في عامه الثالث .. ربيع سوريا يحترق بين نار الحقيقة وبارود يبرود .. بقلم نمير سعد
لطالما تحاشيت في الماضي الحديث عن أرباع الساعة الأخيرة ، أو أعناق الزجاجات ، ليقيني ، سيما في بداية هذه الحرب الغير مسبوقة بأن مشوار الألم طويل جداً ، و طريق الدفاع عن الوطن والمواطن السوريين ، مزروع بكل أنواع الألغام . وماكانت كل الألغام حربية عسكرية ، فبعضها إعتمد تفجير حالة الوعي الجمعي للمجتمع السوري وتحويلها عند البعض منهم إلى حالة من اللاوعي واللاإدراك واللاإنتماء ، فيما كان أخطر الألغام هو ذاك الذي لعبوا من خلاله بكل ما في نفوس الشياطين من دهاءٍ وخبث ، على حبال الدين والطائفية ، فشقوا طريق الإنسان نحو ربه ، ومزقوه لأزقةٍ وزواريب ، و زوروا الكتب المقدسة ، وبدلوا آياتها ، وغيروا أسماء أنبيائها . لكنني اليوم سأردد أصوات اليقين الذي يجول صداه في سماءات الوطن السوري ليعانق ذات الصدى في أرواح الشريحة الأوسع من جموع مواطنيه ، إنه اليقين بالنصر ، النصر الذي يرسل بقصائد مجده كل صباح وكل مساء من جبهات القتال ، جبهات البطولة والعزة . و يقين النصر له أساساته ونقاط إرتكازه التي يوجزها العقل فيما يلي :
عامل الزمن .. يسقط الأقنعة ويكشف العورات .
مقابل ما تخطه أقلامٌ حبرها نفطي أسود أو تكفيريٌ أحمرٌ قانٍ ، مقابل من كانت أقلامهم سكاكيناً وسواطيراً وبنادق ، من كان حبرهم دماءً ورصاص ، الحرب على سوريا في ذكراها الثالثة عنوانٌ لم يكن له ليمر دون أن نعرض له ونكتب عنه فكيف إن رافقته أنباء كتلك التي هلت عينا في الأمس من بين التلال التي تحتضن يبرود . دعونا نكتب اليوم من منطلق حرية الرأي وإستخدام الحق الديمقراطي المقدس الذي تدعو إليه كل الثورات الربيعية وزعماء معارضاتها ، بدءًا بتونس ورئيسها ” المناضل العتيد المنصف المرزوقي ” ، وفيها ما كان يعتقد يوماً أنه البداية ، وصولاً لكييف وملاكمها ” السياسي المعارض المخضرم فيتالي كليتشو ” ، تلك الأرض التي لن يكون لها أن تكون النهاية ، فلا زال ربيع يأمل في زياراتٍ لغير أوطان يحط فيها جحيمه .. لكنه لن يستلم تذاكر السفر بهيئته و أقنعته القديمة المعهودة التي باتت مقروءة للجميع ، عدا الجاهل ، ولا نقصد هنا الأمي ، فأولئك بعضهم أكثر علماً من بعض من يفترض أنهم مثقفون ، هذا ما تنبأ به حقيقة الواقع على الأرض السورية . على ربيع إنجاز المهمة الأصعب والأعقد ، بل عليه تحقيق المحال من المهام ، المهمة التي أسقطت أقنعته ، وكشفت عوراته ، وأعيته ومعه ذلك الجمع الغفير من المستثمرين في أسواقه وبورصته ، إنها المهمة التي باتت هاجس ذلك الجمع ولسان حالهم يقول .. هي حقاً مستحيلة . مروراً بكل عتاولة المعارضة السورية التي لا تتيح نافذةٌ في جدار مقالة للخوض في أسمائهم و مواقفهم وإنتماءاتهم و ولاءاتهم ، على إختلاف مشاربهم و أصولهم وجذورهم ، وبعيداً عن أحماضهم النووية وزمر دمائهم ، التي يتندر السوريون هذه الأيام بحكاياها التي تختلف في أشياء عديدة لكنها تتفق وتتواءم ساعة تتناول اللغة .. نجمةً للملك داؤود ، أو عباءةً لقاتلٍ مأجور في منصب أمير ، أو خرفٍ معتوه في منصب مليك .. .
لو قيض للوحش الذي غزا سوريا بهيئة ربيع أن يلتهم ويبتلع ما كان مخطط له من العقول والحقائق والمشيئات السورية ضمن دائرة الزمن المأمول ، لكان حالنا اليوم غير حال . لو قدر للأقنعة أن تتشبث أكثر بالوجوه لكانت أعداد من اصطلح على تسميتهم بالرماديين أضعافاً مضاعفة . لكن الشمس كما يقال لا تحجب بغربال ، و الحق يعلو ولا يعلى عليه ، وسماوات العقول مهما تلبدت بالغيوم ، داكنةً كانت أم رمادية ، فإن مصير معظمها وموعدهم القدري الحتمي لقاءاتٌ تجمعها بصفاء ونقاء ودفء شمس الحقيقة . الآلاف ممن غرر بهم بحق ، تبينوا عبر رحلة الزمن مع الحرب على سوريا أن ما أشيع وأذيع ونشر عن الشرارة ، عن ثورة الأظافر الطرية المخلوعة كان وهماً، وأن ما تلاها من أنباءٍ ملفقة كان سراباً ، وما رافق السراب من ” المعلومات ” كان خديعةً كبرى ، وكان مؤامرةً على الوطن السوري من خلال استهداف عقول ومشاعر أهله . وما تسارع وتيرة تسليم مجموعات عديدة من المسلحين لأسلحتهم وتسوية أوضاعهم في إطار “المصالحات الوطنية “، سوى دليل على صحة هكذا رأي – رغم أن بعضهم يفعل مجبراً لا مخيراً ، كنتيجة للحصار المحكم للجيش السوري لمعاقلهم ، إلا أن لهذه ” المصالحات ” أثرها ودورها في تفعيل وتسريع لحظة النصر ، وهذا شأنٌ لم يكن الحديث عنه يوماً من قبيل الدعاية الإعلامية وتحفيز كائنات جدد للإنضمام لقافلة المصالحة مع الوطن .. وحسب . ولكنه كان ولا يزال سياسة صادقة متسامحة تنتهجها القيادة السورية لإنقاذ حاضر ومستقبل الوطن والمواطن . سنواتٌ ثلاث شهد الكون خلالها أطول كسوفٍ لشمس الحقيقة . كان مركزه ومحوره ما يدور في الوطن السوري ، نستطيع اليوم ” بثقة العارفين بالشأن الفلكي ” أن نقول أن شمس الحقيقة باتت تدفئ عقول الغالبية الساحقة من السوريين ، تشاركهم أعدادٌ هي في تزايد يومي من غير السوريين ، لكن ذات الدفء يتحول إلى خيوطٍ من نار ، باتت تحرق عقول أصحاب وصناع ربيع ، لتكتوي رجاآتهم وآمالهم بالخيبة تلو الخيبة ، الخيبات التي تكفل بها صمود هذا الشعب ، وبطولات بواسل جنده ومن آزرهم من المقاومين .. فتحريرٌ هنا في الأمس ، وتعقيمٌ هناك اليوم ، ونصرٌ لا يستثني من رقعة الوطن .. لا هنا و لا هناك ، غداً …
يبرود .. هدية الجيش للوطن في عام صموده الثالث .
كان مدعاةً للفخر دون شك على مدار السنوات الثلاث الماضية ، إلتقاء الأنباء والأخبار والصور والمشاهد والفيديوهات الوافدة من جبهات القتال .. واجتماعها تحت عناوين واضحة لا تقبل التشكيك ، عن الإنجازات المتعاقبة للجيش السوري ، التي بات يعانق بعضها بعضاً وتهب الأرض وساكنيها هداياها جمعاً ، وليس فرادى ، من كل الإتجاهات والجبهات ، فصمود رجال لله في كل بقاع الوطن وبطولاتهم وإنجازاتهم هي دليلٌ إلهي قطعي أن الوطن بصمود شعبه وهمم أبطاله قد وضع قدميه على طريق النصر ، الطريق الذي يمتد ويتشعب مبحراً في مساحات خارطة الوطن جميعها ، الطريق الذي كانت إستراحة سفر المحارب فيه في الأمس في يبرود . يبرود التي كانت محور اجتماعات ولقاءات وقراءات وإهتمامات الخبراء العسكريين والاستراتيجيين ، وكبار ضباط مخابرات حلف العدوان ، هنيئاً لك يبرود ، فجيش هذا الوطن جعل من اسمك باروداً تفجر ، باروداً أحرق ومزق تفجيره الكثير من الخرائط والخطط العسكرية والإستخبارية في عديد العواصم الغربية والصهيوأعرابية . وكما لن ينس يوماً كل من رحل من الأعداء ، أصلاء أو وكلاء أو أجراء “معركة القصير ” ، لن يكون بمقدور من تبقى من ذات الفريق أن ينس يوماً عطر البارود في يبرود .. .
النصر الماحق الساحق الذي تحقق بسواعد أبطال الجيش السوري ومقاومي حزب الله سبقته لا شك مجهودات عسكرية إستخباراتية في غاية الدقة كان هدفها الأول الإقلال ما أمكن من حجم الخسائر البشرية ، والدمار الذي سيصيب البنى الإقتصادية العمرانية والخدماتية في البلدة ، وإلا لكان من السهل التركيز على نيل المبتغى والوصول للهدف عن طريق القصف الجوي والمدفعي والصاروخي حتى حرث أرض المعركة بحيث لا تبقى بذرةٌ لجهادي تكفيري صهيوأعرابي في أرض القلمون . تؤكد عديد المصادر العسكرية “وبعضها من معسكر العدو “، إن بنكاً واسعاً للمعلومات سهل لأبطال الميدان تحقيق إصابات مباشرة ودقيقة في مراكز التحكم والقيادة لقطعان الإرهاب ، وأن بواسل مشاة الجيش بادروا لمحاصرة وإقتحام أبنيةً بعينها ، توجهوا إليها بتوقيت واحد من محاور عدة ، وإن إنهياراً سريعاً أصاب العصابات الإرهابية ما أدى إلى تشتيت قطعانها ، وتناثر أشلائها ، وتبعثر مكوناتها الجرثومية ، التي يفترض أن جموعاً منها قد توجهت نحو الأراضي اللبنانية عن طريق عرسال ، هاربةً من الموت الزؤام . بإضافة يبرود إلى قائمة المناطق المحررة من رجس الإرهاب التكفيري تمضي القيادة السورية في إستكمال هدفها الحيوي في تأمين طريق دمشق مع حمص والساحل السوري ، ويكون الجيش السوري قد بسط سيطرته على معظم مساحة القلمون وأجبر حدوده مع لبنان على الحياد ما خلا بعض الجيوب التي لا زالت تنتظر دورها ، والتي يرجح أن مئات الإرهابيين قد عبروها بإتجاه معاقل القاعدة في عرسال وجرودها ، فيما فر آخرون بإتجاه رنكوس وقرية فليطة . أقول أخيراً لمن قد يستخف بمعركة يبرود .. إقرأ صحافة العدو الغربي والأعرابي ، لربما تصلك حينها رمزية وأهمية هذه المعركة ونتائجها في المدى المنظور والبعيد . هو إنجازٌ يضاف وساماً على صدور بواسل الجيش السوري ومن شاركهم من أبطال حزب الله .. هنيئاً لهم بأوسمتهم وهنيئاً لسوريا وشعبها بهم .. .
ماذا يقول حال الوطن وساكنيه اليوم ؟
سنواتٌ ثلاث كانت من عمر الزمان لكنها أبداً لم تك أبداً من عمر ” الإنسانية ” مضت كأنها ثلاثة عصورٍ أو دهور ، تفاصيل مآسيها وسواد مشاهدها وفجائعية آثارها تواجه كل لغات الكون بتحدٍ وقح وتصرخ.. هل ثمة من يجرؤ على منازلتي؟ ، ثلاث سنواتٍ كانت غاية و هدف من كان يشد حبال أيامها ويطوي صفحات كتانها الأسود ليدس في أسفله صفحاتٍ إضافية ، ويزيد عتمة لياليها عتمة ، ويسقيها من الكؤوس مرها ، ويحقن شرايينها من أنواع الجنون ما لم تعرفه تصنيفات وقوائم الجنون ، كانت غايته وهدفه تدمير الوطن السوري ، وطنٌ يخاطب أرواح أحبابه ، من فارقوه في سبيله ومن لا زالوا في دمائه سابحين ، على عتبات قداسته مرابطين قائلاً : قد تكون الغزوة الأغرب والأعجب ، قد لا تشابهها في مستقبل الكون أخريات ، من حيث أعداد فريق الغزاة ، ووحشيتهم وحيوانيتهم وقذارتهم ودمويتهم ، ومن حيث أعداد الشياطين التي سكنتهم جميعاً ، لكن العبرة في الخواتم والنهايات . هو وطنٌ يهب الحق للسوري أن يردد بألمٍ وفخر في آن ،، أنا من ترابٍ يحارب شياطين الأرض والسماء وما بينهما .. أنا من وطنٍ أفخر ويفخر أن كلانا يهمس للآخر على مر ثواني الكرامة من عمري القصير وعمره الأزلي .. لن يكون لهم ما أرادوا يا صديقي .. لن يعرفوا هنا غير طعم الهزائم التي ذاقها أسلافهم .. وليسألوا التاريخ عنا .. يجيبهم .
سيريان تلغراف | نمير سعد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)