بديهيات من رحم الحقيقة السورية .. نتاج العقل والمنطق والواقع .. بقلم نمير سعد
لا تستغربوا إن بدأت مقالتي بإعادة التذكير ببعض البديهيات المنطقية السياسية والعسكرية التي تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بالحرب عل سوريا ، فالبداهة هي الباب العريض الذي نلج منه لنضع أقدامنا على أول سلالم الحقيقة ، لكنها ساعتئذٍ البداهة التي يحتضنها العقل أولاً و تخضع فيه لفحوص المنطق فإن هي نجحت شيدت لنفسها هيكلاً من الواقع و أساساً من الشواهد وجدراناً من الإثباتات وأسقفاً من الاستنتاجات ليكتمل بناءٌ لنا أن نسميه حينها بناء الحقيقة . من يقبل أن يجالسنا في صالات هكذا بناء جالسناه وأبحرنا معه في محيط الأسئلة والأسئلة المضادة ، و حاججناه وناقشناه واحتكمنا وإياه إلى قاضي قضاة البداهة وإلا فله أن ينحو غير منحانا ويبتغي غير مبتغانا بعيداً عن ولاءاتنا واهتماماتنا وآمالنا وطموحاتنا و أقوالنا وأفعالنا وأهدافنا ، تلك التي تدور جميعها في فلك الوطن ، ولنبدأ من البداية . تقول البداهة فيما تقول أن هذا الوطن السوري قد بات بحق قلب العالم وخطه الاستوائي ومركز ثقله وتوازناته لقادمات العقود وربما القرون ، قد بات أيضاً وفي ذات الوقت فوهة بركانه الآيل للثوران في أية لحظة ، وزلزاله الذي لم ولن تقف تشققاته وأخاديده عند الحدود السورية ، هذه بديهية تجاوزت اختبارات عدة واكتسبت صفة الحقيقة المطلقة .. . قد بات بديهياً أيضاً أن ما بدء به معسكر أعداء سوريا منذ ما قبل عامين ونصف وعلى مدار عمر الأزمة كان حرباً مباشرة لا لبس فيها ولا غموض ، حربٌ أراد لها صناعها وممولوها و أجراؤها و منفذوها ، أن تحرق الوطن السوري ولا تبقي منه سوى أطلال ما كان . لا شك هنا أن العته والتيه والخرف هي أمراض من لا يزال يجرؤ على الحديث عن ثورات وحركات تحررية ومطالبات شعبية ، وحال اعتقاد أولئك هو أقرب إلى البلاهة منه إلى البداهة ، – ليس أمراً مستحباً على الإطلاق أن يوسم شخص أنه يؤمن بالبلاهة – !! ..
يحق لنا ساعة نتحدث عن هؤلاء أن نتساءل .. هل ثمة من ما زال يجرؤ حقيقةً على الحديث عن ثورات ؟؟ ، أعلم أن الجواب هو بالإيجاب ،، فسحناتهم تطالعنا صباح مساء من خلال نوافذ وأبواب شوارع الأضواء الحمر التي يتعرى الإعلام وراءها بشكلٍ داعر ومخزٍ ومهين للعقل البشري ، بات معلوماً أيضاً أن أهم بائعات الهوى والشرف الإعلامي في ذلك الشارع هي جزيرة قطر وعبرية أبو متعب . من بديهيات عالم الثورات أن الثورة عندما تكون عفوية ، و عناصر قوتها محلية الصنع ، و مركزها في شوارعها و ساحاتها ، و محركها هو الشعب الذي ينتمي لتيارٍ واحد هو تيار عشق الوطن قبل كل شيء ، و ولادتها من رحم الأرض ، فإنها غالباً ما تنجح في تحقيق بعض أهدافها بطريقة يكون الحرص فيها على الوطن و أبناء الوطن هو الهاجس الأكبر والهم الأوحد ، لتكون بريئة من تهمة الخيانة أو العمالة ، على عكس تلك التي تدار من الخارج و تمول بأمواله القذرة ، فتفقد عذريتها مع أول عابر سبيل ثم تتالى مغامراتها فتغدو كالمومس ، و تصمها تهم تصبح مع الأدلة و الإثباتات إدانات واضحة و دامغة كالثورة الغبية و الحمقاء و الخائنة و العميلة و الفاسقة و الكافرة و الماجنة ، كل ما سبق و ذكرنا ما هو سوى ما يسمى مجازاً ” الثورة السورية ” … . هذه الحقيقة التي كانت حتى الأمس القريب مثار جدال و نقاش برأي بعض الأفرقاء . إنها الحرب التي شنت على سوريا منذ ما قبل ولادة الفعل الحرام ” المسمى ربيع ” نتاج الخطيئة والزنى بين الصهاينة الذين يجمعهم الانتماء الأعرابي أو العثماني .. رعاة الإبل وباشوات أنقرة من جهة وبين الصهاينة المتعددي الجنسيات من جهة أخرى … .
تقول البداهة فيما تقول .. أن المغيب أو الغائب مع سبق الإصرار والعلم والقناعة عن ساحة القرار أو عنوان جنيف 2 هم من لا قرار لهم ، فالفريق الفاعل والأهم أثبت حضوره خلافاً لكائنات بادية نجد والحجاز وملحقاتها وتوابعها من رجالات المعارضة السورية الخارجية التي لا يضيرها المضي قدماً في خدمة أسيادها لتحويل المعركة في سوريا إلى داحس وغبراء القرن الواحد والعشرين ، ولا يخجلها عدم اكتراثها للتكلفة البشرية و المادية التي يدفعها من يفترض أنهم ” إخوةٌ في المواطنة ” ، و لا يحرجها لهاثها في سباق مجاراة جنون الإرهاب الديناصوري .. قصير العباءة ، حليق الشارب ، طليق اللحية ، الذي نرى معظم الكل يدعمه قولاً وفعلاً وتمويلاً وتسليحاً ، فيما بعض هذا الكل يرفضه في العلن لنراه يغض الطرف عن مجازره ويمتنع عن مجرد إدانتها ، ولا يشينها أخيراً لا مبالاتها بالتهديد الحقيقي الذي قد ينال من الشعب السوري في حاضره ومستقبله ووجوده . تسعف الحقيقة المبنية على تلك البديهيات عقولنا بعبارة واحدة إذ تقول : … لا غرابة . فحال أولئك الأعراب من حال أبناء عمومتهم ، و لا فرق يذكر هنا بين آل صهيون وآل سعود أو آل ثاني أو خليفة أو صباح ، ففصيلة الدم واحدة والانتماء واحد والنوايا واحدة والأهداف واحدة و محاولة تدمير سوريا خير دليل على تطابق تلك الأهداف … .
إنها بعبارة أخرى مرحلة متقدمة في مسار الحرب على سوريا ، فديناصور ” إسلام داعش وجبهة النصرة ” بات يشكل العنوان العالمي الإرهاب ، الإرهاب الذي باتت سوريا حسب عدة مراكز بحثية مركزه الرئيس ومعقله الأول ومنطلقه الافتراضي نحو غير بلدان .. وجب والحالة هذه خنق هذا الديناصور على الأرض السورية بهمة بواسل الجيش السوري البطل ، وهذا ما يتم بخطوات متسارعة تنبأ عنها تفاصيل معارك أرياف دمشق وحلب واللاذقية .. هذه أيضاً باتت حقيقة تريح البعض ممن يناسبه التخلص من الإرهابيين الذين غادروا دياره والتأكد من عدم عودتهم برتبة سفاحين يمارسون الجهاد على أرضه ، ذات الحقيقة باتت تؤرق البعض الآخر وتقض مضجعه ، وهو من استنفر إعلامه المرئي والمقروء ، وسخر ملياراته في تجييش وتحريض وتجنيد وتسليح العصابات الديناصورية الإرهابية في محاولةٍ منه لتحقيق هدف إسقاط الدولة السورية .. وهو الهدف الذي تصر الحقيقة على كشف استحالة تحقيقه من خلال لوحة الميدان على معظم جبهات القتال … .
من البديهيات التي أدعوكم لفرد صالات عقولكم ووعيكم لها ، وحجز الأرائك الوثيرة لاحتضانها ، أن جنيف 2 وموعده المأمول هو تحصيل حاصل ، وأن ما يجري الإعداد له منذ أسابيع هو في واقع الأمر روح ونبض جنيف 2 ، وأن كل الشكليات والاعتراضات والاحتجاجات والمباحثات والمداولات .. و ” الانسحابات المستقبلية المحتملة ” ، لهذا الفريق أو ذاك من أزلام وأجراء بني الآلات الوهابية ما هي سوى مشاهد ثانوية من حكاية أو رواية تمت كتابتها بدقة وذكاء وحنكة ، الرواية التي ذيلها الفريق الفاعل بتوقيعه .. وبشكل خاص الحلف الثلاثي السوري الروسي الإيراني إضافةً لحزب الله المقاوم . لا تكترثوا لكل من يعلو صوته بالصراخ والجعير ، ولا تلقوا بالاً للأفاعي التي لا تزال تسمعنا فحيحها وتنفث سمومها ، لأن أنيابها قد اقتلعت ، ولأن سمومها شارفت على النفاذ ، ولأن الوهن والضعف والإعياء أصاب جسدها . الحقيقة التي تنطق اليوم بالحق تقول أيضاً أن القيادة السورية كما أجادت في زمن الراحل حافظ الأسد اللعب على عامل الزمن ، كذلك تفعل اليوم في زمن الرئيس بشار الأسد . الخسائر كبيرة .. نعم .. لكنها أخف وأقل خطراً من خسارة الوطن السوري بأكمله .. الوطن الذي لن يعجز شعبه عن إصلاح ما تم تخريبه وإعادة إعمار ما تم تدميره .. الأهم هو الوطن .. والوطن اليوم يسير بثلاثيته الرائعة نحو تأريخ قيامة جديدة لسوريا العزيمة والعظيمة .. .
سيريان تلغراف | نمير سعد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)