الصحف العربية

السفير : قصـة اختطـاف النسـاء في إدلـب .. المـس بالأعـراض أكثـر مـن فوضـى!

قد يكون اختطاف الرجال قصة يومية في المشهد السوري المضطرب، لكن اختطاف النساء في هذا المجتمع المحافظ يُعدُّ خرقاً لا يُمكن حتى للخصوم الألداء، الإخوة سابقاً، أن يُبرروه لأنفسهم.

قداسة مفردة «الأعراض» لا يُمكن إدراجها ضمن معادلة الاقتتال الطائفي، وهناك تعاقد ضمني لدى جميع سكان الرّيف على عدم التعرض للنساء، إلا أن حافلة من قريتي كفريا والفوعة اختطفت بكل من فيها من نساء وأطفال.

المسألة التي أثقلت ريف إدلب بأسره أياماً عديدة، وجدت طريقها إلى الحل أخيراً، إنما بشق الأنفس والوساطات والضغط المتبادل.

قواعد اللعبة التي كانت سائدة في المنطقة تُفيد بالتالي: لا يجوز للرجال من القريتين الخروج أو الدخول إليهما مُطلقاً تحت طائلة الاختطاف والذبح، بينما يمكنُ حصراً للنساء والأطفال دون «سنّ البلوغ» أن يخرجوا ويعودوا إلى قراهم.

لكنّ الحادثة الأخيرة كانت لتفتح الباب أمام مرحلةٍ جديدة بالمطلق، لولا أنّها انتهت على خير… نسبياً. تعتبرُ هذه الحادثة الأخطر من نوعها، لا سيما أن الحس العائلي المحافظ مقدس في هذه المناطق الريفية، والرد «المنطقي» لأهل النساء والفتيات المختطفات عبر مبدأ الخطف المقابل، وهو ما كان.

أحد الرجال فقد زوجته وابنته في حادثة الخطف هذه، يكاد لا ينام ليله من شدّة القلق، سلاحه لا يفارقه وهو يروح ويغدو على أطراف القرية، ينشدُ من كل الذاهبين إلى المخاطرة باختطافٍ آخر أن يأخذوه معهم، ويذهبُ مع الجميع فعلاً. ولكنهُ يُردد دائماً «نحنا ما بنقدر نعمل مع نسوانهم شي… حتى لو خطفناهم، بنحطهم مع نسوانا والله… بس هنّي كفار ممكن يسوّوا أي شي»، ويعود القلق ليُحرق صبره من جديد.

أصدقاء مختطَفون

ضمن المجموعة التي تمّ اختطافها بهدف الضغط وإرجاع النساء، عثر يوسف.أ على ثلاثة من أصدقاء الدراسة القدامى، أحدهم كان قد شاركهُ المقعد الدراسي في المدرسة المتوسطة في مدينة إدلب.

«كرمال الله لا تواخذنا يا خاي… بس والله ما بيرجّعو النسوان إذا ما عملنا هيك… هاد عرض يا رجّال… عرض!!». يوضح كل هؤلاء تعاطفهم الكامل، وينتظرون أن يجد العقلاء طريقاً للحل في أقرب وقت، ويطلبون، عبر الهاتف، من جميع أقربائهم أن يكونوا «طرف خير في الموضوع».

جلس أهل وذوو المخطوفات طويلاً مع المجموعة التي تمّ اختطافها، اعتذروا مراراً ومراراً وهم يشرحون لهم حسن نيّتهم، و«اضطرارهم إلى استضافتهم»، حتى تخرج نساؤهم وبناتهم من قبضة المسلحين.

الضغط العائلي على امتداد ريف إدلب هو الورقة الوحيدة التي قد تُفلح بإعادة النساء المختطفات، وقد لا تُفلح؛ وهو ما يُهدد فعلاً بفتح باب من العنف المفرط لا يسهلُ إغلاقه.

قناعات مُسبقة

بعض المختطفين كانوا قد سمعوا قصصاً مروّعة عن وحشيّة سكان قريتي الفوعة وكفريا، وأنهم «يذبحون الأطفال ويغتصبون الحرائر». وقد قال عبد الرحمن اليوسف إنه تشهّد ألف مرة بعدما ألقت مجموعة القبض عليهم وسارت بهم ناحية القريتين، ومخيّلته تضج بكل تلك القصص الأسطورية عن توحش الناس هنا.

فاجأه كثيراً، كما غيره من المختطفين، ابتسامة الناس لهم، واعتذارهم المتكرر، وتقديم الطعام الذي يأكلونه في بيوتهم، فكان أن تعهّد بنقل هذه الصورة الإنسانيّة بعد خروج الجميع من هذه المحنة.

تشجّع عبد الرحمن وطلب بعض سجائر الدّخان، فأحضروا بضع علب ووزعوها على الجميع، وجلس المختطِفون والمختطَفون يحرقون لحظاتهم بصمت، وينفثون مرارة وجود عشرات النساء والفتيات في مكان مجهول، وبين أيدٍ غير أمينة.

يضيف عبد الرحمن، والجميع مشغولٌ بأفكاره وسيجارته، «والله الشغلة ما فيها مزح… لو أي ضيعة تانية كانوا عملوا اللي عملتوه يا خاي… والله كبيرة»، ويعودُ إلى تفكّره المشوّش مرة أخرى.

تحدّثوا عن كل شيء كما أخبرني يوسف، عن «موسم الزيتون، الدولة، الحطب، البنزين»، ويضيف «الله يفرّج أحسن شي… والله كل هالناس والبلد ما بتستاهل غير الخير، بس شو بدنا نعمل، مكتوب علينا هيك، ولازم نطلع قدّها وأكتر».

«جبهة النصرة»

المختطفون من أهل سرمين أجروا اتصالاتهم، وقالوا إنّ أقرباءهم أعلموهم بأنّ «جبهة النصرة» تقف خلف الموضوع، وأنّ هناك «شيخاً» ليس من الأهميّة حتى بمجرّد معرفة اسمه، هو من «أفتى» لهم بجواز سبي نساء «الكفّار» من الطوائف الأخرى كافة!

وعندما يحمل الجاهل بندقية، وتُسكر خاطره بعض «الفتاوى المتحررة»، لا تسعهُ الدنيا، ويُشعل المنطقة كلّها بطيشٍ لا دولة تقف في وجهه.

علق أحد أهل سرمين المختطفين قائلاً «يا جماعة، الجبهة راسها يابس ونحنا ضدهم، بس هني مجرمين، والله إذا ما بتسمع كلامهم بيدبحوك ع الأصلي، لا هون خلصانين ولا هونيك».

ولمن لا يعلم، فقد تركّز أكثر وجود مسلحي «جبهة النصرة» في سراقب وبنّش حاليّاً، فيما يغلب على المناطق الأخرى وجود مجموعات من انتماءات أخرى.

مؤامرة من شركة النقل

تشعّبت الاحتمالات كثيراً خلال فترة البحث والتقصّي، وأصابع الريبة كانت تُشير إلى شركة النقل التي تملك الحافلة، وتعتبر الشركة «س» أشهر شركة نقلٍ في المحافظة، ولديها اتصالات قويّة مع المجموعات المسلّحة، بما ضمن لها حريّة حركة حافلاتها طوال الفترة الماضية.

الغريب في الموضوع، أنّ الحافلة التي يكون ركابها في العادة من مختلف مناطق الريف، حملت ركاباً من القريتين حصراً، 48 امرأة وفتاة وطفلاً من قريتي الفوعة وكفريا على وجه الخصوص. وقد تمّ تجميع هؤلاء على حافلة واحدة في كراج البولمان في إدلب بعدما كانوا موزعين على حافلات عدّة تتبع لشركات سفر مختلفة.

وقد تمّ اختطاف الحافلة بمُجرّد وصولها إلى منطقة سراقب على الطريق الدوليّ إلى دمشق.

ما حدث بعدها هو التالي:

قام المختطفون باحتجاز النساء في الوحدة الإرشاديّة للفلاحين في سراقب، ومن ثمّ تمّ اصطحابهم إلى منشأةٍ لتربية الدجاج (مدجنة) في غربي قرية كفريا، بعدها تمّ وضعهم في مغارةٍ بالقرب من مقالع الحجارة في المنطقة نفسها.

قصـة اختطـاف النسـاء في إدلـب المـس بالأعـراض أكثـر مـن فوضـى!

وبعد أيام من المفاوضات والضغط والتهديد المتبادلين، وضمن صفقة تدخّل فيها الوجهاء من الطرفين، ومدير الهلال الأحمر في مدينة إدلب، تمّ الإفراج المتبادل عن المخطوفين، ضمن المشهد التالي:

أوصل الخاطفون نساء القريتين بعد منتصف الليل، إلى البساتين القريبة، وأطلقوهنّ بين قريتي معرتمصرين وكفريا، ليكملن قرابة الكيلومتر سيراً بين بساتين الزيتون، حتى وصلن إلى القرية التي استقبلتهن بحرارة وكثير من «رصاص الابتهاج».

وفي حين ودّع أهل القريتين الأشخاص الذين تمّ اختطافهم في المقابل بتعاطفٍ واضح، وتبادلوا أرقام الهواتف بنية التواصل القريب.. والكل يلهج بأن يفرج الله عن هذه البيئة المثقلة بالمواجع.

في العديد من المحافظات السوريّة برع الإخوة بإدماء بعضهم البعض، واستنزاف البيئة في طاقاتها وأبنائها… ولم يجد العقل والحب بعد طريقاً إلى وطن لطالما تغنى بأمنه ومحبته.

سيريان تلغراف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ولك أخ ياكلاب هادون هنون السوريين قلوبهون مع بعض! السفلة طول عمرهون عايشين مع بعضهون ومع هيك لسا بيصدقوا الإشاعات شعبٌ جحشٌ!

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock