم ومعايير دقيقة للاختيار والتعويض، واتباع خطة وطنية للتطوير المهني والأخذ بنظم الحوافز والإثابة المبنية على معايير الإنتاجية والعوائد ولا بد من ذلك في سورية الجديدة كفى مجاملات لنبدأ بشكل مهني.
سيريان تلغراف | عبد الرحمن تيشوري
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)