مقالات وآراء
العقيد معمر القذافي “5” .. بقلم برهان إبراهيم كريم
يقولون: بأن نرجسية القذافي دفعته ليردد: شعبي يحبني, وأنه مستعد لأن يموتوا دفاعاً عني.
ويعتبرون أن نرجسيته هي واحدة من أخطائه. وأن من أخطائه التي تسببت بإسقاطه هي:
- إعلانه جهاراً بأنه يقف حجر عثرة في وجه تسلم الإسلاميين السلطة في بلاده.وأنه ساهم بحماية أوروبا من موجات الهجرة الغير شرعية إليها. وبأنه يخوض حرباً ضد تنظيم القاعدة الذي يقود القلاقل في ليبيا. والنظام الجديد في صراع مرير ودموي مع العلمانيين وبين التنظيمات الاسلامية. وأنه حول ليبيا إلى معتقل كبير لسجن وتعذيب كل من تسول له نفسه عبور ليبيا للهرب منها إلى دول أوروبا وأميركا.
- وأن انتقاد الرئيس بوتين قرار الأمم المتحدة الذي سمح بعمل عسكري ضد ليبيا, حين قال: نص القرار تعتريه العيوب. وبالنسبة إليه فإن القرار يشبه دعوة من العصور الوسطى للقيام بحملة صليبية,يطلب فيها شخص من شخص آخر الذهاب إلى منطقة معينة وتحرير شخص ما, هو من شجع القذافي على القول بأن بلاده تتعرض لحرب صليبية جديدة. والنظام الجديد يخوض حروب طائفية ومذهبية وقبلية وفئوية.
- استسلام القذافي المذل للإدارة الأميركية. والذي فهم على أنه بات مقتنع بمشروع الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي أعتمد فيه نظرية القوة لتحقيق حلمه بإقامة إمبراطورية أمريكية. والمضحك أن النظام الجديد في ليبيا ينصاع بذل ما بعده ذل لواشنطن وباريس ولندن, وحتى أن بان كي مون بات الحكم بين النظام والعسكر.
- والدفع قدماً إلى الإمام من قبل القذافي بمعادلة ليبيا أولاً ,بعد تخليه عن البعد القومي, وقطع علاقاته بالصراع العربي الصهيوني. والنظام الجديد وفر لواشنطن وعواصم أوروبية لفرض وصايتهم على ليبيا, وتحويلها إلى دولة تعج بالشركات الأجنبية لتنافس دبي.بحيث تستوعب أكثر من مليون عامل أجنبي. وذلك باستخدام الأرصدة الليبية في بناء ما دمر إبان الثورة وبناء ناطحات سحاب. حيث أن دخل ليبيا السنوي من النفط بحدود 50 مليار دولار. وبالمقارنة مع مساحتها الكبيرة وعدد سكانها الذين لا يتجاوز 5 مليون, يجعل ليبيا قوة مالية قادرة على دعم اليورو في السوق الأوروبية المشتركة. وكذلك دعم الدولار الذي يتعرض لهزات كبرى ومريرة. كما أن النظام الجديد تخلى عن كل الأبعاد العربية والقومية والأفريقية دفعة واحدة.
- عدم انتباه القذافي بأن بطانته ضمت حاشية فاسدة ومنافقة. فبعض وزرائه ممن يحملون شهادة في الاقتصاد زاوجوا بين السلطة والمال. وأرهقوا المواطنين الليبيين بالضرائب والرسوم لتحصيل نسب منها كي يملئوا جيوبهم بها على أنها مكافآت يجيزها القانون لهم.وآخرون ظنوا أنهم يكسبون قلب القذافي بزيادة واردات الخزينة من الضرائب, لأنهم زيادة هذه الواردات بنظرهم تطلق يديه وتسره. والنظام الليبي الجديد تعامل مع كل هؤلاء ومنحهم الشرعية والمنصب والسلطة. وبات المواطن الليبي يتلظى بنيران الفساد وارتفاع الأسعار, وحتى فقدانه الأمن والأمان والطمأنينة.
- عدم انتباه القذافي لخطط بعض أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية, بتجنيد بعض وزرائه ومعاونيه عملاء يعملون لخدمة المصالح الأميركية والأوروبية. وتحول هؤلاء إلى ثلة منافقين عواطفهم الكاذبة مع القذافي, وسيوفهم تزود دفاعاً عن مصالح دول هذه الأجهزة الأستخباراتيه. حتى أن أحد هؤلاء طالب بتجويد الكتاب الأخضر عند قراءته كي يكون أقرب إلى قلب القذافي. والمضحك ان هؤلاء هم من يتصدرون المشهد في النظام الليبي الجديد, وهم من يتصارعون على الاستئثار بالسلطة.
- والوثائق التي سربها موقع ويكيليكس.وفيها أن القذافي يملك ثروة تقدر بمبلغ 131 مليار دولار. وهذه الوثائق لم يتم توثيقها من قبل المصارف والبنوك , فبقيت وثائق غير ممهورة بخاتم رسمي. والحكام الجدد في ليبيا يتهمون بعضهم بعضاً بنهب وسرقة الأموال العامة والخاصة, وحسابات بعضهم باتت مكتنزة بالملايين خلال فترة قصيرة.
- ودعم القذافي لجون قرنق في السودان أغضب العرب. والذي كان من نتيجته تقسيم السودان. والسودان بات أسوأ حالاً بعد غياب القذافي عن الحياة والمشهد.
- وسماح القذافي بدخول آلاف العرب والأفارقة للعمل في ليبيا. بهدف استثماره في الضغط والتأثير على حكوماتهم كي تنصاع لنزواته, وإلا فإنه سوف يطردهم, كان له الأثر في كراهية بعضهم للقذافي. وفي ظل النظام الجديد باتت ليبيا محشراً لكل من تجنده الشركات الأجنبية والتنظيمات الليبية, وبات عددهم يفوق عدد سكان ليبيا.
- وكان القذافي لا يحترم سوى من يأخذ برأيه في كل أمر. وكان لديه حساسية تجاه الماركسيين.وكان يعتبر أن حواتمة أردني وليس بفلسطيني,وأن حواتمة وجورج حبش من الملحدين. وتحولت ليبيا في ظل النظام الجديد إلى ساحة حرب بين العلمانيين والاسلاميين وحتى بين الاسلاميين أنفسهم, وحتى بين القبائل والعشائر الليبية. حنى أن الأوروبيين متخوفون من أن تتحول ليبيا إلى ساحة حرب أهلية تهدد بطن اوروبا وأمن البحر الأبيض المتوسط, فتقذف بهجرات كبيرة من الحشود البشرية إلى أوروبا.
- ويتهمه معارضوه بأنه يهوى الدس والتحريض والنميمة. ففي زيارته لبغداد يحرض كل من أحمد حسن البكر على صدام حسين, وحرض صدام على البكر خلال لقائه مع كل منهما على انفراد. والحكام الجدد يمارسون الدس والتحريض بشكل أكثر.
- وكانت أحاديثه ونظراته وتصرفاته في الاجتماعات مع الرؤساء والملوك غريبة. ويطرح مواضيع مملة, وهدفه منها خطف وإبهار الأنظار والحواس إليه وإلى ما يقوله وإلى مواقفه. حتى انه في زيارته لجدة من أجل العمرة .وخلال اجتماع حضره الملك فيصل راح يشن هجوماً على مصر والفراعنة,ثم راح يتحدث عن محمد علي باشا وأبنه إبراهيم والحملات القديمة.وقال بأن جمال عبد الناصر حاول أخذ اليمن.حينها نهض الملك فيصل رحمه الله وأعتذر منه بلباقة وقال: أنا رجل كبير السن وأتناول أدوية ,ولا أستطيع احتمال اجتماعات طويلة .سنتركك مع أمثالك من الشباب. والحكام الجدد بات حجهم وعمراتهم محصورة بلندن وباريس وروما وواشنطن والدوحة. ويشنون هجوماً مريرة على العرب والعروبة ويطاردون كل مسلم بذنوب شتى.
