ماذا وراء استهداف مشيخة عقل المسلمين الموحدين .. بقلم ماهر نادر
يمكن لأي متابع للأحداث أن يلاحظ أنه منذ حوالي الأسبوع هناك حملة إعلامية تستند إلى التحريض وتحريف بعض التصريحات والبيانات, وعمل تخريبي وفتنوي يستهدف محافظة السويداء بشكل ممنهج ومدروس, وذلك بالتزامن مع توقيف عدد من المواطنين في المحافظة ضمن إجراء أقل ما يقال فيه, رغم ثقتنا بالأجهزة الأمنية, أنه متسرع وغير مدروس, وهذا ما ستثبته نتيجة التحقيقات مع الكثير ممن تم توقيفهم, الأمر الذي أفسح المجال لجهات وشخصيات تسمي نفسها معارضة, باستغلال هذه التوقيفات لتحقيق أهدافها بتوتير الأجواء الاجتماعية والأمنية في المحافظة على أمل توريطها مستقبلاً في مستنقع الدم.
وكان واضحاً أن هناك تهجم واستهداف مدروس بعناية على مشيخة العقل لطائفة المسلمين الموحدين ومشايخها وذلك بعد أن أصدروا بيان يحرم استخدام السلاح والمظاهر المسلحة, ويدعو إلى التبصر وعدم الانجرار إلى الفتنة, ويذكّر بدور أبناء المحافظة في مواجهة مؤامرات التقسيم والفتنة, وأكدوا أن مشيخة العقل ترفض أن تقدم غطاءً دينياً لأي شخص يستغل لباس الزي الديني لارتكاب مخالفات تمس أمن الوطن والمواطن.
هذا الموقف الحكيم لم يرق لصناع الفتنة الذين يعرفون جيداً مكانة مشيخة العقل لدى أبناء المحافظة فما كان منهم إلا أن أطلقوا حملة تستهدف الاساءة إلى مكانة مشيخة العقل, فصدر بيان عن جهة مجهولة تسمي نفسها “مشايخ السويداء الأحرار” أعلنوا فيه مبايعتهم الشيخ (وحيد البلعوس) رئيساً وحيداً للهيئة الروحية في المحافظة, وادعوا أن مشايخ العقل الثلاثة لا يمثلون إلا أنفسهم, إلا أن الشيخ (البلعوس) أصدر بياناً أكد فيه أن لا علاقة له بالبيان الآنف الذكر, ولفت إلى أن مشيخة العقل هي إرث تاريخي قائم منذ مئات السنين ومتفق عليه من قبل مشايخ الطائفة وزعمائها التقليديين من خلال مراسم تنصيب خاصة بعادات وتقاليد الطائفة, معلناً أن مشيخة العقل ممثلة بالمشايخ الأجلاء (حكمت الهجري) و(يوسف جربوع) و(حمود الحناوي) هم مشايخه ومرجعيته, وأنه يرفض بشكل قاطع كل ما نسب إليه من صفات ومناصب, ورداً على ما روجت له وسائل الاعلام من أن السويداء تشهد تحركات ضد الحكومة, أكد الشيخ (البلعوس) أن المحافظة وأبنائها يقفون مع الوطن وقائد الوطن ضمن الخط الوطني ومواجهة الارهاب.
وفي سياق حملة التحريض والتزوير, لم يكن مفاجئاً أن ينبري المهرج (فيصل القاسم) للمشاركة في هذه الحملة من خلال نشر تعليق على صفحته على موقع (الفيس بوك) انتقد فيه بيان مشيخة العقل, حيث قال باستهزاء: أظن أن أحد رجال الأمن سرق ورقة من دفتر مشيخة العقل ولفق البيان عن لسانهم, واللافت أنه يستغرب كيف يمكن لمشيخة العقل أن تطلب من المواطنين التعاون مع الجهات المختصة من أجل القيام بمهامها, وكأن هذه الجهات المختصة آتية من كوكب آخر, وليس عناصرها من أبناء الوطن ومهمتهم الحفاظ على أمنه, بدوره ادعى المعارض (ماهر شرف الدين) وهو من أبناء السويداء ويقيم في إحدى الدول الأوروبية, في لقاء مع قناة (بي بي سي) أن من كتب البيان الصادر عن مشيخة العقل هو أحد مسؤولي المحافظة, وهو من أخذه الى المشايخ الثلاثة برفقة ضباط الأمن الذين أجبروا المشايخ الثلاثة على التوقيع.
