من الباطل الى الحق في ثلاث .. بقلم هاني شاهين
لن تحتاج الى أي جهد فكري يُذكر حتى تستطيع أن تقرر الى أي جهة أو مشروع ستؤيّد في هذا الصراع المرير الدامي الدائر منذ عقود في الشرق الأوسط وعلى امتداد الخارطة العربية، خاصة إن ركّزت قليلا على الأحداث الجارية في المنطقة منذ انطلاق الربيع العربي كما سمّته وزارة الخارجية الأمريكية بعد توصية من مركز الإستخبارات المشترك الأمريكي الإسرائيلي. ولكنك طبعا ستحتاج الى ضمير ودماء وطنية مع قليل من التنازلات العنصرية والطائفية التي تتمتع بها منذ أن بدأت تعتقد نفسك ذكيا ومؤمنا فقط لا غير. هذا من جهة، ومن جهة أخرى عليك أن تطرح على نفسك ثلاثة اسئلة بديهية وتجاوب عليهم بكل صدق وشفافية.
أولا علينا أن نتعرف على طرفيّ الصراع إذ لا يوجد طرف ثالث ولا يوجد طرف محايد‘ فهذا غير منطقي ولا يجوز في أي من الصراعات إلا إن أصبحنا على درجة كبيرة من السذاجة وصدّقنا مقولة الحيادية والطرف الثالث خاصة في مثل تلك الصراعات الذي يتباهى فريق في إلغاء الآخر وقطع رأسه.
الطرف الأول يتميز بخبرة كبيرة في الدفاع عن نفسه وعن مصالحه بالطرق السلمية والديبلوماسية وله باع طويل مع الصبر والتأني، وهو في أغلب الأحيان يتمتّع بالأخلاق في التعامل مع الآخرين من ناحية الإخلاص والوفاء لشريكه أو حليفه وغالبا ما يلتزم بكلامه، وهدفه التحرر والتطور والعيش بكرامة وأمان.
الطرف الثاني يتميز بطبيعته المراوغة المعجونة بالدجل والمكر وهو إلغائي وغرامه السيطرة على الآخرين وسرقة مقدراتهم وثرواتهم عبر أساليب مختلفة وأبرزها الإحتلال العسكري المباشر والغير مباشر أو عبر الشركات الرأسمالية التي تغزو الأسواق وتأكل الأخضر واليابس بعد أن يجعلوا من المستهدف شيطانا يهدد العالم المتحضر والديمقراطي من جهة ومن جهة أخرى تكفيره وذلك من خلال بث وابتكار الأكاذيب عبر الشركات والمؤسسات الإعلامية الأكثر تأثيرا على المشاهد والعقل البشري.
دعنا نتعرف على الأطراف الرئيسية الأكثر فاعلية في هذا الصراع:
الطرف الأول: روسيا، الصين، إيران، العراق، سورية، الجزائر وحزب الله.
الطرف الثاني: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، السعودية، إسرائيل، تركيا، قطر، الأخوان المسلمون والقاعدة بفروعها المتعددة.
طبعا هناك أطراف أخرى مع كلا الطرفين إمّا يعملون لهم إما أنّهم قليلي التأثير أو يتّبعون الأوامر حسب ما تصلهم من أجهزة المخابرات العاملة في ساحة الصراع أو من خلال السفارات المتعددة. كما أننا سنضطر بأن نستثني جمهورية مصر العربية من كلا الفريقين لأن وضعها السياسي غير مستقر وغير معروف الوجهة لغاية الآن.
بعدما تعرّفنا على مواصفات الفريقين، لا بدّ لنا أن نميّز بينهما ونقيّمهما بحسب أدائهم التاريخي وعلاقتهم بالعرب وبالقضايا العربية حتى نستطيع أن نتبين الصديق من العدو، أو مَن كان صادقا أو منافقا بالتعامل مع الشعوب العربية ومستقبلها. ليس بالضرورة أن نتعمّق أو ندخل في تفاصيل التاريخ، فهناك أمور واضحة ومعلومات دقيقة متواجدة ومتداولة في الكثير من المراجع والصفحات الإلكترونية حتى أنها مؤرخة رسميا ولا لبس فيها.
إن ابتدأنا بالطرف الأول والمكوّن من روسيا، الصين، إيران، العراق، سورية، الجزائر وحزب الله، وسألنا هذا السؤال البديهي الأوّل:
1) هل تعدّت أو تآمرت إحدى هذه الدول أو الجهات على أي بلد عربي في تاريخنا الحديث؟
الجواب ومن دون الحاجة الى صديق سيكون بالطبع لا أبداً، إلاّ إن حسبنا العراق أيام صدّام حسين حين تعدّى على إيران بإيعاز ودعم من أمريكا وأصدقائها الأعراب واحتل دولة الكويت وهذا الأمر غير منطقي وعادل لأن العراق تخلّص من هذا العصر وبدأ بعصر جديد كليّا ولا يتحمّل وزر سلفه. إذاً ما أسلفته من واقع هو حقيقة ثابتة ولا يشوبها إلّا بعض الأكاذيب التي يبثها ويضخها الفريق الثاني في عقول الضعفاء.
