خبر هام

النظام العالمي الجديد .. سورية – ايران – السعودية

السيد ألان كورفيز Mr. Alain Corvez هو عقيد مشاة متقاعد خرّيج كلية سان سير Saint-Cyr عمل سابقا مستشاراً لدى قيادة قوات الأمم المتحدة المنتشرة في جنوب لبنان ومستشار العلاقات الدولية لدى وزارة الخارجية وقد كتب التحليل التالي بالفرنسية :

إن المعلومت التي حصلت عليها من علاقاتي في سوريا ولبنان تؤكد تحليلي الجيوسياسي : العالم يتحوّل نحو نظام جديد، وقوى التجاذب تتبدّل مخلّفة ورائها نسباً جديدة في القوى الفاعـلة والمؤثرة على مراكز نقاط الإرتكاز الجديدة.

 وما التوجّه الآميركي نحو أسيا، رغم أهميته حسب البعض، إلاّ أنه واقعي، ويفرض تهدئة التوتّرات في الشرق الآدنى  والآوسط بوضع نهاية للأزمة السورية والإيرانية وذلك بإنهاء المواجهات الشيعية السنية المخططة لأهداف ستراتجية.

إيران ستستعيد قريـبا مكانها الجـيوستراتـيجي في المنطقة، إستـنادا للعلاقات الدولية المعـتدلة التي كرّسها الرئيس روحاني في خطابه في الأمم المتحدة نهاية أيلول. العديد من الدول تفهّمت هذا التحول، مثل تركيا وحتى قطر والسعودية.

الإسلام السياسي يعيش أصعب أيامه : في الثلاثين من حزيران الماضي، أسقط المسلمون المخلصون مرسي في مصر. ومنظمة الإخوان المسلمين، التي عاشت متخفية ولمدة طويلة في الدول العربية، نجحت في كل الانتخابات لأنها كانت  تتمتّع دوماً بتنظيم متين وبتمويل سخي من دول الخليج، هذه المنظمة هي التعبير السياسي للفكر الديني الذي كانت تقترحه للحكم باسم الشريعة. لكنها أثبتـت عدم أهليتها وقلة خبرتها في التجاوب مع تطلّعات الشعوب وقيادة الدول الحديثة : تونس ترفضهم، كذلك مصر والفوضى الليبية تسيرعلى نفس الطريق، لأن المسلمين يريدون أن يعيشوا إيمانهم لكنهم يفضلون أن يكونوا متفاهمين مع “القرية العالمية” أي مع سائر البشرية.

المسيحيون الذين كانوا متواجدين على هذه الأرض قبل الإسلام بِ ستّة قرون، في هذه المتغيرات السياسية والإجتماعية في العالم العربي، عليهم أن يلعبوا دوراً أساسياً في تلاحم المواطنيـن إجتماعـيأ وأن يكونوا عاملاً هاماً في المصالحات الوطنية، في كل مكان حصلت فيه مآسٍ. و تـقارب البطاركة الشرقـيـيـن مع الأئـمّة في البلدان المتوترة يـبـيّـن أن نداءات البابا فرانسوا حول تلاحم المسيحيين والمسلمين تتجاوب مع الحاجة الحيوية التي ينشدها المواطنون وقادتهم. وبعيدا عن التجاذبات الداخلية مع المسلمين يبقى المسيحيون وطنيين متجذّرين في حياة البلاد العربية إذ أنهم محور التفاهم بين مختلف إتنيات وطوائف تلك البلاد التي كثيراً ما تكون متداخلة ببعضها، وبالأخص في سوريا.

السعودية تدعم الأعداد الكبيرة من الاسلاميين التكفيريـين كي تبعد عنها الخطر المحدق بمملكة آل سعود وتهددها حتى بوجودها. والمهمة الأصعب هي التخلص منهم بُعيد إيجاد الحل التفاوضي للأزمة السورية. والتحوّلات القَطَرية التي تسعى للتقارب من سوريا الرئيس بشار اللأسد، تـبـيّـن للعالم مدى تهمـيش الموقع السعودي والإسرائيلي. وقد فهمت هاتان الدولتان أنهما فقدتا صفة الحليف الأزلي للولايات المتحدة التي تنتظر منهما تبديل موقـفهما.

 تدمير مخزون الأسلحة الكيماوية السورية تقرّر تجاوبا مع طلب تدمير اسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية وبشكل خاص النووية والبيولوجية والكيماوية، لأن مبادرة جعل الشرق الأوسط خالياً من هذه الأخطار تشكل إحراجاً لِ تل أبيب.

 الخلافات الداخلية والتعنت الذي يعصف بالعائلة المالكة قد يصل بالسعودية الى امكانية تقسيمها الى ثلاثة أجزاء : الشمال مع الأردن والفلسطينيين، المنطقة الوسطى مع جنوب اليمن من حضرموت حتى البحر وفي الشرق تصبح شيعية نفطية.

يمكن استئصال ألإرهاب الآسلامي الدولي عندما يفقد أربابه وداعميه وخاصة أن المسلمين المخلصين يعتبرونه تجديف فعلي   لتفاسيرالقرآن. وبالتزامن مع تبدّل الإستراتجية الأميركية في المنطقة، سوف تجد السعودية نفسها مضطرة ان تضع حداً   لصليـبـيـتها السنية ضد المحور الشيعي ومحوره ايران بالإستناد الى سوريا ولبنان.

ومن ناحية أخرى، يظهر أن التباعد عن سياسة الولايات المتحدة في الموضوع السوري قد يقود المملكة السعودية الى إعادة النظر في ثوابتها، كما يظهر من الزيارات الاخيرة الى ايران. أما رفضها تسلّم المقعد الذي انتُخبت له في الجمعية العامة للأمم المتحدة ما هو إلاّ اشارة لغضبها وكي تقول أنها اخذت علما بالمستجدّات حول نسب القوى في المنطقة.

تكتفي الولايات المتحدة بمواكبة التطورات العالمية، كما أعلن ” شاك هافل” قبل أن يتسلّم منصب سكرتير وزارة الدفاع الأميركية. وبفضل الميزانية الضخمة المخصصة للإعلام وبقيادة أميركا، أقنع الغربُ العالمَ أنه يمثّل الخير والعدالة وأنه بحاجة لدعم غالبية الشعوب في مغامراته الحربية. لكن وحين بدأت تهديدات الغرب بقصف سورية، في أواخر آب أوائل ايلول، والتي تكلّم عنها أوباما لم تكن بالواقع سوى لاحتواء ضغوط المجموعات الاميركية، في حين كان الرئيس شخصياً ضد القيام بالقصف نظراً للعواقب الوخيمة والتي كانت تعرفها القيادات المحيطة به، خاصة أن التحالف الحربي الغربي كان يمثّل ثمان مائة مليون انسان، لم يجرِ استفتاؤهم ــ ما عدا البريطانيين الممانعين ــ  مقابل حوالي ستة مليارات إنسان في العالم داعمة لِ روسيا والصين. والكل يعرف الأساليب التي لجأ إليها كي يؤخر إتخاذ القرار قبل أن يَعمَد الى الإقتراح الروسي لِتدمير مخزون الأسلحة الكيماوية السورية. هذا الإقتراح الذي قوبِل بارتياح، تزامن مع الإعتراف بِ بشارالأسد رئيساً لِ سوريا المكلفة بتطبيقه حتى خواتمه.

مؤتمر جنيف الثاني المقرّر لِ حلّ الأزمة السورية أصبح التهرّب من غير ممكن مهما تعدّدت محاولات أخصامه مثل السعودية، ومن الأنجع التكيّف معه. والمنظمات الثائرة المدنية المعارضة لا تمثّـل سوى العدد القليل من السوريين فاقدي الجذور والعسكريين، مثل كتائب لواء التوحيد، أحرار الشام، صقور الشام وهي منظمات إرهابية مؤلّفة بأكثريتها من أجانب يحاربون لِ إقامة دولة اسلامية عالمية وليس لها أي انتماء سوري. أما قوّات الجيش السوري الحر فقد أصبحت بدون أهميّة تذكر أو أنهم التحقت بالجهاديين أو سلّمت أسلحتها أو عادت الى أحضان القوات السورية النظامية.

وقد سلّم الجيش السوري القوات الكردية مسؤولية الحفاظ على مناطقهم، فَ قاموا بالمهمّة خير قيام  ودفعوا خسائر فادحة ضد الجهاديين، لكنهم يتفوّقون عليهم يوماً بعد يوم.

بنفس التوقيت، سوف توضع أيضا نهاية المشكلة الإيرانية وقد تحصل حتى قبل السورية التي تتطلّب وقتا طويلا كي يـتـقـرّر مصير التكـفـيـريـين المتشدّدين الذين يعبثون على الأرض. أما إعادة بناء سوريا فـيـتـطلّب الكثير من الوقت ومن المال إذ أن العديد من البنى التحتية قد دُمّرت. لكن ليس هناك من حلّ بدون الرئيس بشار والأميركيون يعرفون ذلك، حتى ولو إضطر جون كيري أن يعطي تصريحا عدائيا وتلميحا ملتبسا.

لبنان ذو التعدّدية الطائفية، والمتأثر بقربه من سوريا التي حمّلته اكثر من مليون لاجىء من كافة الطوائف، ليس فيه حتى يومنا هذا حكومة فعلية بسبب الخلافات التي تؤججها إرتباطات مكوناته مع الخارج. لكن البنى الحكومية مثل الجيش والشرطة فإنها لا تزال متماسكة وتقوم بواجباتها رغم المصاعب.

نجد في لبنان حلفاً يُعتبرالأغلبية، مؤلف من مسيحيي التيار الوطني الحر بقيادة الجنرال عون وحزب الله المؤلف بشكل خاص من أبناء الطائفة الشيعية وسواها ومن حركة أمل التي يرأسها نبـيه بري. يعـتبرهذا الحلف القوة الرئيسية السياسية الداعمة للحكومة في دمشق. وقادة العائلات الكبرى، مريدو الديوانيات يحللون الأوضاع، آخذين بعين الإعتبار تحالفاتهم الخارجية، ويتناقشون بدقة المراقب الحذر، لإيجاد الحلول الوسطية، ويبدو أنهم توصلوا الى القناعة أن الحكم في سوريا سوف يخرج منتصراً من هذه الأزمة وعليهم التصرف بمقتضى هذا النصر. الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عبّر عن دعمه لِ نبيه بري حول تشكيل الحكومة، وهذه اشارة الى امكانية الحل خاصة ان السعودية تتمنّاه وقد توعز بذلك الى حلفائها المحليين مثل المسيحي سمير جعجع والسنّي سعد الحريري.

أسباب غياب الدولة القوية في لبنان وهشاشتها هي نتيجة الوجود القوي المسلح لحزب الله تحت عنوان مقاومة اسرائيل بالتزامن مع المليشيات السنية الموجودة فعلياً (في بعض المناطق) او في المخيمات الفلسطينية والتي تخرج منها لتحارب في سوريا القريبة او في منطقة طرابلس في الشمال وقد تسبّبت بعشرات القتلى من جنود ومدنيين. هذه المجموعات خطرة ويمكن ان تنفجر بشكل شديد في حال غادر الجهاديون سوريا كي يهاجموا حزب الله في لبنان. وقد وُجهت تهديدات  رسمية الى قوات ال فينول في الجنوب ضد الجنود الغربيين ومنهم الإفرنسي.

 مصلحة فرنسا الكبرى تكمن في إعادة التواصل الديبلوماسي مع الدولة التي ستخرج منتصرة من أزمتها الصعبة وذلك كي تجدّد علاقات الصداقة الثقافية القديمة التي بقيت متجذّرة بين السوريين والفرنسيين، رغم المواجهات التي أضعفتها.

 روسيا : من مصلحة فرنسا أن تـتـقرّب من روسيا ذات الديبلوماسية الناعمة والتي أثبتت فـعاليتها. ولسوف تسجل روسيا نقاطا عدّة في إغلاق هذه المعركة إذ انها عرفت كيف تفتح مخرجا مشرّفاً لِ أميركا العظمى من أزمة غرقت في وحولها. وبالوقت نفسه تدافع روسيا عن مصالحها الستراتجية والتكتيكية أيضا لأن العديد من المجاهدين هم من المحاربين الشيشان والذين قد ينقلبون عليها اذا أسعفتهم الظروف.

أما تركيا والأردن والعربية السعودية وحتى اسرائيل فهم الخاسرون في كل الأحوال عند نهاية الأزمة. لكن مما لا شك فيه أن هذه الدول ستجد لها مواقع جديدة، وباسلوب استغلالي، كي تخـفّـف من المضار التي لحقـت بها من جراء انهاء الأزمة كي  تـتـكـيّف مع التوازنات العالمية الجديدة.

الصين : ومن المنتظران تعقد الصين اتفاقيات وتوسّع علاقاتها مع دول المنطقة. وقد عرضت توظيفات هامة لقاء تزويدها بالطاقة التي هي بأمس الحاجة لها لأجل نموها الذي يتزايد باضطراد.

Alain Corvez – 26.10 2013

ملاحظة المعرّب : رغم أن هذا التحليل قد كُتب قبل شهرين، إلاّ ان واقع الآحداث وتطوراتها اليومية والتعلـيـقات التي نقرأها كل يوم تـثـبت صحة نظرية هذا الكاتب.

سيريان تلغراف | تعـريـب فؤأد عزيز قسـيـس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock