مقالات وآراء

الثورة السورية في جنيف 2 : حفلة تنكرية والدعوة مفتوحة ؟؟ .. بقلم بلال فوراني

كل المدعوين صاروا جاهزين لحضور هذا الاجتماع , رغم دلع البعض وغنجهم السمج عن تلبية هذه الدعوة , ورغم اعتراض البعض على هذا الاجتماع من فوق الطاولة في وقتٍ  يتفق فيه سراً على مكان كرسيه من تحتها , لكن الجميع سيحضر هذا الاجتماع المرتقب والمفروض غصبا عن الجميع , حتى أولئك الذين يظنون أنفسهم من أحفاد صلاح الدين , سيأتون كرهاً وغصباً ورغم عن أنوفهم المزكّمة  بتاريخ القتل والاجرام , لأن هذا الاجتماع لن يكون له طائل ولا فائدة اذا لم تجتمع فيه كل أركان الجريمة, من القاتل الى القتيل الى المحقق الى الحانوتي الى حفار القبور الى الشيخ الذي سيتلو القرآن للمعزيين الذي سيأخذون بخاطر القاتل والقتيل معا الى كل المعازيم والمصلّيين والنائحين والشامتين.

وهذا في حال افترضنا أن هذا الاجتماع سيكون حفل عزاء لأحد الاطراف وليس حفل تأبين نتكلم فيه عن كرامات الميت ومآثره التي لا يذكرها أحد , ونسهب في ذكر خصالة الكريمة التي لم نراها يوما , وأفعاله الحميدة التي لم يُحمد عليها يوما , وعن تاريخه المرصع بالجثث والجماجم , وأفكاره الملوثة بالحرية الفاسدة , وأحلامه المغلّفة بالشوك والحنظل , وعن كل انجازاته العظيمة في طريقة نحر الاعناق والرقاب والدقة المتناهية في تزامن التكبير بالله اكبر مع أول نقطة دم تسقط على الأرض , عدا عن التأليه الرباني القادم من عصور جاهلية والذي صار يتمتع به الكثير من أصحاب العضلات و الريالات حتى انتحلوا شخصية سندباد في تراثنا الشعبي حين حولناه من لص وقاطع طريق الى نموذج يقتدي به الاطفال بعد أن تركناه رمزا للأجيال القادمة , فجاءنا هؤلاء وهم يظنون أنفسهم أبطال مشهورين في حين أنهم ليسوا أكثر من لصوص وقتلة مأجورين.

وفي الافتراض الآخر المقابل هو أن هذا الاجتماع سيكون حفل ختان لأحد المتنازعين على حق الورثة في هذه القطعة الزائدة , والمشكلة أن كل طرف يظن أنه قادر بسكينه الحادة أن يقطع هذه القطعة دون أن يريق الدماء , وتلك المشكلة العويصة التي سيقع فيها جميع الحاضرين , فعيون المتنازعين ما زالت تحدق مثل الصقر على يد الطرف الاخر كي لا يغافله فتأتيه طعنة طائشة بدون سابق موعد في ظهره العربي الأصيل . والبعض جاء كي يكون شاهدا على عملية استئصال هذه القطعة حسب الأصول الاسلامية وضمن الشريعة , والاخر جاء كي يضمن حصته في الوجبة القادمة على عشاء فاخر في قصر المهاجرين في دمشق , والبعض الاخر جاء كي يعترف بهزيمته ويطلب السماح والغفران فتنتهي القصة حسب آماله “بتبويسة” شوارب.

ان هذا الحفل والذي يصح أن نطلق عليه لقب مهرجان دولي , خاصة بعد كل الوفود العالمية التي ستشارك وكمية العيون العربية التي تترقب انعقاده وكأنه الحبة الزرقاء التي ستنهي كل مشاكل الفحولة عند بعضهم , لن يكون الحلقة الاخيرة على هذه الطاولة , ومن يغوص في بحور السياسة سيكتشف بعد حين أنها ليست بحور بقدر ما هي مستنقعات , وأن أي اتفاق بين أي اثنين مختلفَين على أمر ما يجب أن ينتهي بفوز أحدهم وتطييب خاطر الاخر وهذا ما نسميه الدبلوماسية , لأنه من المستحيل تماما أن نتفق من القاتل ومن القتيل طالما كل واحد يدعي أنه الضحية , وطالما أن بعض الفرقاء يشدون على يد أحدهم في الوقت الذي يشحذون سكاكينهم باليد الأخرى . وطالما أن ثقافة اقصاء الآخر هي السيمفونية التي سيعزف عليها الجميع فتخيلوا كمية الاصوات النشاز التي ستخرج من هكذا جوقة.

هذه الحفلة بكل بساطة , أراها بعين المراقب عن بعد وكأنها حفلة عيد ميلاد ولكنها ( تنكرية ) تصلح لكل الأعياد الوطنية العربية  , ولكن المشكلة فيها أن كل المدعوين لا يعرفون بمن يحتفلون ومن الذي سيطفأ الشموع, ومن كبير الجلسة الذي سيقطع الكيكة ومن المرضي عنه الذي سيتلقى الهدايا , لأن المتناحرين والمتخاصمين في هذه الحفلة أكثر من أن تحصرهم في شخص واحد أو جهة وحدة , ففي الحقيقة أنت لا تعرف إذا كانت هذه الحفلة هي حفلة ( تكسير راس ) بين أمريكا و روسيا , أم أنها حفلة شواء وباربكيو على جثث السوريون الذين فاحت رائحة جلودهم كي ترضى السعودية وكلبتها القاعدة عن هذا الجو الموبوء , أم أنها حفلة طهور بمناسبة قدوم المولود الجديد الذي اسمه المجلس الحكومي الانتقالي وقدوم رزقته المرتقبة معه في إيقاف العنف والقتل وشلالات الدم , أم أنها حفلة دعارة يمارس الضعفاء فيها بعد أن تم تعريتهم من آخر قطعة شرف كانت تغطي أكاذيبهم في خوفهم المصطنع على الشعب السوري, أو وصلة ( ستريبتيز ) على مسرح يسبح بالنفط العربي , في حين يجلس الأقوياء من الأباطرة وهم يحتسون الفودكا وينفثون دخان سجائر المارلبورو الامريكية على وقع أنغام السمفونية الحلبية السورية مع تصفيق حار من زرادشت الفارسي وخزي وعار يملأ سماء من يدعون أنهم يحملون نجمة داوود.

على حافة الوطن

لقد أصبحت المعادلة واضحة جداً في جنيف
أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب
ولكن حين تكون الحفلة كلها تنكرية وبأقنعة مستعارة
فالجميع سيصبح بلا شك في خانة الغريب فقط ..؟؟

سيريان تلغراف | بلال فوراني

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock