ما بين القلمون و بيروت .. جنون “الهيدرا” ومصرعه .. بقلم نمير سعد
يعلم معظمنا أن بعض الأساطير كانت في سالف العصر والزمان تخوض في عوالم التأليه أو شبه التأليه للظواهر التي يعجز العقل البشري عن فهمها أو إستيعابها ، لن نقوم نحن بما قام به الأقدمون .. لأن عقولنا السليمة المعافاة قادرة على التحليل والإستنتاج والتمييز والتوصيف الدقيق في ساح الواقع كما في ساح الأساطير التي فرضها الواقع … واقعاً . ولكي نكون منصفين سوف نبتعد عن المبالغة والتضخيم ما إستطعنا لتلافي الوقوع في شرك الخرافة التي تبعدنا عن الواقع ، لكننا سوف نفخر بالوقوف على صخرة الحقيقة التي توائم الواقع الأسطوري، فحكايا المجد والبطولة لطالما كانت الأساس الذي بنيت عليه دعائم ” الأساطير الواقعية ” .. وهذا ما سنقوم به اليوم في تعرضنا للحرب على سوريا ومشاهدها الأخيرة …. .
انها سنوات من الحرب المباشرة سبقتها مثيلاتها من الحرب غير المباشرة ، انها حرب الإرهاب على الوطن السوري ، يحق لنا إن نحن تحدثنا عنها أن نصادر من ذاكرة التاريخ بعضاً من مفرداته . إنه الإرهاب الذي تنكر بدايةً ببدلة وقبعة تشي غيفارا وبندقيته وشعاراته .. الإرهاب الذي بدأ ربيع سوريا يجرده من أدوات تنكره ، فمرةً من أغصان الزيتون والريحان ومرةً من شعار ” يا الله ما النا غيرك يا الله ” ، لتتساقط الأقنعة تباعاً ولتفترش الأرض أقنعة برنارد هنري ليفي وعزمي بشارة و روبرت فورد وبرهان غليون والسيدا وطعمة والجربا والحمدين القطريين وجزيرتهما وأبو متعب وسعوده وبندره وأعرابيته وأردوغان وأغلووه .. والقائمة تطول .. وتطول .. وتطول . لعبت القيادة السورية على عامل الزمن وأثبتت أنها خير من يتقن ذلك ، حتى بات ” الربيع الثائر ” عارياً تماماً ،، لتكون صدمة الواقع وأهل الواقع بأن ما خاله البعض ربيعاً ثائراً ما هو سوى ثعبانٌ من فصيلة الهيدرا متعدد الرؤوس ، و نحن لا نتحدث هنا عن الحيوان المائي الصغير الحجم متعدد الرؤوس ، وإنما عن ثعبان الهيدرا الذي أتحتفنا به الميثولوجيا الإغريقية ، هذا الحيوان الذي أدمن شرب الدماء السورية وإستطاب مذاق قلوب السوريين وأكبادهم وإنتشى عشرات الآلاف من المرات مع كل روحٍ أزهقها ….
