عسكريا لم يخل الصراع في سوريا من خدع تقليدية، شارك فيها الإعلام وخلفه الكثير من السياسيين والناطقين، لتحويل الأنظار عن أمر خدمة لأمر آخر.
وبما أن «الكذب» في الحرب ليس محرما، بل محبذ، استخدم الطرفان في المعركة المستمرة منذ ثلاثة أعوام تكتيك حرف الأنظار أكثر من مرة، وخادعا ونجحا في كثير من الأحوال به. والحديث الآن عن «غزوة» جديدة لدمشق، عبر الجبهة الجنوبية، يثير مخاوف بأن ما يتم التحضير له قد يكون في سبيل المراوغة العسكرية والاستخباراتية على الأقل، وأن الهدف هو الاستحواذ على منطقة أخرى، أو أن تكون بوابة الهجوم مختلفة عن المروج لها.
ووفقا لعدة متابعين للشأن الميداني في دمشق، تحدثت إليهم صحيفة «السفير» اللبنانية، فإن احتمال أن تكون الجبهة الجنوبية محاولة تمويه عن جبهة أخرى «أمر وارد، بل مأخوذ في الحسبان»، خصوصا في ضوء حجم الضجيج الإعلامي المترافق مع هذا الحشد، بما يخالف دوما قواعد العمل العسكري.
ويذكّر مصدر بمعارك عديدة استخدم فيها هذا الأسلوب، بينها القصير حين كانت الاستعدادات «إعلاميا» تروج لمعركة حلب الكبرى، وفي ريف حلب حين كان الحديث يجري عن حمص، و«عاصفة الشمال» بينما كانت الاستعدادات الفعلية للجيش تهدف إلى اقتحام حمص، وحالة أخرى شبيهة للاستعداد باتجاه الغوطة الشرقية ودرعا حين كان الهجوم يعد باتجاه أماكن تمركز المقاتلين في ريف اللاذقية.
ولم يقتصر التكتيك على الجيش السوري، بل استخدمته المعارضة بقواها المختلفة، وتوعدت الجيش في مكان، وهاجمت في مكان آخر، ولا سيما حين غزت قرى ريف اللاذقية صيف العام الماضي في معركة قصيرة خلفت 900 قتيل ومفقود، وأيضا كما جرى في الاستعداد لـ«غزوة» دمشق الأولى حين هوجمت مراكز وثكنات عسكرية في جنوب سوريا وريف حلب الشرقي.
ورغم أن أكثر من مصدر مسؤول أكد، لـ«السفير»، في الأيام السابقة أن دمشق تتوقع تصعيدا، لكن مع انتفاء اليقين بوجهة التصعيد المحتملة ورفض القبول بما يروجه الإعلام بطرق مختلفة على أنه بات محسوما، والمقصود جبهة الجنوب، انطلاقا من حوران وبدءا من الأردن.
وخلافا لما تبدو عليه صورة الواقع الميداني في سوريا، فإن ثمة جبهات عديدة قابلة للاشتعال بقوة، وإن بصورة قد لا تخلق بالضرورة واقعا جديدا. وتركز وسائل الإعلام على كلام وتقديرات المحللين بـ«وجود» خط الغزو المفتوح عبر سهل حوران باتجاه غوطة دمشق لمسافة لا تزيد على 90 كيلومترا. في الوقت ذاته، يبدو المشهد في القسم الممتد بين جوبر وحرستا ودوما في الغوطة الشرقية بذات الخطورة، خصوصا في ظل الحشد السكاني الذي يضمه، والعمق الاستراتيجي الموجود في بساتين تلك المنطقة، وأحيانا القدرة على الاتصال عبر البادية السورية بمناطق أخرى، مع الإشارة إلى أن قسما كبيرا من القوات المنظمة في تلك المنطقة تتبع لقيادة واحدة ونفوذ «الجبهة الإسلامية».
وفي عمق البلاد تظل منطقة ريف حماه نقطة تجمع للمسلحين، وخط إمداد بين حمص وحلب، مرورا بعمق البادية أيضا باتجاه دير الزور وإدلب. وثمة تقدير ثابت ما زال، بأن الشمال الشرقي ممزق بالاقتتال الداخلي بين الفصائل الإسلامية والمجموعات المختلفة، وقدرته على الحشد تبقى محدودة، ومصبوغة بتأثير التنظيمات «الجهادية»، في الوقت الذي تركز فيه القوى الإقليمية المحركة للفصائل المسلحة على «الصورة المعتدلة للجيش الحر». كما يمثل خط القنيطرة خطا محتملا للتحرك، كونه يضيق قدرة الطيران العسكري على التحليق بسبب قربه من خط النار السوري ــ الإسرائيلي، ولأنه فعليا يقلص المسافة باتجاه دمشق عن تلك المرتقبة من درعا.
ويعتقد متابعون ميدانيون في دمشق أن تعيين عبد الإله البشير، مؤشر على عاملي التكتيك المخادع من جهة، وإمكان استبدال جبهة درعا بجبهة الجولان الأكثر صعوبة.
وفي حال صدقت التوقعات مع هذا التقييم، سيكون على الجيش السوري أن يخوض معركة معقدة التركيب، مع فصائل تضم قوميات مختلفة، وتحارب بدعم إقليمي ــ دولي، بإسناد لوجستي من إسرائيل العدو التاريخي لسوريا، بدأ بالمستشفيات منذ عام تقريبا، وغير معروف أين ستقف حدوده. أما في حال صدقت الشائعات بحرب تشن من الجنوب، فإن معركة الجيش تستمر في مواجهة ذات العدو المركب، لكن انطلاقا من خط الإسناد الأردني، والأخير أيضا لم تنظر إليه الحكومة السورية يوما باعتباره حليفا إقليميا.
وكان لافتا ما كتبه السفير السوري في الأردن بهجت سليمان عن الضجة الإعلامية الأخيرة، مستخدما المثل الشامي «العرس في دوما والطبل في حرستا». واعتبر اللواء السابق في جهاز الأمن الداخلي السوري أن ما يجري حاليا «هو التخطيط لإقامة حزام أمني على طول الحدود السورية ــ الإسرائيلية»، يُشارك في إقامته «العمّ سام» وأذنابه وبيادقه، بعد فشل «الثورة السورية» وأن غرض هذا «الحزام هو حماية إسرائيل لا غزو دمشق في مهمة مستحيلة التنفيذ».
سيريان تلغراف | زياد حيدر – صحيفة “السفير” اللبنانية