إن نقلنا نفس السؤال على الطرف الثاني والمكوّن من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، السعودية، إسرائيل، تركيا، قطر، الأخوان المسلمون والقاعدة بفروعها المتعددة، سنتفاجأ من الحقيقة لدرجة الصدمة وربما سنتعرّض الى انهيار عصبي من هول هذه الحقيقة. فلا يوجد اي دولة أو جهة من هذا الفريق إلا وتعدّت أو تآمرت على الشعوب العربية وتطورها، والشواهد والحقائق تُعد بالملايين ولا تستطيع إحتوائها إلا مكتبة عامة مثل مكتبة الكونغرس الي تُعد أكبر مكتبة في العالم. أرجوك لا تحاول أن تقنعني أن دول إستعمارية مثل فرنسا، بريطانيا وتركيا كانت بردا وسلاما على الشعوب العربية! أو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة الأولى والأقوى لإسرائيل تريد كل الخير للشعوب العربية! أو أنّ حكّام السعودية وقطر يعملون ليل نهار لعزة وتطور العرب من قصورهم الفارهة والفارغة من أي ضمير وأخلاق! وطبعا لن ننسى محبة الأخوان والقاعدة لكل العرب من دون استثناء وتضحياتهم الكبيرة في سبيل كرامة وشرف العرب لدرجة أنهم قطعوا الرؤوس وشووا القلوب للتعبير عن محبتهم المتفاقمة!.
ما رأيك أن ننتقل الى السؤال البديهي الثاني؟ أراك متحمس جداً لمعرفة السؤال الثاني، أنا كذلك.
2) أي من الفريقين ساعد ودعم بعض الجيوش والمقاومات العربية في حروبها مع العدو الإسرائيلي؟
طبعاً الحقائق والوقائع الدامغة تشير الى أن الطرف الأول كان دائما سندا وداعما بكل العناوين للجيوش والمقاومات العربية في حروبها مع العدو الإسرائيلي. مثلاً، إيران كانت أولى وأقوى الداعمين بكل الوسائل للمقاومات العربية والفلسطينية منذ سنة 1982 وما زالت لغاية الآن، ولا ننسى عندما قرر مجلس قیادة الثورة الاسلامیة في إيران طرد المستشارین الامیرکیین والصهاینة من ایران، وبعد ذلك زحف الشعب الایرانی الى سفارة العدو الصهیونی المحتل بوسط طهران فأنزل العلم الاسرائیلی وتم احراقه وسط الهتافات المدویة والعيون تدمع من الفرح . فسلم المتظاهرون المبنی الی منظمة التحریر الفلسطینیة لیکون اول سفارة لفلسطین في العالم، في مشهد مهیب، ما زالت وقائعه محفورة في خواطر الثوار الایرانیین والعرب والاحرار في انحاء الارض. كما لا ننسى كيف أن روسيا (الإتحاد السوفياتي سابقا) هدّدت فرنسا وبريطانيا باستعمال القنبلة النووية في حال لم يوقفا إعتدائهما على مصر، عدا عن المساعدات العسكرية التي كانت تقدّمها للجيوش العربية المقاتلة. أما الطرف الثاني فكان أكثر عداءا للجيوش والمقاومات العربية من العدو الإسرائيلي نفسه؛ فمثلاً، الجزء الغربي من الطرف الثاني أي (أمريكا وأتباعها) كان دائما يسلح، يمول ويدعم الإعتدائات الإسرائيلية على العرب حتى أنهم كانوا يشاركون بكل قوة وإصرار بالإعتداءات الإسرائيلية على البلاد العربية، أمّا الجزء العربي من هذا الطرف أي (السعودية وأتباعها) فلم يكن يوماً داعماً بأي شكل من الأشكال لحقوق الشعب العربي، حتى أنه لم يتعنّى أو يحاول أو حتى يحلم بإطلاق رصاصة واحدة على قطعة قماش يلبسها إسرائيلي.
وصلنا الى السؤال البديهي الثالث، وهو سؤال تتميز أجوبته بالغرابة والطرافة معا.
