تحقيقات وتقارير

“صار بدّا بسكليت” !!

لأن وسائل النقل الجماعي أذاقتهم الأمرّين..
سوريون على دراجات هوائية: “صار بدا بسكليت”

لا يجد المواطن السوري، أمام الظروف التي يتعرّض لها، حرجاً من اختراع طرق وأساليب حياة جديدة تساعده على التخفيف من حدّة الواقع المرّ، وتجاوز الآثار السلبية الناتجة عن الأزمة التي تمرّ بها سورية منذ سنتين ونصف، وأهم ما يشغل تفكيره أزمة المواصلات والتنقل، ولاسيما في العاصمة دمشق، فبادر بعضهم إلى إيجاد حلول بديلة، إمّا في التنقل على الأقدام للمسافات القصيرة، وإما في ركوب الدراجات الهوائية، والتشجيع على اقتنائها، وتجاوز ذلك نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فأطلقوا صفحات لتشجيع الناس على ركوب الدراجات الهوائية “بدي صير بسكليتاتي وطلع الميكرو من حياتي”، أو حملات لإقناع الفتيات باقتناء الدراجة وممارستها حلاً لمشكلة الازدحام والتأخير وأجور التكاسي المرتفعة، مثل صفحة “صار بدها بسكليت”.

ريم-فرج

إقناع الأهل..

بين نظرة المجتمع إلى قيادة الفتاة الدراجة الهوائية، ونظرة الأهل، تحدثت رنيم (طالبة في كلية الهندسة) عن تجربتها: في البداية، واجهت صعوبة في إقناع أهلي بالفكرة؛ إذ انتقدوها بشدّة، معتبرين أنّها غير مقبولة في المجتمع، لكنّني تمكّنت من إقناعهم بحاجتي إليها وسط صعوبة التنقل في الظرف الحالي، رافضة اعتبار بعضهم ركوب فتاة دراجة هوائية نوعاً من الإغراء؛ إذ لا فرق بين الشاب والفتاة، وما من سبب أخلاقيّ أو ديني يمنع ذلك مادامت غاية الفتاة تسهيل نمط حياتها، وحلّ مشكلاتٍ تواجهها يومياً.

تقبل الناس للفكرة كان إيجابياً، ذلك أنّها لم تتعرّض لمواقف محرجة، أو رافضة، إنما بشيء من الاستغراب، حسب رنيم، التي توضح أنّ بعضاً من نظرات الاستغراب والدهشة كانت تلاحقها، ولكن دون أيّ مضايقات، مبدية معرفتها بأنّ الكثيرين يؤيّدون الفكرة ضمنياً، لكنهم يخشون التصريح بذلك، إلا أن المسألة، مع ذلك، تحتاج إلى بعض الوقت، لتكون مقبولة بين جميع شرائح المجتمع.

وتعتبر رنيم أنّ قلة الثقة بالنفس هو ما يدفع الفتيات إلى تحاشي فكرة استخدام الدراجة الهوائية، داعية إياهنّ إلى الاعتماد على النفس، وتحمّل المسؤولية في الدفاع عن أنفسهنّ تجاه أيّ انتقاد، أو اعتراض على استخدامهن للدراجة.

رنيم ليست الوحيدة التي بادرت إلى اقتناء دراجة هوائية، فكثر هنّ الفتيات اللائي وجدنها الطريقة المثالية لحلّ مشكلة التنقل، فبالنسبة إلى سوسن كانت ردّة فعل الناس إيجابية: “شجعوني على هذه الخطوة، وحرصت على السير على جانبي الطريق، ولم أسر بطريقة مخالفة للسير، وكانت بالفعل تجربة رائعة”، إلا أنّ تغريد (26 عاماً) ترى أنّ ركوب الدراجة الهوائية لفتاة ترتدي حجاباً مسألة أصعب؛ لأنّ المجتمع لن يتركها دون نظرات استهجان، أو كلمات استياء.

