تهديد أميركا ضرب سوريا ومبادرة روسيا نزع أسلحتها الكيماوية .. بقلم سلمان محمد سلمان
أولا: تحليل منطقي
1-1 طلب أوباما موافقة الكونغرس على ضرب سوريا يفترض رغبته تحميل الكونغرس مسئولية القرار لئلا يعودوا إليه ويحملوه مسئولية أية ردات فعل وخسائر لإسرائيل. بكلمات أخرى إذا آمنت إسرائيل أنها لن تتضرر من ضربة معاكسة من سوريا سيصوت الكونغرس لصالح الضربة. وان تم إقناع إسرائيل بشكل قاطع أنها ستعاني من ردة فعل من سوريا وحلفائها سيكون تصويت الكونغرس لا. وبالعكس إذا صوت الكونغرس نعم فمعنى ذلك أن رسالة سوريا وحلفائها لم تصل وإذا صوت لا نعود للمربع رقم واحد.
1-2 مبادرة روسيا نزع أسلحة سوريا الكيماوية تمثل تراجعا روسيا لنزع فتيل الحرب وتسهيل تراجع أميركي مقابل.
ثانيا: رد الفعل الفطري من الموقف
2-1 الفرضيات
حسب 1-1 يبدو أن الرسالة السورية لم تصل أو لم ترسل أصلا وان الدب الروسي تراجع خوفا فمبادرة لافروف يمكن تفسيرها باحتمالين فقط
- 1. لم تقنع روسيا الغرب وإسرائيل بدعمها سوريا حتى النهاية وبقدرة سوريا على إيذاء إسرائيل.
- 2. تتبنى روسيا نزع الكيماوي السوري قبل التهديد الغربي وربما كانت تعمل على تأمين طلب إسرائيل الرئيس منذ اندلاع الثورة وهو تدمير الأسلحة الاستراتيجية ومنع وصولها لأي جهات يمكن أن تهددها.
2-2 النتائج
- 1. كلا الاحتمالين يخذل النفس. فان كانت روسيا اضعف من أن تقف للغرب رغم وجود أهداف غربية كثيرة في المنطقة قابلة للضرب تمنع الحرب أو إذا كانت تتآمر بشكل ناعم على سوريا لخلع أسنانها وتدجينها خدمة لإسرائيل فكل ما حصل في سوريا منذ 2011 يمثل خدعة كبرى دفع ثمنها السوريون دون أي مبرر.
- 2. صمود سوريا وإرادتها ضد تغول الغرب ومؤامرته كان حقيقيا بما يكفي ليقف الجندي السوري والمواطن ضد المؤامرة ويتمسك بحليفه الإستراتيجي الروسي. هروب الدب الروسي وذيله بين رجليه وترك سوريا دون حليف وهروب ايران بتهنئة روحاني لليهود والاكتفاء بدعم سوريا في حالة الضربة بتوفير الدواء والغذاء يمثل ضربة كبيرة لمحور المقاومة.
- 3. من الصعب تصديق أن الأسد تخيل في أسوا كوابيسه حصول النتيجة أعلاه. وقد استخدم طول الوقت تحليلا منطقيا للأحداث يقوم على صلابة الحلف الروسي معه وحلفائه بمحور المقاومة فضحي بكل ما يملك للصمود وخسرت سوريا عشرات آلاف الضحايا وسمح العالم بتدميرها واستنزافها لتنتهي المعركة بتحقيق ما تطلبه إسرائيل حرفيا.
- 4. لماذا لم تشترط روسيا مقابل التخلي عن الكيماوي وتوقيع اتفاق منع امتلاكها قيام إسرائيل بنفس الموقف فهي لم توقع على الكيماوي أو النووي ولماذا يتم ابتزار سوريا تحت التهديد بدلا من الدعم.
- 5. هل نقول وداعا لمعسكر المقاومة والى النسيان يا ايران فقد فشلت في الامتحان منذ ذهاب نجاد الذي اعتبر متهورا فجاء روحاني الناعم الذي يريد دعم سوريا بالدواء.
- 6. يبدو أن تأمين إسرائيل يمثل أولوية لدى روسيا وربما تود رؤية حلف بين إسرائيل ومصر وسوريا يضعها بشكل قوي على خشبة المسرح الدولي. في مثل هذه الحالة لك الله يا سوريا ويا بشار الأسد.
ثالثا: ر د الفعل المتروي ولاعب الشطرنج
3-1 الفرضيات
- 1. لم تستطع روسيا إقناع الغرب وإسرائيل بدعمها سوريا حتى النهاية وبقدرة سوريا على إيذاء إسرائيل رغم أن ذلك ممكن ويمكنه إيقاف الهجوم الغربي.
- 2. تتبنى روسيا مسبقا نزع الكيماوي السوري لأنه يمثل عبئا أكثر من فائدة. وقبول ذلك تحت التهديد الغربي يمثل انحناءة ضرورية لا بد منها لمنع ضربة ربما تدمر ما تم بناؤه من تواجد مركزي روسي على المسرح الدولي.
- 3. تراهن روسيا على أن تفويت الضربة يفتح المجال لتحرك سياسي للازمة السورية وينهي مسلسل الاستنزاف.
- 4. يمكن لروسيا التعهد بحماية سوريا من القصف والهجوم مقابل تفويت فرصة ضربة مؤذية للمنطقة لا ترغب روسيا بها لكونها تمثل خسارة لروسيا الصاعدة أكثر منها لأميركا المنسحبة.
- 5. الانعكاس السلبي على محور المقاومة محدود لأنه يحفظ قوته الضاربة ويمكن لاحقا إصلاح التراجع المؤقت.
- 6. من غير العملي ربط تنازل سوريا عن الكيماوي بتنازل مقابل من إسرائيل لان أحدا لن يمرره ولن يخفف ذلك من احتمالات الضربة بل ربما يدفع الكونغرس الأميركي للتطرف.
- 7. لا تريد روسيا منع الحرب من خلال تخويف إسرائيل لأنها تعتبر ثلثها من المواطنين الروس. ولا ترغب روسيا بتورط إسرائيل أو ضربها مهما كانت الأسباب من منظور الرغبة في اكتسابها لتحقيق سلام عربي إسرائيلي يضمن دورا روسيا بدلا من الدور الأميركي فقط.
- 8. ليس هناك هروب ايراني حقيقي بل ربما هناك تقارب مصري من محور المقاومة.
3-2 النتائج
- 1. لا تبدو الفرضيات مريحة لكيان عربي مقاوم وهي في أحسن الأحوال تمثل صدمة من الصعب تصور أن تؤدي في النهاية لحل يهزم إسرائيل استراتيجيا.
- 2. ليس هناك بديل ولا يمكن لسوريا تحدي الغرب والشرق. من الصعب لوم سوريا على موقفها رغم وضوح عدم سعادتها بما يحصل والموقف السوري يشبه أيام انسحابه السريع من لبنان. فهي لن تستطيع منع المطروح روسيا ومن الأفضل السرعة دون مماطلة لأن ذلك سيميع الموقف وربما يفتح المجال لاختراقات جديدة.
رابعا: مقارنة
الموقف الأول:
من الصعب إخفاء الاستياء والخوف من المستقبل وعدم الاطمئنان لحليف يحرص على إسرائيل ربما أكثر من حرصه على سوريا وليس هناك ما يسعد النفس من خلال اكتشاف رغبة روسيا في دور لحل الصراع الإسرائيلي رغم توقع ذلك بالتأكيد.
الموقف الثاني:
هذا هو المتوفر وربما يمنع القبول الضربة الحالية لكنه لن يمنعها مستقبلا إلا من خلال بقاء ترسانة سلاح قوية. نزع الكيماوي رغم قوته الرادعة لا يمثل انهيارا. فالأسلحة التقليدية تكفي لتحقيق الردع بحكم حجم إسرائيل الصغير وهو يكفي لأن مصالح روسيا الإستراتيجية تمنعها من الاندفاع في تخل فاضح. وقبول مبادرة روسيا تلزمها بتغطية صلبة في مجلس الأمن مع توفر حماية استراتيجية فهل حصلت سوريا على ذلك. يبدو أن جزءا من ذلك تحقق كما نرى من ردة الفعل الروسية المتصلبة ضد الاقتراح الفرنسي باستخدام الفصل السابع وربط تنفيذ المبادرة بتعهد أميركي بعدم مهاجمة سوريا والبدء بجنيف. لا تبدو الأمور إذن بهذا السوء مع بقاء الخوف من الغدر وتكرار ما حصل بالعراق رغم الاعتراف بالفارق. فالعراق كان معزولا تماما وسوريا تحتفظ بأصدقاء رغم عدم التأكد من مستوى دعمهم فعلا. من الواجب التحرك بحذر شديد.
خامسا: توصية
ربما تقع الحقيقة بين الموقفين وخاصة أن أكثر المتطرفين ضد سوريا يرفضون المبادرة الروسية بانفعال وهوس كبير.
سيريان تلغراف | د. سلمان محمد سلمان
أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية
قلقيلية – فلسطين
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)