والهيدرا حسب أساطير الإغريق له رؤوس قد تصل إلى عشرة ، يقاوم من خلالها الموت إلى ما لا نهاية ، فكلما قطعت له رأساً برز رأسٌ آخر أو رأسين بقدرةٍ شيطانية لا قدرة للبشر على التصدي لها . و في إستعارة بريئة من أصدقائنا الإغريق أقول أنا .. أنه في بلادنا وحسب مراكز البحث المخابراتي والعسكري وإن نحن إعتبرنا أن كل خلية إرهابية تشكل رأساً من رؤوسه السامة فإن أعداد رؤوسه قد يفوق الألف رأس ومرةً أخرى .. كلما قطع له رأس برز له رأسٌ أو رأسان بديلان مكتملي التوحش ، تخيلوا جيشاً يحارب وحشاً على هذه الشاكلة . لا بد لهذا الجيش أن يكون مغواراً باسلاً ومقدام ، صاحب بأسٍ وشجاعةٍ وقوةٍ بلا حدود . و إن نحن حاولنا تبسيط الأمر لخرجنا بنتيجة تقول أنه ليس علينا أن نبحث في من يغذي الرؤوس ويعطيها ترياق الحياة كي تنمو بديلاتها في حال قطعت ، فقد بات واضحاً حتى لكل أعمى بصر و بصيرة بأن قلب الثعبان هو صهيوني الهوى و الإنتماء و الأهداف . و أما بشكل ظاهري وأساسي على الأرض فإن ثعبان الهيدرا الإرهابي الذي يهاجم الوطن السوري هو بثلاثة رؤوس رئيسية ” قتله داعش ، وسفاحي جبهة النصرة ، وكفرة وخونة ما يسمى بالجيش الحر ” .. لكنه يمتلك إلى جانب رؤوسه الثلاث مئات المخالب .. ” باقي الألوية والكتائب المتأسلمة الأسماء والألقاب والكافرة قولاً وسلوكاً وهدفاً ” .. .
يتساءل البعض في هذه الأيام عن سر صمود القيادة السورية ومحور الممانعة والمقاومة وثبات الرئيس الأسد وتحطيمه لكل نظريات التنحي ورميه لكل تصريحات و عناوين ” الأيام المعدودة ” التي فقأت أعيننا على صفحات وشاشات إعلام العدو على مدار عامين ونصف في مجاري الصرف الصحي السورية ، يتساءل آخرون عن أرضية وأساسات الإندفاعة القوية للجيش السوري وإنجازاته اليومية في أرياف ديمشق وحلب وحمص والقامشلي بشكل خاص ومؤخراً في بلدة قارة إستعداداً للإنتصار القلموني ؟؟
يسعدني هنا أن أقرأ الرسائل المتتالية التي تبعث بها خطوط التماس بين جيش كريات الدم البيضاء المدافعة عن الجسد السوري و التي ترتدي البدلة المموهة وبين بؤر الجراثيم التي تتلطى وتختبئ بين جنباته فتهاجم بعض أعضائه وتحاول بتر بعضها الآخر. إنها معركة الدفاع عن وجود الأمة السورية وفي معارك الوجود تكسر الأغلال و القيود ويصل البارود والرصاص إلى ما وراء الحدود ، وما التفجير الإنتحاري الكافر الأخير الذي إستهدف السفارة الإيرانية في بيروت سوى إحدى رسائل القلب الصهيوني الآثم الذي يغذي جسد ورؤوس هذا الثعبان . إنها معركة الوطن الكبرى في عصره الحديث ، وغني عن القول أن المعارك الكبرى لا يقودها الصغار وأن التسويات والمعاهدات والإتفاقيات الكبرى التي تلي تلك المعارك يضع عناوينها و يرسم لوحاتها القادة الكبار والعمالقة ولا مكان أو رأي للأقزام في تفاصيل أوانها وتطبيقها . ولهذا نقول أن لا مكان فعلي على خارطة سوريا الغد لشراذم المعارضة الخارجية التي إنحنت وركعت وسجدت وإنبطحت وزحفت ولعقت مؤخرات أسيادها وصانعيها للوصول إلى أوهام المناصب وكراسي الحكم على حساب حاضر الوطن ومستقبله ودماء أبنائه … .
لقد باتت قاعدة معرفية معلومة للجميع أن تنظيم القاعدة هو منتج قديم حديث للإستخبارات الأمريكية بمشاركة إستخبارات ” إسرائيل ” و آل سعود ، هذه حقيقة لا يجادل بها سوى الجهلة ، سيما أن من قام بتركيب وصناعة وتربية ثعبان الهيدرا القاعدي إعترف بالأمر على لسان أرفع المسؤولين ، كلنا يذكر في هذا المجال هيلاري كلينتون وجلسة الكونجرس . بات معلوماً اليوم أيضاً أن القاعدة في سوريا تحديداً هي الذراع الإرهابية السعودية في وجه الجيش السوري والدولة السورية ، وهي تقوم بإيعازٍ من ولاة أمرها من صهاينة تل أبيب بتحويل بوصلة الجهاد نحو سورية وحرفها عن الأراضي الفلسطينية المحتلة ، و التاريخ ” النضالي ” للقاعدة ينبئنا بأنه لم يتعرف يوماً على جهادي خليجي واحد توجه بحزامه الإسلامي الجهادي الناسف ليفتت جسده ويجرح بعضاً من جنود الإحتلال أو يكسر نافذة منزل أحد المستوطنين … .
أولى المؤشرات لتخلي بعض حكومات الغرب عن تغذية ورعاية ثعبان الهيدرا ، كانت التموضع الجديد لبعض الدول و القوى والإتفاقات المعلنة ،، والأهم ،، الغير معلنة ،، بين أجهزة مخابراتها والقوى الأمنية السورية . قد يتساءل أحدكم هنا كيف لنا أن نكون واثقين أن هناك إتفاقات إضافية وغير معلنة بين الجانبين .. ؟؟ ، أقول أننا وبإستخدام المنطق لن تعيينا الوسيلة لتلمس مؤشراتها ، والمنطق يقول هنا بأن كل الأحداث أو الملفات باتت مرتبطة ببعضها وليس يفصلها عن المركز أي فاصل ، ولهذا فإن التسويات سوف تكون بلا أدنى شك ليس على مستوى المنطقة وانما على مستوى العالم ، ليس مدهشاً هنا أن تتكرر عبارة تقول أن سوريا ترسم ملامح النظام العالمي الجديد . من المؤشرات القوية أيضاً المعلومات التي تناقلتها عديد الصحف الأوربية والتي أفصح عنها الرئيس الأسد فيما يخص إتصالات بين أجهزة مخابرات عدة دول أوربية مع الأجهزة الأمنية السورية . والدافع الرئيس هو عنوانٌ عريض لكنه مخيف وكابوسي للغرب ، تقول مفرداته أن الإرهابي الذي يحمل جنسية دولة أوربية ما ، كان ساعة إرتحاله نحو أرض الجهاد مسلماً متزمتاً لديه إستعداد للعنف وحسب . لكن مراكز الأبحاث و نتائج دراسات أجهزة مخابرات تلك الدول تخلص إلى أن ذات الشخص سوف يعود إلى تلك الدولة أو تلك بصفة إرهابي متمرس وقد تحول إلى مرتبة سفاح ،، ولا عجب ، فهو وبعد أن مارس فعل القتل والنهب والإغتصاب والذبح على مدار عام أو عامين أو أكثر على الأرض السورية .. لن يكون من السهل إعادة برمجة عقله لدمجه مرةً أخرى في المجتمع الأوروبي الذي غادره . وتجربة الأجهزة الأمنية الغربية الواسعة .. تشي بأن حالات كهذه هي حالات ميؤوس منها ولا أمل في شفائها وإعادة تأهيلها ودمجها في المجتمع . يذكر هنا أن التلفزيون الهولندي على سبيل المثال لا الحصر أفاد بإعتقال قوات الأمن الهولندية لخمسة عشر شاباً ممن عادوا من رحلة الجهاد على الأرض السورية ، فتم فرزهم إلى مجموعتان حيث أودع معظمهم في السجن وتم الحجر على باقي المجموعة في مراكز لإعادة التأهيل والعلاج النفسي إلى أجلٍ غير مسمى !! … .