لاستخدام الدراجة العديد من الفوائد..

يقول محمد (30 عاماً): جميل جداً أن تنتشر مثل هذه الثقافة في بلدنا، ويكفي أنّنا نسهم في التخفيف من التلوث الهوائي بعوادم السيارات، وبالتالي هذا مفيد جداً لصحّتنا، ومن وجهة نظري الذي يمنع فتاة من قيادة الدراجة هو مثل السعودي الذي يمنع قيادة المرأة للسيارة.

ويقول سمير (21 عاماً): أنا أستخدم الدراجة الهوائية للذهاب إلى الجامعة، وأشجع هذه الخطوة، وليس من المعيب ذلك، خاصة للفتيات، فأنا أشجعهنَّ على ذلك، وقيادة الدراجة ثقافة وأخلاق.

ريما (39 عاماً) تقول: إني أقود الدراجة منذ فترة، وليس في ذلك عيب، أو فعل خاطئ، حتى أهلي شجعوني على هذه الخطوة، وأصبحت أعود إلى البيت وأنا أشعر بالراحة، فلا حاجة إلى أن أركض وراء السرفيس، وأدفع كلّ مصروفي على التكسي، وهكذا أضمن صحتي ومصروفي ووقتي.

مجرّد ذرائع..

الناشط بسام القاضي يشجّع فكرة استخدام الدراجة الهوائية، على اعتبار أنّها عملية وبسيطة وصديقة للبيئة وآمنة، ذلك أنّه أوّل من شجع واستخدم الدراجة الهوائية بعد الازدحام الكبير الذي تشهده المدينة، وفقدان وسائل النقل التي كانت متوافرة سابقاً.

ويبيّن القاضي أنّ قرار الدولة، قبل الأزمة، بمنع استخدام الدراجة الهوائية ليس حكيماً، خاصة أنّ الأسباب والذرائع التي تتحدّث عن ذلك المنع ليست مقنعة، بل على العكس لها دلائل على أنّ الدولة تعتبر الدراجة الهوائية لا تعكس الوجه الحضاري للمجتمع السوري، متجاهلة أنّ أكبر دول العالم تشجع استخدامها، لما فيها من فوائد صحية وبيئية. أما ذريعة منع ركوب الدراجة الهوائية لأسباب أمنية، فلا تقارن بما قد تسبّبه السيارات من خراب وتشويه للوجه الحضاري، من خلال ما تتركه من آثار دخان وتشويه بصري من جهة، وتفجيرات في وسط المدن السورية من جهة أخرى، والحوادث التي من الممكن أن تسببها الدراجة الهوائية لا تقارن بخطورة ما تسببه حادثة اصطدام سيارة بأخرى، وحول عدم توافر مسارب خاصة للدرجات الهوائية يشير القاضي إلى أنّ 90 % من دول العالم من مستخدمي الدراجة الهوائية لا تملك تلك المسارب من باب أنّه عندما تصبح الأمور عادية تختفي العوائق والمشكلات.

تحتاج إلى بعض الوقت..

إحدى المشرفات على صفحة “صار بدها بسكليت” على شبكة فيسبوك، تقول: عائق استخدام الفتيات للدراجة الهوائية هو العادات الاجتماعية التي كانت سبباً في منعها وابنتها من اقتناء الدراجة، مشيرة إلى أنّ تقبل الفكرة يتزايد يوماً بعد الآخر، وأنّ المسألة تحتاج إلى بعض الوقت لمواجهة التفكير الشرقي البالي، وتجاوز وتخطي كلّ هذه العوائق، حيث ستقتني دراجة هوائية إذا لزم الأمر، ولاقت صفحة “صار بدها بسكليت”، التي أطلقها طالب هندسة العمارة عبد المجيد رحمان، قبولاً كبيراً لدى شريحة واسعة من المجتمع السوري؛ إذ وصل عدد المشتركين إلى 55 ألف مشترك خلال سنة ونصف السنة، الأمر الذي يعكس الإقبال الكبير على اعتماد الدراجة الهوائية كوسيلة نقل.