- وغرابة الأزياء التي كان يرتديها في المناسبات والاجتماعات.كي يحتل قلب المشهد وواجهاته كاملة. وأزياء واحاديث وتصرفات وعطور الحكام الجدد أكثر غرابة.
- ويقال بأن القذافي في ظرفان لا يعود فيهما عقلانياً تماماً: عندما ينجح فيغدوا استفزازياً ومتفخماً, وحين يفشل يميل لخلق الأزمات. وذلك لنرجسيته الشديدة وغروره ونزعة الغضب المتأصلة فيه. والحكام الجدد غير عقلانيين في أي مشهد.
- وإصراره على أن ترافقه خيمته في رحلاته رغم تكاليف نقلها.وكأنه يريد خطف الأنظار,وإبهار الناس بعظمته في كل مكان. ومستعرضاً بسادية المنتقم تَفّوق البداوة وبساطتها على فنون التحضر والتمدن. والحكام الجدد تسيطر على عقولهم صراع البدو والحضر, وصراع موروثات التخلف وصراع المدينة والقرية والواحة.
- وتقصده في المناسبات السياسية والإعلامية المشي باختيال,ولجوئه للمشاكسة والاستفزاز.وخير مثال.مداخلته في القمة العربية الحادية والعشرين في الدوحة. حين قال: أنا قائد أممي. أنا عميد الحكام العرب, وملك ملوك أفريقيا, وإمام لمسلمين. مكانتي لا تسمح لي بان أتنازل لمستوى آخر وشكراً. والحكام الجدد في ليبيا يختال عليهم حكام قطر, ويستفزون بعضهم البعض ويختالون على بعضهم بشكل أكبر.
- ومتحف طرابلس لم يسلم من نرجسية القذافي. وذلك حين ضم إلى كنوزه الأثرية, أول سيارة ركبها, وأول لباس لبسه, وأول حذاء انتعله, وغيرهم من الأشياء الأخرى والتي لا قيمة لها. والحكام الجدد اضافوا لمقتنيات المتحف الأسلحة والاعتدة الفرنسية والبريطانية والامريكية والقطرية والسواطير التي قتل بها عشرات الألوف من الليبيين.
- وأن معارضوه يعتبرونه أسوأ الأصالة الممزوجة بأسوأ الحداثة. وهو خلاصة أسوأ ما في الوعي القومي والإمبراطوري والدولتي. وأسوأ ما في الوعي القبلي.وأسوأ ما في الوعي الفكري والثقافي. والحكام الجدد هم أسوأ الحداثة والأصالة, وأسوا فكراً وثقافة.
- ويقول عنه رفاقه: أنه منذ كان على مقاعد الدراسة التكميلية في سبها والدراسة الثانوية في مصراته,كان يهدس معهم بنبوءة وصوله إلى مقاليد الحكم محل الملك إدريس السنوسي.وكان زملائه يمازحونه تهكماً على حال اللعب بين تلاميذ المدارس.ولكنه كان يحفظ أسمائهم عن ظهر قلب.وعندما وصل إلى السلطة أنتقم منهم وأذلهم بيتاً بيتاً وفردا فرداً. والحكام الجدد كل منهم يرى نفسه أنه هو الأحق بأن يكون الحاكم والحكم, وحتى أكثر إذلالاً لغيرهم ولبعضهم بعضاً.
والسؤال المطروح: ماذا حققت الثورة الليبية بعد ثلاث سنوات من حكم رموزها الجدد, وما الذي تغير. بعد أن بات الجيش الليبي يهدد, ويتهم النظام بالفساد والاستئثار بالسلطة؟
سيريان تلغراف | العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)