حتى لا ندفع الثمن مرتين .. بقلم إبراهيم أبراش
هل مكتوب على الشعب الفلسطينيين أن يدفع دائما من دمه وكرامته وحقوقه الوطنية ثمن الاحتلال وسلوكياته، وثمن أخطاء وارتجالية عمل النخب السياسية الفلسطينية ؟ إلى متى سيبقى الشعب الفلسطيني يدفع ثمن تصحيح النخب السياسية لأخطائها بخطايا أكبر : يدفع ثمن خطأ ممارسة المقاومة بشكل ارتجالي و دون إستراتيجية وطنية ، وثمن خطيئة توقف المقاومة بهدنة أو بتسوية سياسية؟ لماذا يدفع الشعب الفلسطيني ثمن خطأ مفاوضات عبثية استمرت لعقدين من الزمن ،ويدفع الثمن عندما تتوقف المفاوضات ويستمر الاستيطان ،ثم يدفع ثمن خطيئة عودة المفاوضات مع استمرار الاستيطان والتهويد ؟. لماذا يدفع الشعب الفلسطيني ثمن صعود الإسلام السياسي تحت عنوان ( الربيع العربي) ثم يدفع ثمن سقوط وانهيار هذا الربيع العربي ؟ . إلى متى سيبقى الشعب الفلسطيني صابرا على نخب دفَّعته غاليا ثمن الانقسام واليوم يدفعونه ثمنا اكبر عندما تحاول نفس النخب المأزومة تصحيح خطا الانقسام بخطيئة إنهاء الانقسام بارتجالية وتهور أو من خلال إدارة الانقسام وتجميله بصياغات تلفيقية ؟. إلى متى يصبر الشعب الفلسطيني على النخب السياسية التي حولت الحقل السياسي الفلسطيني إلى حقل تجارب، وكلها تجارب فاشلة،وإن كانت كل فلسطين حقل التجارب خلال العقود السابقة من خلال مشاريع تسوية لا حصر لها ، فإن قطاع غزة اليوم بات حقل التجارب الجديد بعد أن تم اختزال فلسطين بغزة : غزة الموسعة تجاه سيناء أو تجاه النقب؟ أو إمارة غزة؟ أو إدارة مشتركة لغزة ؟ أو الكونفدرالية بين غزة والضفة ؟ أو الوصاية المصرية على غزة؟ أو وضع غزة تحت إشراف دولي؟ الخ ،وهنيئا لأهل غزة بترف الاختيار !.
نعم ، وكأنها حلقات مسلسل مُحكم الإتقان ذلك الذي يجرى في وحول قطاع غزة ، مسلسل لا يدري كثير من اللاعبين أو الممثلين في هذا المسلسل أنهم كومبارس وليسوا أبطالا حقيقيين،وان هناك منتج ومخرج يوجه الجميع،والحلقة التي تُعرض اليوم هي تكريس مشهد أن الصراع اليوم لم يعد صراعا فلسطينيا إسرائيليا بل صراعا فلسطينيا فلسطينيا حول السلطة والحكم في قطاع غزة؟ لحماس أم لفتح؟ وهل ستنتهي سلطة حماس في غزة من خلال تمرد داخلي أو اجتياح إسرائيلي أو تدخل مصري ؟ ! . وكأن هذا التاريخ الطويل من النضال والمعاناة وعشرات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين كان من اجل سلطة هشة ومحاصرة في قطاع غزة. هذه الانشغالات الصغيرة لنخب بات يتسيدها صغار غطت على أساسيات القضية الوطنية ،كاحتلال كامل فلسطين والاستيطان والتهويد في الضفة والقدس ،ومخاطر المفاوضات ،وقضية ألاجئين ،وتصفية ما تبقى من رمزية لمنظمة التحرير الفلسطينية وللمشروع الوطني .
كل يوم يمر إلا و تتفاقم الأمور وتزداد تدهورا ما بين حركة حماس وحركة فتح وتتباعد المواقف والنفوس ما بين أهلنا في الضفة وأهلنا في غزة،كل يوم يمر إلا وتتغير معادلة الصراع بحيث تحل التناقضات الثانوية محل التناقضات الرئيسة، يحل أعداء داخليين محل العدو الرئيس والمشترك وهو الاحتلال الصهيوني،كل يوم يمر وتتراجع فرص التوافق الوطني والمصالحة، وتستعر الخلافات السياسية الداخلية. إن من يتابع التصريحات الصادر عن مسئولين من حركة حماس ومسئولين من حركة فتح سيصاب بالهلع من بؤس هذه التصريحات وغياب المسؤولية الوطنية والإحساس بخطورة ما يجري ،فهذه التصريحات تتعامل مع الحدث وكأنه مجرد خلاف بين حركة فتح وحركة حماس آو بين أطراف من الطرفين،خلاف حول مَن يحكم قطاع غزة؟ أو كيف يمكن استعادة القطاع من سلطة حماس؟ وكأن قطاع غزة إقطاعية يجب أن تكون ملكا لهذا الطرف أو ذاك،وليس التعامل مع الانقسام باعتباره تدميرا للمشروع الوطني وللقضية الفلسطينية. هذه الصيرورة للأحداث تعيدنا للمخطط الصهيوني الذي أرادت إسرائيل من خلال انسحابها من القطاع عام 2005 رمي عظمة للفلسطينيين ليتقاتلوا عليها لتتفرغ لاستكمال مشروعها الاستيطاني بالضفة والقدس.
