السفير : إسرائيل وغارة لبنان .. خروج عن سياسة “هامش الإنكار”
أكد مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لمجلة «التايم» الاميركية، امس، أن إسرائيل هي من نفّذ الهجوم على قافلة كانت تحمل صواريخ أرض ــ أرض على الحدود اللبنانية السورية.
وبحسب المجلة، فإن الغارة تمت في الساعة العاشرة والنصف ليل امس الاول، وهي الغارة السابعة التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي منذ بداية الحرب في سوريا في العام 2011.
وأوضحت الصحيفة أن الهجوم يشكل جزءاً من السياسة الإسرائيلية القاضية بعدم السماح للنظام السوري بنقل أسلحة متطورة الى «حزب الله». وحسب المسؤول الإسرائيلي فإن الصواريخ المرسلة تحمل رؤوسا حربية أضخم وأخطر من معظم الصواريخ التي يوجهها الحزب ضد إسرائيل.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو رفض تأكيد أو نفي الأنباء حول الغارات الجوية على أهداف تابعة لـ«حزب الله» قرب الحدود مع سوريا، لكنه شدّد على «أننا نفعل كل ما ينبغي لحماية مواطنينا». وتجنب المسؤولون الإسرائيليون عموما أي إشارات يمكن أن تفسر كتأكيد أو نفي للأنباء حول الغارات، في التزام لم يسبق له مثيل بسياسة «هامش الإنكار».
وفي مؤتمر صحافي عقده مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ردّ نتنياهو على سؤال مباشر حول الغارات الجوية على أهداف للحزب في البقاع قرب الحدود مع سوريا بالقول «سياستنا واضحة. لن نتحدث عما يزعمون أننا فعلناه أو لم نفعله، لكننا نبذل كل ما ينبغي لحماية مواطنينا».
ويمكن القول إن السياسة التي تحدّث عنها نتنياهو واضحة لجهة وغامضة لجهة أخرى. ويكمن وضوحها في تكرار إسرائيل ما تعتبره خطوطا حمراء، وتتمثل في انتقال أسلحة «كاسرة للتوازن» مثل صواريخ متطورة مضادة للطائرات أو صواريخ مضادة للسفن أو صواريخ أرض – أرض بعيدة المدى.
غير أن الغموض يكمن في عدم الإعلان عن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضمن هذه السياسة، لا في سوريا ولا في لبنان، ولا حتى في أماكن أخرى. وترمي هذه السياسة التي باتت تسمى «هامش الإنكار» لعدم إحراج الخصم ودفعه للرد بشكل مباشر الأمر الذي يقود بالضرورة إلى تصعيد.
وبحسب صحيفة «هآرتس» فإن جهات استخباراية إسرائيلية وغربية تؤمن أنه ما تم الحفاظ على «هامش الإنكار» فإن بوسع سوريا مواصلة كبح نفسها وعدم الرد على الغارات. ورأت أنه حتى الآن، يبدو أن «حزب الله» أيضا ينتهج سياسة مشابهة للسياسة السورية.
ولحسابات كثيرة كان الجيش الإسرائيلي يعمد إلى تجنب المساس بالحزب مباشرة في لبنان، لإدراكه أن حسابات «حزب الله» ليست كحسابات الدول التي لديها الكثير لتخسره. وتعتبر الغارات على البقاع اللبناني نوعا من المقامرة شبه المكشوفة من جانب إسرائيل، لكن ربما أن الإيمان بأن «حزب الله» بات اليوم جزءا من منظومة أوسع، تضم أيضا إيران وسوريا، شجع أكثر على هذه الغارات. وبحسب التحليلات الإسرائيلية فإن «حزب الله» في وضع مواجهة معقد، سواء في سوريا أو لبنان، ولذلك فإنه لن يغامر بالتورط أيضا في مواجهة مع إسرائيل.
وبالعموم فإن الصحافة الإسرائيلية نقلت الأنباء التي نشرتها وسائل الإعلام العربية واللبنانية عن الغارة التي احتلت العناوين الرئيسية للصحف. فقد عنونت «يديعوت احرونوت» صفحتها الأولى بـ«بعد يوم من تحذير رئيس الأركان من «الشعلات لمهووسي إشعال النيران» ـ الجيش الإسرائيلي يهاجم في لبنان، و«هجوم في لبنان» ـ سلاح الجو يهاجم إرسالية صواريخ.
أما «معاريف» فاكتفت بـ«تقرير: سلاح الجو قصف منشآت حزب الله على حدود سوريا» و«تقرير في لبنان: طائرات إسرائيلية قصفت أمس (الأول) مخزن سلاح متطور لحزب الله». واختارت «هآرتس» لنفسها عنوان «طائرات الجيش الإسرائيلي تهاجم الحدود مع سوريا»، في حين اكتفت «إسرائيل اليوم»، المقرّبة من حكومة نتنياهو، بـ«سلاح الجو يهاجم أهدافا لحزب الله».
وكانت الصحف الإسرائيلية قد استذكرت أقوال رئيس الأركان الجنرال بني غانتس قبل يوم واحد من الغارات حينما حذّر ممن وصفهم بـ«حملة شعلات مهووسي إشعال النيران». وقال غانتس «اننا نراقب سيرورات نقل والوسائل القتالية في كل محاور القتال. وهذا أمر غير جيد البتة، لكنه أمر بالغ الحساسية، ومن حين إلى آخر، حينما تبرز الضرورة، يمكن لأحداث أن تقع».
وأشار إلى ما اعتبره تدخلات إيرانية في الشرق الأوسط، قائلا «تحت هذا الهدوء هناك عاصفة يومية. ليس هناك محور لا تتدخل فيه إيران، وهي توزع المشاعل لمهووسي إشعال النيران، مع ذخائر، وصواريخ، وتدخلات في القتال. وفي كل واحد من المحاور نعيش نحن في توتر. بودي القول: هدوء، لكنه متوتر بشكل يومي».
ونقلت «هآرتس» عن قائد قاعدة حيفا البحرية الاميرال ايلي شارفيت ان «حزب الله لم يكف لحظة واحدة عن محاولة وضع اليد على اسلحة هجومية وعلينا ان نأخذ هذا الامر في الاعتبار». واضاف «نحن مستعدون».
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد تحدثت مؤخرا عن نجاح «حزب الله» في نقل مكونات مهمة من منظومات صواريخ بعيدة المدى وصواريخ بحرية إلى لبنان. وقد جرى الحديث في الغارات السابقة، التي كانت تتم داخل الأراضي السورية، عن استهداف منظومات دفاع جوي من طراز «سام 17» وصواريخ أرض – أرض متوسطة من طراز «فاتح 110» وحتى صواريخ بحرية متطورة. وتؤمن إسرائيل بأن «حزب الله» له مداخل شبه مفتوحة تماما إلى كل مخازن وترسانة السلاح السورية، وأن دوره إلى جانب النظام السوري زاد هذه المداخل اتساعا.
وأشار المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل إلى أن سوريا و«حزب الله» تجنبا حتى اليوم الرد على الغارات التي نسبت لإسرائيل في سوريا، رغم اتهامات مباشرة لها من جانب الرئيس السوري بشار الأسد العام الماضي بتنفيذها. وكتب أن سوريا ألمحت إلى احتمال فتح جبهة صراع ضد إسرائيل في هضبة الجولان المحتلة، لكنها لم ترد «من منطلق الخشية من أن يقود صراع مباشر مع الجيش الإسرائيلي إلى هزيمة، الأمر الذي يسمح للمعارضة السورية بالانتصار في الحرب الأهلية».
وقال المعلق العسكري في القناة العاشرة الإسرائيلية إن إسرائيل ليست في حالة استعداد خاصة، بعد تقرير في لبنان عن مهاجمة قاعدة صواريخ في جنتا. وأضاف «مقارنة بصور جوية للمنطقة يظهر فعلا إضافة ملاجئ على الأرض في العام 2012 مقارنة بالعام 2010، الأمر الذي يعزز التقدير بأن الشحنة كانت معدة للتخزين داخل هذه الملاجئ. ويمكن التقدير أن العملية هي ثمرة التحذير الذي وجهته إسرائيل في السابق لحزب الله بأن يكف عن التسلح أو أنه سيتلقى الضربة».
لكن مراسل الشؤون العربية في القناة قال إن «حزب الله يحاول تجاهل الموضوع، و(قناة) المنار استهلت نشرتها بالحديث عن حالة الطٌقس». وتحدث عن أن «حزب الله سيطر على الحدود مع سوريا الأمر الذي يسمح له بإدخال قوات إلى سوريا، وأيضا تمرير شحنات سلاح، وأن إسرائيل قالت سوف نهاجم إذا رسختم أقدامكم، فهذه مسألة إستراتيجية. وها قد جاء الهجوم. والهجوم في منطقة كهذه يغذي المعارضة (السورية) ويدعمها ويقود إلى المزيد من العمليات في الضاحية. ومن الجائز أن حزب الله أصبح حاليا يخسر الكثير من النقاط ويمكن القول أن إسرائيل تساعد المتمردين».
وقال مصدر عسكري لبناني، لوكالة «فرانس برس»، إن الغارات وقعت «على الأرجح داخل الأراضي اللبنانية»، مشيرا إلى أن «الحدود في تلك المنطقة غير واضحة»، ما يصعب مهمة تحديد ما إذا كان القصف في الجانب اللبناني أو السوري.
وكان الجيش اللبناني أعلن، في بيان، «خرقت أربع طائرات حربية تابعة للعدو الإسرائيلي الأجواء اللبنانية من فوق البحر غرب شكا باتجاه الشرق وصولاً حتى منطقتي بعلبك والهرمل» في شرق البلاد، قبل أن تغادر «من فوق البحر مقابل بلدة الناقورة».
سيريان تلغراف