يبدو جلياً أن الهدف الخبيث وغير المباشر من نشر مثل هذه الادعاءات الكاذبة من قبل أشخاص من أبناء السويداء حصراً, هو إيجاد حالة من التعود على التجرؤ على الهيئة الروحية العليا في المحافظة, وجعل الأمر يبدو وكأنه في سياق النقد الموجه لأي سلطة أو هيئة اجتماعية أو حزبية, رغم أن العرف السائد هو أن مشايخ العقل هم سلطة روحية وليست زمنية لا يجوز بأي حال من الأحوال التقليل من قيمتها ومكانتها أو تناول شيوخها من خلال إظهارهم بموقع الضعف والخوف, وهذا ما أراد أن يحققه (شرف الدين) عندما ادعى أن ضباط الأمن أجبروا مشايخ العقل على توقيع البيان السالف الذكر, أما الهدف المباشر من نشر هذه الادعاءات الكاذبة فهو محاولة تحجيم دور مشيخة العقل الاجتماعي والديني الوطني الذي تؤديه, للوصول إلى حالة يمكن من خلالها إلغاء هذا الدور بحيث يكون البديل هو شخصية أو هيئة اجتماعية أو سياسية يجري العمل على تحضيرها أو تم تحضيرها فعلاً كما حصل في محافظات أخرى في بداية الأزمة, وتمثل ذلك بالظهور المفاجئ لما يسمى التنسيقيات في الأحياء والمدن والبلدات, والدليل على صحة ما نقول نورد من خلال هذا الاقتباس مما جاء في صفحة (فيصل القاسم) حيث قال: “مشيخة العقل هي سلطة دينية وليست أمنية ومرجعيتها الوحيدة هي تاريخ السلف الصالح, ومن اتخذ غير هذه المرجعية فلن تُقبل مرجعيته” ــ انتهى الاقتباس ــ وكأن السلف الصالح لم يدفع كل غال ورخيص في مقاومة دول وأطراف خارجية تُعقد معها حالياً الصفقات والاتفاقات لإسقاط الدولة الوطنية في سورية, وكأن السلف الصالح لم يعمل ويناضل من أجل بقاء سورية وطناً موحداً يضم جميع أبنائه من كل الطوائف والألوان والمذاهب, متناسين أن السلف الصالح دعا إلى المحبة والوئام بين أبناء الوطن, وأن دماء السلف الصالح سالت وتمزاجت مع دماء كل ابناء سورية في السويداء ودرعا ودمشق وباقي المحافظات أثناء معارك تحرير سورية من العثمانيين والفرنسيين, وضد العدو الإسرائيلي الذي يرعاهم في مشافيه ويقدم لهم الدعم والسلاح للاعتداء على الجيش العربي السوري الذي يضم جميع أبناء سورية.
إن التهجم على مشيخة العقل يهدف إلى التحريض على عدم الالتزام بالبيان الصادر عنها لأن من هم وراء هذا التهجم يعلمون جيداً أثر ووقع هذا البيان على المغرر بهم أو على الانفعاليين الذين قد ينساقوا وراء دعاة الفتنة وتعميم الفوضى, حيث لم يكن مستغرباً أن تترافق هذه الحملة مع أعمال ارهابية تستهدف المحافظة فأصدرت “جبهة النصرة” يوم الاثنين تاريخ 14/4/2014 بياناً اعلنت فيه تجهيز (2000) مقاتل ليكونوا عوناً وسنداً لمن أسمتهم ثوار السويداء للمباشرة بفتح جبهة للقتال في المحافظة, وفي اليوم التالي أصدرت “النصرة” بياناً آخر هددت فيه بأنها ستبدأ باستهداف المراكز الأمنية والعسكرية في محافظة السويداء, ولم تتأخر “النصرة” بتنفيذ تهديدها, حيث تم استهداف أحد أحياء مدينة السويداء بصاروخ محلي الصنع تم إطلاقه من محافظة درعا.
بقي أن نقول أنه على مدار أكثر من ثلاث سنوات من عمر الأزمة أثبتت السويداء أنها عصية على المؤامرات, وأهلها يملكون من الوعي والبصيرة والوطنية بما يكفي لتحصينهم من دعاة الفتنة والفوضى, وتجعلهم قادرين على نبذ المدسوسين والخونة المتخاذلين كما ينبذ الجسد الميكروبات والفيروسات الضارة, فلم ينجحوا في “تثوير” السويداء, ولم يتراجع أهلها بغالبيتهم الساحقة عن مواقفهم الوطنية ودفاعهم عن الدولة ومؤسساتها ووقوفهم إلى جانب الجيش العربي السوري في التصدي للإرهاب خلف قيادة الرئيس (بشار الأسد).
سيريان تلغراف | ماهر نادر
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)