السعودية تخسر معركة ريف دمشـق
خلال الأسابيع الماضية، راهن الراعي السعودي للمعارضة السورية على «إنجازات» عسكرية تمكّنه من تحقيق توازن على الأرض، بعد التقدم الذي أحرزه الجيش السوري على أكثر من جبهة خلال الأشهر السابقة. في ريف دمشق، وتحديداً في الغوطة الشرقية والقلمون، نفّذ المقاتلون المعارضون عمليات كبيرة، سعت السعودية إلى قطف ثمارها السياسية في مؤتمر جنيف 2. في ما يأتي، رواية رسمية سورية ـــ تتقاطع مع أخرى عن لسان مصادر مقربة من حزب الله ـ لما جرى في الريف الدمشقي ونتائجه
سياسياً، انتهت معركتا القلمون والغوطة الشرقية. على أعتاب مؤتمر جنيف 2. عجزت المعارضة عن إسقاط الجيش السوري بضربة قاضية في إحدى ساحات المعركة. كما انها لم تسجّل نقاطاً تُذكر في الدفتر السياسي المؤهِّل للمؤتمر السويسري.
خلال الشهرين الماضيين، راهنت المعارضة ومن خلفها السعودية، على ثلاث معارك رئيسية، لتحقيق «توازن ما» في المشهد الميداني السوري: معركة في درعا، لم تبدأ إذ عاجلها الجيش السوري بضربات منعتها ــ حتى الآن ــ من تحقيق أي تقدم يُذكر، ووضعها في حالة الدفاع عن النفس أو التقدم البطيء جداً على مختلف الجبهات الحورانية.
معركة في حلب بدأتها قوى المعارضة قبل نحو شهرين، بحصار عاصمة البلاد الاقتصادية، وشن هجوم على الأحياء والمناطق التي لا تزال تحت سيطرة الدولة السورية. لكن سرعان ما انقلب المشهد، بهجوم شنّه الجيش السوري جنوبي شرقي حلب. سيطر بالقضم على مساحة تزيد عن نصف مساحة لبنان. وأمّن طريقاً طوله نحو 200 كلم، يفك من خلاله الحصار عن حلب، بعدما حرّر مدناً استراتيجية (السفيرة على سبيل المثال).
أما ثالثة المعارك، فكانت مقررة في ريف دمشق، جنوباً (الغوطة الغربية والريف الجنوبي) وشرقاً (الغوطة الشرقية) وشمالاً (القلمون).
كان ينبغي للغوطة الغربية والريف الجنوبي لدمشق أن يكونا مدخلاً جديداً للمعارضة (يتصل بدرعا جنوباً) نحو تهديد مدينة دمشق. فوجئ المعارضون بهجمات سريعة شنها الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني ومجموعات من حزب الله. كل بلدة في الريف الجنوبي (كالبويضة والحسينية والذيابية وحجيرة والسبينة…) قرر الجيش دخولها، حاصرها، ثم طرد المسلحين منها في أقل من 48 ساعة. في النهاية، لم تكن هذه الجبهة هي المناسبة لتحقيق «إنجاز» يمكّن المعارضة من محاولة تثميره سياسياً في جنيف 2.
بقيت الغوطة الشرقية والقلمون. في الغوطة، وابتداءً من يوم 22 تشرين الثاني الماضي، شنت المجموعات المسلحة المعارضة هجوماً مباغتاً على طول محور «خط سكة الحديد» الواقع وسط الغوطة الشرقية. كان تقدّم القوات المهاجمة سريعاً. وجّهت ضربة موجعة لقوات الجيش السوري والدفاع الوطني وحزب الله المنتشرة في المنطقة. المسلحون المنتمون إلى مختلف تشكيلات المعارضة المسلحة (أقليتهم كانت من «الجيش الحر» بحسب مصادر ميدانية)، كانوا يهدفون إلى السيطرة على بلدة العتيبة الاستراتيجية، الواقعة أقصى شرقي الغوطة. وصل المهاجمون إلى العتيبة، ودخلوا جزءاً كبيراً منها، لكن من دون أن يتمكنوا من فك الحصار. المقاتلون الذين خرجوا من داخل الغوطة (من دوما إلى المليحة وما بينهما) وقدموا من الأردن عبر البادية، تكبدوا في الهجمات المعاكسة التي شنها الجيش والقوى الرديفة، خسائر هائلة. اكثر من ألف مقاتل، إما قتلوا، أو أصيبوا بجروح تمنعهم من العودة إلى القتال. مصادر ميدانية في الجيش السوري تؤكد أن المقاتلين الذي شنوا هجوم الغوطة هم الاكثر تدريباً وتسليحاً بين الذين قاتلهم الجيش منذ بداية الأزمة. وفضلاً عن ذلك، عملوا وفقاً لخطة هجوم غير مسبوقة في الميدان السوري. وتخلص تلك المصادر إلى القول: ما عجز مقاتلو الغوطة عن القيام به في هجومهم الأخير، لن يستطيعوا تنفيذه بعد اليوم.
لقراءة ما كان مؤملاً من معركة الغوطة، تكفي العودة إلى بيان «الائتلاف» المعارض بعد يومين على بدء القتال. الهيئة التي تتحدّث من مكان بعيد جداً عن الميدان، أشادت بـ «الانتصارات»، معتبرة أن الهجوم سيؤدي إلى فك الحصار. بعد ذلك، لم ينبس الائتلاف ببنت شفة. رعاة المعارضة، وتحديداً في السعودية، يعرفون أن ما خططوا له أفشله الجيش السوري شرقي دمشق.
القلمون: المعركة المفروضة
الجزء الأخير من معارك الأرياف الدمشقية دار في القلمون، المنطقة الاستراتيجية التي تربط ريف دمشف بريف حمص وبالحدود اللبنانية قبالة البقاع الشمالي. وبحسب مصادر ميدانية سورية (رسمية)، واخرى قريبة من حزب الله، لم يكن لدى الطرفين نية لفتح معركة في القلمون قبل الربيع المقبل، إلا إذا… بادرت المعارضة إلى خوض النزال، او قطعت الطريق الدولية (بين العاصمة وحمص)، او هددت الحدود اللبنانية. توفرت العوامل الثلاثة. فبحثاً عن نصر معنوي وعسكري كبير، توجهت قوة من «جبهة النصرة» (ومعها مجموعات من «مغاوير حمص» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«الكتيبة الخضراء» التابعة لتنظيم القاعدة) نحو مستودعات مهين للذخيرة. تقع هذه المستودعات شمالي شرقي القلمون (في أقصى الريف الجنوبي الغربي لحمص)، وليست بعيدة عن واحدة من قواعد سلاح الجو السوري. وفي داخلها، كميات ضخمة جداً من الذخائر (فيها على سبيل المثال أكثر من 10 آلاف صاروخ كاتيوشا). سيطر المهاجمون على المستودعات (يوم 5 تشرين الثاني الماضي)، وبدأوا نقل الذخائر غرباً، نحو القلمون، وتحديداً إلى بلدتي قارة والنبك. شن الجيش السوري هجوماً على المنطقة. طرد المسلحين من الجزء الاكبر من مهين، ومنعهم من استكمال إخراج الذخائر. وسريعاً، بدأ هجوماً على قارة، لاستعادة كمية كبيرة من الصواريخ كانت وجهتها النهائية الحدود مع لبنان. حرّر قارة، لتتدحرج بعدها العمليات في القلمون. المقاتلون الذين خرجوا من قارة، توجهوا نحو دير عطية، البلدة «النموجية» التي احتضنت عشرات آلاف النازحين، ولم تكن قد دخلت خريطة المعارك. لاحقهم الجيش، وطردهم من الدير. وبعد الدير، اتى دور النبك. أسبوعان من القتال والحصار والقصف، اختتمت بتحرير الجيش للمدينة القريبة جداً من أوتوستراد حمص ــ دمشق الذي انقطع بسبب ضراوة القتال. في القلمون، لم يبق سوى مدينة يبرود، أكبر حواضر المنطقة، وأقربها إلى طريق حمص ــ دمشق. ويبرود عملياً شبه معزولة، ويمكن الجيش خوض معركة شرسة فيها متى أراد. وهو اليوم يتفرّج على المجموعات المقاتلة: «جبهة النصرة» و«الدولة» يتهمان «جيش الإسلام» بالخذلان. «الجيش» يقول إنه قاتل وحيداً في النبك، بعدما انسحب مقاتلو «الجبهة» و«الدولة» و«الكتيبة الخضراء». وصلت الاتهامات المتبادلة إلى حد تبادل إطلاق النار في بعض المناطق القلمونية. «الوضع مكركب»، يقول احد المقاتلين المعارضين.
باقي القرى والبلدات القلمونية لا وزن استراتيجياً لها نسبة إلى يبرود.
كل ما قام به المعارضون ارتد عليهم سلباً. «إنجازهم» الوحيد تمثل باختطاف راهبات معلولا. لكن ما تقدم لا يعني ان مناطق الريف الدمشقي، من القلمون شمالاً، إلى داريا جنوباً والجربا شرقاً باتت بيد الجيش السوري. فالإشغال العسكري والأمني لن يتوقف. وسيحاول مقاتلو المعارضة قطع طريق حمص ــ دمشق من جديد. وقتالهم في القرى والبلدات والمدن القريبة من العاصمة لن يخمد قريباً. لكن المهم، بحسب مصادر سورية وأخرى قريبة من حزب الله، أن التهديد الجدي للعاصمة دمشق قد انتفى. وان السعودية خسرت الجولة التي عوّلت عليها كثيراً. حرب ريف دمشق السعودية انتهت، يعلق احد المعنيين بما يجري ميدانياً في الأرض السورية، مضيفاً: «لم يبق للرياض إلا الدعاء بأن ينصر الله الأمير عمر الشيشاني، القائد العسكري لـ«دولة أبي بكر البغدادي» في الشمال السوري، الذي أعلن قبل يومين بدء معركة كبيرة في ريف حلب». معركة تقول المصادر الرسمية السورية إن «الجيش أعدّ نفسه لها جيداً». في السياسة، ليست الرياض في موقع عسكري ميدانيّ يمكّنها من المطالبة بثمن إضافي في جنيف 2.
سيريان تلغراف | الاخبار