الصهيو-وهابية وأمن المقاومة … الحزب بخير لكن الكمال لله وحده .. بقلم نمير سعد
في الأيام التي تلت إغتيال الشهيد حسان اللقيس وبعد أن هدأت حمأة الإتهامات العلنية المباشرة “لإسرائيل ” والمبطنة غير المباشرة لأدواتها وعملائها وشركائها وأياديها ، الأيادي التي كانت عون جهاز الموساد في تنفيذ الجريمة _ حسب أكثر من مسؤول في الحزب _ . بدأت عبر الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية حملة شنيعة مشبوهة على حزب الله ، لناحية الإستخفاف بقدرات و إمكانات منظومته الأمنية من قبل خصومه في لبنان وخارجه ، في حاله من التشفي الرخيص والشماتة والوضاعة ، حملة تم التركيز من خلالها على “الإختراق الأمني ” و تنفيذ الإغتيال بما يعنيه ذلك _ حسب أولئك _ من تآكل وإهتراء وتراخي المنظومة الأمنية للحزب المقاوم . هذا ما كان من قبل خصوم محور المقاومة والحزب ، من فريق 14 آذار العاملين في خدمة آل سعود ، وهذا ما كان من قبل آل سعود و شركاؤهم .. العاملين بدورهم في خدمة الغرب و “إسرائيل” ، هذا ما كان من قبل من كان له قولٌ أو رأي عبر إعلام حلف أصدقاء الكيان الصهيوني المرئي والمسموع والمقروء ، الإعلام الرخيص الذي فرش السجاد الأحمر إحتفاءً وسعادةً ونشوةً بما جاء في تحليلاتهم واستنتاجاتهم ومقالاتهم ونبؤاتهم … .
لكن فريقاً أخر ممن يفترض أنهم من أنصار حزب الله ومحور المقاومة كان لهم أيضاً دلاءهم التي سكبوا مفرداتها ، وآراءهم التي وزعوها ، وعبقريتهم التي سوقوا لها ، و إستنتاجاتهم التي وهبوها سبغة “الحقيقة المطلقة التي تلج العقول دونما إستئذان” لتبني فيها مستوطناتٍ من الوهم الذي يلبسه أصحابه ثوب الحقيقة . هؤلاء إن نحن برأناهم من تهمة سوء النية بحكم تموضعهم المعلن ومواقفهم السابقة من الحزب وقيادته ونهجه ، فلن نستطيع تبرئتهم من وقوعهم في فخ الإندفاع وشرك الحماس و مساوئ التسرع الذي يدفع بصاحبه لفتق فروة الآخرين بدعوى إكتشاف ما بين الفراء والبطانة ، أو بحجة إلقاء الضوء على الثغرات والعيوب والنواقص ، فكان أن تفوهوا و كتبوا و انتقدوا و اتهموا و اجتمعوا تحت مظلة عنوان يقول بكل وضوح أن (منظومة الأمن التابعة للحزب باتت فاشلة ) ، متهمين قيادته بالغفلة وسوء التدبير والكسل والتراخي ، وكأن احدهم كان يتابع عن قرب “كشاهد عيان” مشهد إغتيال الشهيد اللقيس بكل تفاصيل ومجريات العملية القذرة !! . أو أن تقريراً مفصلاً وصله من القيادة الأمنية للحزب عن نتائج تحقيقاتها الأولية !! . لم يفكر هذا البعض بأن مسألة إقناع العقول بما ليس بالمعقول هي غاية لا سبيل لتحقيقها إلا بالحجة والبرهان وليس بطول الكلام وعرضه.. بداعٍ أو من دون داع ، بطائلٍ أو من دون طائل … .
هنالك من بات يعتقد أو يفترض ربما أن على حزب الله أن يمتلك قدرات وامكانات بعض معاني إسمه ، أي أن عليه أن يمتلك بعضاً من صفات الله و أقصد هنا .. الكمال تحديداً … ، أن يصل هذا الحزب إلى حالة الكمال المطلق .. تنظيمياً وإدارياً وعسكرياً والأهم .. أمنياً !! ، متناسين أو غافلين عن حقيقة إيمانية تقول .. أن الكمال لله وحده ، وعن حقيقة أخرى تاريخية عسكرية تقول .. أن الكمال الأمني هي حالةٌ لم تبلغها أيٌ من قيادات أو جيوش أو أجهزة إستخبارات العالم على مر العصور ، وأن حالات “الإختراق الأمني في لحظة غفلة ” هي أكثر من أن تعد أو تحصى . وهنا نحيل من قد يعترض من هؤلاء إلى صفحات جهة يفترض أنها موثوقة … ولنستخدم أسلوب سيد المقاومة ونقول له أن الحرف الأول من اسمها هو .. تاريخ .. التاريخ قديمه وحديثه ، ليبدأ بتعداد القيادات السياسية والعسكرية والأمنية التي قضت إغتيالاً ، و ليتأرجح هذا المشكك بقدرات وأداء المنظومة الأمنية لحزب الله بين صفحات فشل الأجهزة الأمنية لعشرات دول العالم ، وليبدأ مشواره من الدول الفقيرة البائسة كالصومال واليمن وجزر القمر و يستذكر أسماء من اغتيل من قادتها ، ليمر صاحبنا إذاك على إغتيال قادة دولٍ يفترض أنها صاحبة أجهزة أمنية متماسكة و هنا لا بد أن نذكره بإغتيال `أنور السادات`في أكتوبر عام 1981 خلال عرضٍ عسكري ، على يد خالد الإسلامبولي و رفاقه ، وبإغتيال رئيسة وزراء باكستان بنازير بوتو عام 2007 . ليصل إلى تلك التي تمتلك الأجهزة الأمنية الأكثر تماسكاً كدولة الإحتلال التي نذكر ممن قضى فيها إغتيالاً .. رئيسها `إسحاق رابين` الذي إغتاله `ايجال عامير `عام 1995 ، ولينتهي المشوار بصديقنا في بلاد العم سام ،، حيث تقبع أقوى أجهزة الإستخبارات في الأزمان كافة ، وليبدأ هناك بتعداد الرؤساء الأربعة الذين تم اغتيالهم رغم ما يفترضه العقل والمنطق الأمني من إجراءاتٍ إحترازية وقائية غاية في الدقة والحسم والصرامة والقوة والفاعلية تتخذ لمواكبة رئيس الدولة الأعظم وحمايته …
يكفي حزب الله فخراً أيها السادة أن منظومته الأمنية كانت عائقاً أمام إغتيال أعدادٍ لا حصر لها من مقاوميه يحلم جهاز الموساد بتصفيتهم .. يكفيه أن الحرب عليه تطلبت شراكة أجهزة إستخبارات عالمية على رأسها ال C I A والموساد . بغية الوصول إلى إرتقاء سلالم قوائمها السوداء لقادة الحزب وكوادره ، وأن إغتيالها للقائد الشهيد عماد مغنية سبقته اعوامٌ فاقت العشرين ، من المتابعة والملاحقة والرصد ، ليعقبه إغتيال القائد الشهيد حسان اللقيس ،، ولكن بعد مرور سنواتٍ خمس على رحيل مغنية .. والأهم .. بعد تأزم الوضع الأمني والسياسي اللبناني أكثر فأكثر ، و بعد أن بات الحزب يواجه إسرائيل في كل شوارع وأزقة الضاحية الجنوبية ، يكفي المنظومة الأمنية لحزب الله فخراً أنها تواجه اليوم جيشاً من المتطوعين والمجندين من قبل الإستخبارات الوهابية والإسرائيلية ، وأكرر هنا ما كتبت سابقاً من أن لا غرابة في تلك الشراكة والتنسيق بين إستخبارات آل سعود والموساد الصهيوني ، فالخصم واحد والهدف واحد والمصالح واحدة ، والأهم أن الأصل واحد ، هذا الخليط القذر هو ما بات يعرف اليوم لمن يهوى إصطياد مغزى الكلام … “بإسرائيل الوهابية” أو “بالوهابية الإسرائيلية” ولا فرق بين التسميتين ، إنه جيشٌ من العملاء و الخونة والتكفريين والقتلة يحلم كل وغدٍ منهم أن تناط به عملية تعقب أو إستطلاع أو متابعة أو مشاركة حقيقية في تنفيذ أي عمل جرمي “جهادي ” .. إن كان الأمر يتعلق بأحد كوادر حزب الله أو أبطال الجيش السوري ، فما بالكم إن كان الحديث يدور عن أحد القادة الكبار … .
قد يكون من المفيد لهذا الفريق أو ذاك أن يعلم بأن التقوقع في زاوية إتهام الموساد وحسب .. هو بشكل من الأشكال تبرئة لشركائه وأياديه وعملائه الذين تكفلت مملكة آل سعود بتجنيدهم على الساحة اللبنانية كما فعلت قبلاً ولا زالت ،، على الأرض السورية ، هذه حقيقة بات يعلمها العالم والجاهل ، القاصي والداني . إن التركيز فقط على كيان العدو يحمل في طياته بشكل واضح سذاجة وقصر نظر وعبثية في التحليل ، ويخفي في ثناياه بشكل غير مباشر تشكيكاً بدور”إسرائيل الوهابية” الفاعل في أي عمل جرمي يستهدف محور المقاومة ، وهذا ما لا يقبله العقل السليم والمدارك السليمة . لكل متذاكٍ متحذلق يحاول وضع السعودية في الظل فيما خص إغتيال الشهيد اللقيس نقول : عد وراجع مواقف وتصريحات من ينطق بلسان حال الحزب من قادته وسياسيه ومسؤوليه الكبار في الإعلام المقروء والمرئي ، وتعلم قراءة ما بين السطور تجد أن إتهام الحزب لإسرائيل مباشرةً صاحبه غمزٌ ولمزٌ وإيحاءٌ لجهة خلفية شركائها على الأرض ، أم أنك تعتقد فعلاً أن وحدةً من الكوماندوس الإسرائيلي تجولت في أحياء الضاحية ، وتناولت عشاءها في أحد المطاعم الشعبية ، قبل أن تغادر لتنتظر الشهيد اللقيس أمام باب منزله و تقوم بإغتياله و تعود إلى تل أبيب !!! . إن من يهاجم الحزب ويشكك في منظومته الأمنية من باب ” الحرص و الارشاد والتوجيه ” فاته ربما أن قيادة الحزب لا تعتمد في استراتيجيتها الأمنية وخططها المستقبلية على مفردات ونصائح وانتقادات هذا الكاتب أو المحلل أو ذاك … .
من يستعرض لائحة عمليات الإغتيال التي قامت بها حكومات العدو المتعاقبة منذ تكوين الكيان ، داخل الأراضي المحتلة وخارجها ، ويقف عند تفاصيلها يستنتج دونما كثير عناء ، أن الظروف الميدانية في موقع الجريمة لبعض جرائم الإغتيال كانت أصعب وأعقد ، بسبب صعوبة إختراق البيئة التي يحيا فيها الشهيد الهدف ، ما اضطرها في بعض حالات الإغتيال إلى إستخدام سلاح الجو لتنفيذ بعض جرائمها ، كإغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين و خليفته عبد العزيز الرنتيسي في غزة عام 2004 ، وقبلهما إغتيال أمين عام حزب الله الشهيد الشيخ عباس الموسوي عام 1992 . لكن ظروف العدو اليوم باتت في حالٍ أفضل بحكم تزايد وتوالد الخونة على الساحة السورية واللبنانية ، ودائماً على أرضيةٍ دينية طائفية ، ودائماً بتحريض وتشجيع وتمويل وتجنيد شركاء إسرائيل .. من مشايخ النفط والغاز ، وبسبب إنحراف البوصلة في أذهان تلك المخلوقات البشرية بالشكل الذي بات فيه عدوها الأول هو إيران والقيادة السورية وحزب الله المقاوم . اليوم في ظل هكذا توصيف بات الحفاظ على أمن الضاحية الجنوبية وقيادات الحزب شبيه إلى حدٍ بعيد بصعوبة حفاظ القيادة السورية وأجهزتها الأمنية على حياة قادتها الكبار عسكريين وسياسيين و على المنشآت و المقار الحكومية ، لأن الساحة باتت منفلتة بطريقة يصعب على أي جهاز إستخبارات مهما بلغت درجة كفاءته وإمكاناته ضبطها والحيلولة دون وقوع العمليات الإرهابية من تفجيرات بالسيارات المفخخة والإنتحاريين أو عمليات الإغتيال لهذا القيادي أو ذاك ، لكن كلا الجهازين الأمنيين قدما حتى اليوم أنموذجاً يحتذى في تحقيق اعجاز الحد من الخسائر والحجر عليها في حدودها الدنيا . وإلا لكنا رأينا الوزارات والمقار الأمنية والسيادية السورية إضافةً إلى مقار حزب الله في الضاحية وغيرها .. أنقاضاً ، ولكان عدد الشهداء من مسؤولي وقياديي الصف الأول بالعشرات … .
أجدني اليوم مضطراً للتوجه لكل من يشكك بالقدرات الأمنية للقيادة السورية أو لحزب الله ، لأذكره بتجربة الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق وأسأله ، كم من الضباط والجنود قضوا في كمائن ؟ ، كم منهم سافرت بهم السيارات المفخخة إلى عالم الموت ؟ ، كم من القذائف سقطت على المنطقة الخضراء التي أريد لها أن تكون آمنة ؟ ، ولأذكره أيضاً بعدد الإختراقات الأمنية التي قام بها بعض أفراد المقاومة الفلسطينية “السابقة” في عمق دولة الإحتلال ،المقاومون الذين يعتبرون في عداد الهواة مقارنة بجهاز الموساد وإمكاناته . ولأذكره أخيراً بما يفترض أنه عالم به .. أن حلف المقاومة يواجه في سوريا ولبنان أكبر عملية تحالف عسكري استخباري عرفها الكون منذ الحرب العالمية الثانية ، ولسنا هنا في وارد تعداد الدول والأجهزة الاستخباراتية المشاركة ، فتلك أيضاً باتت معلومة للقاصي والداني ، وأن عمليات التفجير والإغتيال طوال أمد الحرب لم تخرج عن إطار المتوقع و الممكن في ظل مضاجعة الصهيونية لأحفداد محمد بن عبد الوهاب .. أخيراً .. لي ، لرأيي مساحته من الحرية وللآخر ورأيه ذات المساحة .. هكذا تقول حرية الرأي ، وهذا ما تبشرنا به الديموقراطية الربيعية .. دعونا إذاً نستفيد من بعض حسناتها وأفضالها .
النصر والمجد لسوريا .
سيريان تلغراف | نمير سعد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)