3) هل أنت مقتنع أنّ كل هذا الدعم القادم من الطرف الثاني (الغرب، إسرائيل والأعراب) للربيع العربي باستثناء البحرين واليمن كان لأجل الديمقراطية والحرية أو لعزّة وكرامة العرب؟
حتى نستطيع الإجابة على هذا السؤال المعقّد علينا أن نمتهن قدرتنا وإمكاناتنا الذهنية لتحليل الديمقراطية والحرية عند الطرف المعني، أي أعضاء الطرف الثاني المبجلّين.
فالنبدأ بأشذهم ديمقراطية وحرية (الولايات المتحدة الأمريكية) من ثم نتابع عشوائيا:
– هل تعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية خاضت وشاركت في 40 حرب منذ سنة 1950 وقتلت خلالها أكثر من 8 ملايين إنسان، 500 ألف منهم كانوا أطفالا من العراق؟
– هل تعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية دمّرت بشكل شبه تام العديد من الدول آخرها أفغانستان والعراق؟
– هل تعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بأعلى نسبة من جرائم القتل، الإغتصاب، السرقة، الدعارة، الشواذ، النصب، الفساد، الخ؟
– هل تعلم أن الحزب الديمقراطي حكم الولايات المتحدة الأمريكية 88 سنة منذ عام 1828، أمّا الحزب الجمهوري فحكم 92 سنة منذ عام 1865، هذا يعني أن كِلا الحزبين حكما الولايات المتحدة الأمريكية 180 سنة مما يجعلهما أكثر الحزبين تسلطا وديكتاتورية في التاريخ وهي ما تسمى بالدكتاتورية السلسة؟.
– هل تعلم أن أمّنا فرنسا قتلت، شردّت، اعتقلت وأعاقت الملايين من العرب؟
– هل تعلم أن بريطانيا تملك واحداً من أكثر السجلّات الاستعماريّة إجراماً وظلاميّةً من بين دول القارّة الأوروبّيّة؟.
– هل تعلم ان اعداد الضحايا الأرمن الذين قتلهم العثمانيون تتراوح ما بين 1 مليون و 1.5 مليون نسمة. ومجموعات عرقية مسيحية أخرى تم مهاجمتها وقتلها من قبل الإمبراطورية العثمانية كالسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم، كم تم القضاء على الكثير من الأكراد والأقليات المسلمة. تعتبر هذه الاحداث جزء من نفس سياسة الإبادة التي انتهجتها الإمبراطورية العثمانية ضد الطوائف المسيحية. وكان رئيس الوزراء التركي أردوغان يستعيد دائما في خطاباته أمجاد الإمبراطورية العثمانية ويسعى الى استعادة هذه الأمجاد.
– هل تعلم أن أكثر البلاد التي يقبع في سجونها الإعلاميين والصحافيين هي تركيا؟
– السعودية وقطر، حدّث ولا حرج، بلاد حكم العائلة الواحدة، بلاد بلا دساتير، بلاد بلا نواب، بلاد كل مَن تفّوه حرية أصبح في دقائق معدودة وراء القضبان، بلاد الرأي الواحد، بلاد القواعد العسكرية الغربية، الخ الخ الخ.
– هل تعلم أنّ إسرائيل أصبحت الصديق الوفي حسب التوقيت المحلي لدول الخليج، وأننا ظلمناها حين كنا نقول أنها العدو؟
– أخيراً وليس آخراً، لا يوجد أي ضرورة بالتكلم عن القاعدة والأخوان المسلمون، لأنهم سينالون من رأسك قريبا إن بقيت على غبائك وجهلك عندها ستعلمهم جيداً.
ما ذكرته من حقائق ثابتة هو غيض من فيض، لأنني حريص على أن لا يصيبك أي مكروه من هول الصدمة إن ذكرت كل الفظائع.
هنا نصل الى السؤال الملكي، هل ما زلت تعتقد أن هذا الطرف فعلا يريد الخير لك ولوطنك؟ وهل فعلا يريد الحرية والكرامة لك ولوطنك؟ إن كنتَ ما زلت مقتنع أن الطرف الثاني هو الصديق الصادق، فلن أوجه لك أي انتقاد، إنما سأذكرك أنّ هذا الصراع هو بين طرفين، طرف على حق وطرف على باطل، طرف يحمل راية الخير وطرف يحمل راية الشر، هو صراع بين الله والشيطان بدأ منذ أن خلق الله آدم (ع) وسيبقى حتى يوم القيامة. أمّا إن كنت تعتبر نفسك حيادي، فدُبُر البدن حيادي أيضاً.
ليس كل من يصلي هو مؤمن صالح وليس كل من يركع لله هو مخلص لله وليس كل من يقرأ الكتاب ويحفظه هو مطيع لله إلّا إن كان هناك مَن يعتقد أن أمواله ستشتري حُكم الله.
سيريان تلغراف | هاني شاهين
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)