بإختصار نقول أن أهم عناوين ما قبل و ما بعد جنيف 2 أن هناك قرارٌ عالمي شذت عن إجماعه بعض الأنظمة الصهيونية اليهودية والعثمانية والأعرابية ، قرارٌ قد إتخذ ليعلن سوريا مقبرةً للإرهاب وأن الجيش السوري يقوم اليوم بالتصدي للكفر الجهادي بقطع رؤوس الثعبان الإرهابي وإنتزاع قلبه وخلع مخالبه نيابةً عن تلك الدول مجتمعة … .
وأن هذا الجيش المتمرس والعنيد إنتقل منذ زمن من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم وبات يوجه لخصمه ” الثعباني المتعدد الرؤوس ” ضربات قاصمة للظهر ولكماتٍ أدمت وجهه وأصابته بحالة من الجنون و الصدمة والذعر و الدوار و عدم القدرة على السيطرة أو الحركة ، فبات يلوح بشكل عشوائي هستيري برؤوسه الثلاث ” قتلة داعش و كفرة جبهة النصرة وخونة ما يسمى بالجيش الحر ” ، الرؤوس التي باتت تتلاطم بدورها ليسيل السم الزعاف من أنيابها ، على شكل سواطير وخناجر تطعن خلايا بعضها البعض تارةً ، أو قذائف هاون تمطر بعض أحياء دمشق إنتقاماً من صمود أهلها وعمق تجذرهم بأرض الياسمين كالجبال القاسيونية الشامخة أو حصاره الخانق لبعض أحياء حلب وإغلاق المعابر التي لا زالت تحت سيطرت إرهابه ، وأخيراً تفجيري بيروت الإنتحاريين اللذين كانا نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لزيارة ميشيل سليمان لمضارب آل سعود ، ورداً مباشراً على خطابي التحدي والحسم للزعيم المقاوم حسن نصر الله . لم أكن يوماً مع شعار ربع الساعة الأخيرة كما أنا اليوم ، إنها إرتعاشات وجنون ما قبل الموت . تجمع في هذا الخصوص كل المؤشرات على سقوط ثعبان الهيدرا في الكمائن التي نصبها له حلف المقاومة ، لنا أن نترقب في الأيام القليلة القادمة إستكمال ما أنجز في القصير ساعة إنتهاء بواسل الجيش السوري ومقاومي حزب الله تطهير وتعقيم وتحييد الحدود السورية اللبنانية إلى غير رجعة .. هي مهمةٌ لن يعيقها تفجيرٌ إنتحاري كافر هنا أو هناك … .
لقد قدم جيشنا الباسل أجمل زهور حدائقه وما زال يقدم كل يوم بعضاً من وروده و قامات سنديان بساتينه المعطاءة كرمى لعيون الوطن . مع هكذا جيش .. لا خوف على سوريا المستقبل ، كنا في الأمس القريب نتلهف لسماع تحقيق إنجازٍ عسكري ما ، الإنجازات و الإنتصارات العسكرية البطولية لبواسل سوريا وأسودها باتت في هذه الأيام .. تجالس قهوتنا الصباحية .. تتدثر خبزنا اليومي .. تؤنس مساءاتنا ، وتحارب اليأس في نفوس بعضنا .. كان الرب مع جنود الرب ، الرب الجامع الذي لا تقف في وجه جيشه ألويةٌ صهيونية الجوهر متأسلمة الأسماء والألقاب .. دعونا نصغي لوقع خطى أقدامهم فهي التي ترسم الخارطة وهي التي تحدد إتجاه البوصلة .. لمن قد يسأل ،، كيف أو متى يلقى الهيدرا حتفه نقول : ما ينجزه أسود الجيش السوري هذه الأيام وما سيتم إستكماله في قادمات الأيام ، ماهو سوى عملية قطعٍ لرؤوس الهيدرا وإنتزاعٌ لقلبه الآثم ،، ليسقط الوحش صريعاً جثةً هامدة دون جديد قيامة .. المجد لسوريا ،، أرضها وشعبها وجيشها وقيادتها .
سيريان تلغراف | نمير سعد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)