ويؤكّد عبد المجيد القبول الكبير الذي لاحظه عبر صفحته لمسألة اقتناء الفتيات الدراجات الهوائية، لافتاً إلى أنّ الدراجة بشكل عام أصبحت محط اهتمام كثير من السوريين الذين وجدوا فيها وسيلة لتخفيف معاناتهم اليومية في التنقل وسط شوارع دمشق.

الواقع أفضل..

يتحدّث عبد المجيد عن تجربته مع الدراجة الهوائية، التي خففت عنه عناء انتظار مقعد في ميكرو يتدافع عليه العشرات، في حين يصل ممتلئاً على الأغلب، فمع الدراجة أصبح يجتاز طريقه في أقلّ من نصف ساعة، بسبب قدرته على اختيار الطرقات غير المزدحمة، وإمكانيّة المرور بدراجته من بين عشرات السيارات، ما يجعله يصل إلى جامعته «مرتاحاً ممارساً لرياضته الصباحية مفعماً بالنشاط الذي يتطلّبه استيعاب محاضراته”، إلا أنّ ما ينغص على عبد المجيد وسواه، ممّن يقتنون الدراجة الهوائية، ما وصفه بالمزاجية التي يتصرّف بها رجال شرطة المرور، أو القائمون على حواجز التفتيش، حيث يهدّدون بمصادرة الدراجات، رغم أنّ قرار المحافظة نصّ على منع استخدام الدراجات الكهربائية وليس الهوائية، ويشير عبد المجيد إلى أنّه تعرّض لغرامة مرّتين، رغم أنّه لم يكن مخالفاً، إلا أنّه يعود فيذكّر بأنّ الوضع الآن أصبح أفضل ممّا كان عليه، حيث بدأت هذه المشكلات تتلاشى أمام تفاقم مشكلة المواصلات.

“بدي صير بسكليتاتي”

هذه القرارات لم تثنِ الشباب السوري، خاصة الطلاب، عن إطلاق حملة تشجّع ركوب الدراجات الهوائية، تحت شعار “بدي صير بسكليتاتي وشيل الميكرو من حياتي”، التي تهدف ـ حسب المشرفين عليها ـ إلى دعم نظافة البيئة، وحلّ مشكلات الطلاب، والمطالبة بدعم الحكومة للدراجة الهوائية كوسيلة تنقل في شوارع دمشق، في ظلّ الظروف التي فرضتها الأزمة، والتوقف عن المزاجية في التعامل مع مقتنيها، سواء من خلال مصادرتها أم فرض غرامات على أصحابها، وامتلأت شوارع دمشق بالدراجات الهوائية ولوحظ تزايد عدد الفتيات اللواتي استخدمنها، وتعاون رجال شرطة المرور والقائمون على حواجز التفتيش مع راكبي الدراجات.

نشاط اقتصادي..

في الآونة الأخيرة، نشط سوق الدراجات الهوائية، وارتفع سعر الدراجة العادية من نحو أربعة آلاف ليرة سورية إلى مابين 10-20 ألف ليرة، وهو ما يعتبره الطلاب وسواهم، أيضاً، من العوائق التي تواجههم، لكن كثيرين يقولون إنّه أمام توفير الوقت والمال الذي سيحصلون عليه باقتنائها فإنّ سعرها لا يعتبر مشكلة كبيرة.

عرف السبب!!

لا ينفكّ المواطن يبحث عن طرق يتعايش من خلالها مع الأزمة التي ألمّت به ودفعته إلى ابتكار الخيارات التي تساعده على حلّ مشكلاته، أو على الأقل تبسيطها، وفي ظلّ هذا فإنّ الحكومة مطالبة بدعم هذه الأنماط من الحلول بما يكفل للمواطن حياة أسهل، ويحافظ، في الوقت نفسه، على حياته وأمنه.

وكانت منعت وزارة الداخلية عام 2011 استخدام الدراجات الآلية بكلّ أنواعها داخل مراكز مدن المحافظات، والتجوال فيها، وأمرت بحجز كلّ دراجة مخالفة، وتوقيف صاحبها ضمن الأنظمة والقوانين، وذلك لأسباب أمنية، كما منع فرع مرور دمشق استخدام الدراجات الهوائية داخل مدينة دمشق لأسباب أمنية، وأكّد أنه في حال تمّ ضبط دراجة هوائية داخل المدينة من عناصر شرطة المرور، يتمّ تنظيم مخالفة بحقّ راكبها بقيمة 260 ليرة سورية، أو يتمّ حجزها حتى يدفع المخالفة، وفي الأرياف سمحت الوزارة حينها بتجوال الدراجات الآلية النظامية فقط على أن يتمّ حجز أيّ دراجة غير نظامية، وتوقيف صاحبها ضمن الأنظمة والقوانين، وكشف مصدر في فرع مرور دمشق أنّه تمّ منع استخدام الدراجات الهوائية داخل مدينة دمشق لأسباب أمنية، وأضاف المصدر أنّه في حال تمّ ضبط دراجة هوائية داخل المدينة من قبل عناصر شرطة المرور يتمّ تنظيم مخالفة بصاحبها.

شوارع وممرات

“الدراجة الهوائية مصدر خطر لأنها تسير عكس السير، وتتجاوز إشارات المرور، إضافة إلى أنّها أسهمت في حدوث حوادث إجرامية”.. هذه إحدى الذرائع التي تضعها الجهات المعنية  مبرراً لمنع الدراجة الآلية، لكن عضو المكتب التنفيذي للنقل في محافظة دمشق، هيثم ميداني، يقول: إنّ محافظة دمشق، بعد انتشار استخدام المواطنيين للدراجة الهوائية عملت على تشكيل لجنة للبحث في السماح بالموضوع، لكن ضمن شروط معينة، وفي حال تمت الموافقة على هذه الشروط، سيتم السماح بدخول الدراجات الهوائية إلى شوارع المدينة، مشيراً إلى أنّ الفكرة ممنوعة حالياً، وسيتم مخالفة كلّ من يستخدم الدراجة الهوائية مهما كانت الأسباب، ريثما تتم الموافقة على ذلك، وحول صلاحية الطرق في البلاد لاستخدام الدراجات الهوائية، أكد ميداني أن محافظة دمشق كانت قبل الأزمة في صدد دراسة مشروع إنشاء مسارب خاصة في الطرقات لاستخدام الدراجات الهوائية إلا أنّ الأوضاع حالت دون ذلك.

فوائد الدراجة الهوائية
ركوب الدراجة:
ـ يساعد في المحافظة على صحة القلب والشرايين؛ إذ وجدت بعض الدراسات أنّ الأشخاص الذين يركبون الدراجات الهوائية، بشكل يومي أو شبة يومي، أقلّ عرضة للإصابة بأمراض القلب والشرايين بنسبة 50 %، وخصوصاً مشكلات الشريان التاجي، وكذلك تزيد من لياقة عضلة القلب بنسبة 3 % ـ 7 %.
ـ يحرق عدداً كبيراً من السعرات الحرارية، فقيادتها لمدة ساعة بسرعة متوسطة تحرق 300 سعرة حرارية، و الكثير من الدهون.
ـ يقوي عضلات الساق والفخذ، كما يعمل على تحسين أداء العضلة وزيادة مرونتها، بالإضافة إلى أنها مهمة أيضاً لصحة العظام والمفاصل في الجزء السفلي من الجسم.
ـ تحسن قيادة الدراجة الهوائية عمل الرئة، والقدرة على التنفس بطريقة صحيحة.

سيريان تلغراف | ريم فرج – بلدنا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock