ألعاب الأطفال والمراهقين .. ثقافة عنف تنخر جيلاً كاملاً برعاية “الكانتر سترايك”
“ماريو” اللعبة التي حركتها أيادي جيل كامل كان همه أن يطعم هذا المخلوق فطراً يزوده بطاقة ٍ تساعده في الوصول لغايته وتخليص الأميرة الحسناء من سجنها في القصر الكبير .
لم يُشهر ماريو النطاط يوماً أي نوع من السلاح بوجه ما صادفه من كائنات غريبة وهو في طريقه لإنقاذ الأميرة الحسناء من شرر التنين وقيوده ولم يعتدي على أحد بسرقة ٍ أو قتل أو نشل بل كان جلً همه الوصول للقصر و تخليص حسنائه من بين نيران الوحش الكبير من خلال أكل الزهور وقذف المخلوقات الغربية والتنين ببراعهما تسهيلاً لغايته .
تكنولوجيا العنف
لم يكن العنف يشغل حيزاً واسعاً ضمن ألعاب “البليستيشن” وبرامج الأطفال ، إلا أن التطورات التكنولوجية جعلت سماء العصر الحالي تتلبد بالتعقيدات والدلالات الوحشية سواء بالنسبة للألعاب الالكترونية أو البرامج التلفزيونية ومشاهد العنف التي امتلأت بها الشاشات السحرية .
إذ يحتل العنف اليوم عرش الألعاب الالكترونية وألعاب الفيديو وبرامج الأطفال،لاسيما أنها اتخذت مكاناً لها في كل بيت لتعزز ثقافة العنف التي زاد انتشارها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ خاصة ً بعد ما شهدته البلاد من أحداث وما عانته من حربٍ طحنت البلاد على رحى ويلاتها، حيث ساهمت الأزمة بزيادة العنف بشكل كبير خاصةً بين أطفالٍ جُسّد القتل والنشل لهم بهيئة لعبة .
كما انتشرت ظاهرة حمل السلاح بين من لم تتجاوز أعمارهم الثامنة عشر بشكل كبير فأصبح السلاح والعنف حل لأي خلاف شخصي مهما كان صغيراً .
ثقافة الاستهلاك
وعن أسباب الانتشار الواسع لهذه البرامج والألعاب يقول الدكتور هيثم علي الأخصائي بالأمراض النفسية أن ثقافة الاستهلاك هي التي تنشر هذا النمط من الألعاب كون الناس تدمن عليها كباقي الإدمانات الأخرى وبالتالي هم يستغلوا حاجاتنا الانسانية للإتجار بها خاصةً مع عدم وجود رقابة عليها وبالتالي يمكن لهم أن يعمموها فهي بالنهاية تجارة تحقق لهم مزيداً من الربح المادي بغض النظر عن الأذى الذي تسببه؛ مضيفاً أن المجتمعات الحريصة على نفسها يجب أن تُقوّم هذا النمط من الألعاب وتعمل على إيجاد البدائل التي تنمّي قدرات الطفل والفرد وتوسّع مخليته لأن ثقافة الاستهلاك تبعدنا عن الحياة الإجتماعية بما فيها من نشاطات تحتاج إلى بيئة اجتماعية منظمة ومجتمعات أكثر تنظيماً وأكثر فهماً لأهمية دور الحياة الاجتماعية والنشاطات في توسيع مخيلة الطفل وحتى البالغ .
القرصنة وغياب الرقابة
لابد أن انتشار العنف بين الألعاب الالكترونية وألعاب الفيديو يعود إلى عدم مراقبة سوق البرمجيات بشكل عام لاسيما أن سوق الأقراص الليزرية لا يخضع سوى لقانون القرصنة والربح غيرالمشروع وهو بعيد كل البعد عن أي رقابة ثقافية أو أخلاقية أو قانونية تحد من انتشار ألعاب العنف وغيرها من البرامج التي تؤثر سلباً في عقول الأطفال.
ولا يخفى على أي شخص إنّ تكنولوجيا الاتصالات قدمت للمجتمعات إيجابيات كثيرة لا يمكن إنكارها ولكنها بالمقابل أرفقتها بجملة من السلبيات التي لابد لكل فرد أن يتجنبها قدر الإمكان إذ إن غالبية الألعاب المنتشرة على شبكة الإنترنت تحمل في طياتها من العنف ما يجعلها تشكل خطراً كبيراً على الأطفال لاسيما في ظل غياب رقابة الأهل عن طقوس لعبٍ يمارسها ابنهم على شبكة عنكبوتيه تنتظر فريسة لاتملك الوعي الكافي في استثمار هذه التقنيات لتوقعها في شباك سلبياتها
ويرى الدكتور “هيثم علي” الأخصائي بالأمراض النفسية أنّ التعود على مثل هذه الألعاب يطبع مخيلة الطفل بالعدوان فيصبح الإعتداء على الآخرين أمراً عادياً وليس له أي قيمة، و ممكن أن يصل إلى إدمان العنف مضيفاً أن العدوان ممكن أن يرافقه الخوف من أن يعتدى علينا وبالتالي نحن نشكل حلقة إما نعتدي أو يُعتدى علينا وذلك يترك فينا شكل من الرضوض النفسية .
ويشير”علي” إلى أن العدوان الذي يترسّخ في ذهن الطفل ومخيلته من خلال هذه الألعاب يؤدي إلى إصابته باضطرابات القلق والتوتروما ينتج عنها من آفات مرضية أخرى وبالتالي لا ينصح بها أبداً، حتى عند الكبار إذ أن الأشخاص الأكثر خوفاً وقلقاً هم أشخاص مدمنون على أفلام العنف.
الهاتف المحمول
كما انتشرت في الوقت الحالي ظاهرة حمل الطفل لأجهزة الاتصال الحديثة “الموبايل” والتي تحوي على الكثير من الألعاب سواء اتصفت بطابع العنف أم لا ،لذا لابد من التدخل السريع للقضاء على هذه الظاهرة التي تساعد في تعزيز ثقافة العنف واعتبار القتل مجرد لعبة بالنسبة للطفل وإن كان لا بد من حمل الطفل “للموبايل” فليكن جهازاً بسيطاً لا يستطيع الاستفادة منه إلا في الاتصال فقط .
تقليد وغيرة
إضافة إلى أن ما يتم ترويجه في الأوساط التي يعيش فيها الأطفال وغيرتهم واهتمامهم بما يفعل أصدقاءهم من خلال أحاديثهم عن ألعابٍ جديدة تثير فضول البعض في ممارسة هذه الألعاب من مبدأ الغيرة.
شغف وتحدي
لا يقتصر تأثير وإدمان ألعاب العنف على الأطفال وحسب إذ أن لعبة “الكانتر سترايك” تمتلك من الشعبية ما يجعلها مرغوبة حتى من قبل من هم في عمر الأربعين، هذا ما قاله أسامة الطالب الجامعي مضيفاً أنه مدمن على لعبة الكانتر منذ ما يقارب السنتين ذلك أنه يمارس طقوسها مع أصدقائه أربع مرات أسبوعيا على الأقل لافتاً بأن اللعبة تقوم على أساس وجود مجموعة تقسم إلى جزأين : الارهابيين الذين يتحصنون في المعمل ، والكونترا أو الشرطة ولهم غرفة عمليات ومقر والهدف القضاء على الإرهابين و تحرير الرهائن وبذلك تصبح لعبة شغف وتحدي ونوع من التسلية حيث أنه يفضل اللعب بها مع أصدقائه على الجلوس في المنزل.
و”الكانتر سترايك” لعبة وليدة ظهرت عام 2003 اشتق اسمها من مجموعة الكونترا وهم أشخاص من المكسيك وبنما والسلفادور دربتهم الولايات المتحدة في أواخر السبعينات ضمن معسكرات سمتها “مدارس الأمريكيتين” بهدف مواجهة المد الشيوعي بأمريكا الوسطى والجنوبية حيث نجحت في نيكاراغوا والسلفادور وكولومبيا وبوليفيا والإكوادور نجاحاً ملفتاً وبذلك كان اختراع اللعبة بمثابة تكريم لهم
الطب النفسي مُغيب
“إنّ الثقافة النفسية هي شكل حضاري من التعاطي مع المسائل بشكل علمي ونحن من المجتمعات المتخلفة كشكل حقيقي كوننا لانهتم بدراسة الظاهرة النفسية بعمق وعلمياً”
هذا ما قاله الأخصائي النفسي الدكتور “هيثم علي” مشيراً إلى أن دور الطب النفسي بتوعية الأهل والمعنيين بنشر ثقافة العنف عبر هذه الألعاب مُغيب كباقي المؤسسات إن لم يكن أكثر،كما أن غياب دور المؤسسات البديلة وعدم تقنينها لمثل هذه الظاهرة والوعي بها ومجابهتها يجعل هذه المؤسسات مشاركة بالدور السلبي لهذه الألعاب ،لافتاً إلى أن المؤسسات النفسية في مجتمعنا نادرة لأننا لم نعطها اهميتها ودورها الحقيقي حتى الموجودة منها شكلية.
ويرى”علي ” أنّه من الضروري تشكيل مؤسسات معنية بزيادة الثقافة النفسية والتوعية بخطورة هذه الظواهر إلى جانب التوعية الذاتية من أجل تأمين حماية ذاتية لنا ولأطفالنا لاسيما أن التطور يجعل البشر أكثر خطورة لذلك لابد أن نطور ذاتنا ونعمل على زيادة المؤسسات التي تعنى بالتربية والثقافة النفسية للوصول لمجتمع أكثر حضارةً وتقدماً .
سيريان تلغراف | بلدنا