لقد هالنا وهال كل فلسطيني مخلص وغيور على المصلحة الوطنية،ما يجري في الضفة وغزة من وقف بل وتصفية للمقاومة بكل أشكالها ، ومن محاولات إضعاف الوجود السياسي والمؤسساتي لحركة حماس بالضفة الغربية، ومحاولات تصفية الوجود السياسي والمؤسساتي لحركة فتح بقطاع غزة،وأن تتم محاولة تصفية وتشويه هاتين الحركتين اللتين فجرتا وقادتا العمل المقاوم طوال أكثر من أربعين سنة، بأياد فلسطينية، فهذا لعمري هو الجنون بعينة لأنه الهدف الأساسي للعدو الإسرائيلي . الكل في الساحة الفلسطينية قدم تضحيات ومارس أخطاء في نفس الوقت ،وإن تفاوتت نسب الخطأ والصواب ، وليس لطرف أن يفاخر على الطرف الآخر بانجازاته ، ففي السياسات الوطنية لا يوجد ملائكة وشياطين بل شركاء في الوطن وقي القرار السياسي حتى وإن اختلفت البرامج ،والوطنية الفلسطينية تتسع الجميع حتى للذين خانتهم تحالفاتهم واجتهاداتهم .
لا شك أن حماس خصم سياسي لمنظمة التحرير ولحركة فتح واستمرارها في حكم غزة حكما استبداديا شموليا منفردا أمر غير مقبول ويجب وضع نهاية له ،ولكن بالحوار المسئول . كل خلافات منظمة التحرير مع حركة حماس وما يُنسب من ظلم ومعاناة سببتهم حركة حماس وحكومتها لأهل غزة وللقضية الوطنية يجب أن لا يدفع البعض لوضعها في سلة واحدة مع الاحتلال الصهيوني أو تسبيق المواجهة معها على المواجهة مع إسرائيل . ذلك أن أية مواجهة أو صدام مسلح مع حماس في قطاع غزة سيخدم الاحتلال ،ولا احد يعرف مآل هذا الصدام ومتى ينتهي إن بدأ ،وخصوصا أن إسرائيل وأطراف أخرى معنيون بتأجيج حرب أهلية في قطاع غزة واستمرارها، إما لتصفية حسابات مع حركة حماس باعتبارها امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين ، أو تصفية حسابات مع الكل الفلسطيني ، أو للتغطية على ما يجري في الضفة والقدس وعلى طاولة المفاوضات .
مستقبل قطاع غزة بعد تطورات الأوضاع في مصر شأن يتجاوز الحسابات الصغيرة والضيقة للبعض،ما يجري يمس وجود ومستقبل القضية الوطنية ونتمنى على الرئيس أبو مازن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الشعب الفلسطيني وعلى القيادات العاقلة في حركة حماس، وقف كل الممارسات و التصريحات الاستفزازية التي تصدر من عناصرهم سواء في مواجهة بعضهم بعضا أو تجاه ما يجري في العالم العربي من حولنا وخصوصا في مصر، والتعامل مع الحدث ببعده الوطني الاستراتيجي. وأقولها بوضوح وصراحة إن أولوية الشعب الفلسطيني بشكل عام يجب أن تكون تحرير الضفة والقدس ومواجهة السياسة الصهيونية الاستيطانية وحماية القدس من التهويد ،وليس افتعال صدام مسلح مع حماس في غزة ،وإلا ، كما دفعنا ثمن خطأ الانقسام سندفع مرة أخرى ثمن خطيئة الارتجالية في إنهاء الانقسام . في المقابل على حركة حماس أن تدرك أن استمرارها في التفرد بحكم غزة والنأي بنفسها عن المصالحة الوطنية يشكل عائقا أمام توحيد الجهود لمواجهة الاحتلال،فلا يمكن إطلاق مقاومة ناجحة ضد الاحتلال في الضفة وغزة بدون إنهاء الانقسام ،ولا نجاح في المفاوضات بدون إنهاء الانقسام .
سيريان تلغراف | إبراهيم أبراش
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)