الأسد على خطى والده مستعد لحفر بئر بإبرة
يروي الكاتب البريطاني باتريك سيل في مضمون كتابه عن الرئيس حافظ الأسد الذي نشر في 1/10/1999، بأن هذا الرجل مستعد لأن يحفر بئراً بإبرة،
في إشارة منه إلى ميزة الصبر التي كان يتمتع بها الرئيس الراحل في حقبة رئاسته لسورية، حيث كان يُمضي في مراحل تفاوضه مع الموفدين الدوليين، وخصوصاً الأميركيين منهم، حول الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» ما بين الـ 5 ساعات والـ 10 ساعات من الجدل والصولات والجولات في المواضيع المثارة على الطاولة، من دون أن يستطيع من يجلس قبالته انتزاع ولو موقف يمكن التأسيس عليه للوصول إلى نتائج تلبي رغباته، لا بل إنه كان يخرج من اللقاء خالي الوفاض ومرتبكاً، كون الرئيس الراحل كان صلباً في مواقفه ولا يزيح قيد أنملة عن مسألة المطالبة بالحقوق العربية أو ما خص الصراع العربي ـ «الإسرائيلي». وبذلك بقي الرئيس حافظ الأسد في دائرة التصويب الأميركي ـ «الإسرائيلي» ـ الغربي كما، بقي عصياً على كل محاولات الإغراء والتهديد والوعيد، وقد أظهرت الوقائع منذ توقيع اتفاق مدريد إلى الآن صوابية ما كان يؤمن به، وما عمل لأجله، خصوصاً في ما يتعلق باحتضان قوى المقاومة والممانعة، لإدراكه بأن التفاوض السلمي مع «إسرائيل» لن يصل إلى النتيجة المرجوة.
إن ما سلف، مقدمة للقول بأن الرئيس السوري بشار الأسد ورث عن والده الراحل ما كان يتمتع به من مزايا، وعلى وجه الخصوص ميزة الصبر، فتراه يقارب الملفات والاستحقاقات والتحديات بروية وهدوء، ويحدِّد بكل وضوح ما يريد وما يجب القيام به حيال هذه الأمور.
وقد قال عنه الصحافي البريطاني نفسه إن الرئيس بشار الأسد، أعلن منذ توليه رئاسة الجمهورية عزمه على القيام بثورة داخلية، تصل إلى حد إعادة ترتيب النظام على قواعد جديدة. وقد استقى باتريك سيل المعروف عنه بأنه محلل سياسي ماهر، ويفهم منطقة الشرق الأوسط بشكل جيد، ذلك، من خلال الخطاب الإصلاحي الذي توجّه به الرئيس الأسد إلى الحكومة.
إن الولايات المتحدة الأميركية، ومعها تركيا و«عرب الديمقراطيات» كانوا يدركون منذ البداية بأن الرئيس الأسد بصدد القيام بثورة إصلاحية في سورية، وقد هالهم هذا الأمر، فبدأوا تحت جنح الظلام بحياكة خيوط المؤامرة على سورية لقطع الطريق على أي نقلة نوعية إن في السياسة أو الاقتصاد أو على مستوى خلق مساحات للحوار بين مكونات المجتمع السوري للوصول إلى سورية أفضل. ووجدوا لتنفيذ مآربهم البنية الحاضنة لذلك، والمتمكنة بما تسمى المعارضة التي كانت أداة طيعة في تنفيذ الأجندة التي وضعت لزعزعة استقرار سورية وإدخالها في دائرة الفوضى.
غير أن هذه المكائد سقط في شركها من وضعها، حيث صمدت سورية، وكانت أقوى من المؤامرة، وفشل ما يسمى بـ«المجتمع الدولي» في انتزاع موقف يشكل الغطاء المطلوب للتدخل في شؤونها الداخلية، وذلك بفضل الموقف الروسي والصيني المتشدد حيال هذا التوجه الذي كانت تنتظره بعض الدول العربية بفارغ الصبر، وفي مقدمها قطر.
ويبدو أن هذا الموقف الروسي والصيني، الذي راهن الغرب والعرب على إمكان تبدله، ماضٍ في دعم سورية، وقد تجلَّى ذلك في الزيارة التي قام بها وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف إلى دمشق، حاملاً معه كل أنواع الدعم للرئيس بشار الأسد مخاطباً إياه لحظة استقباله قائلاً: أنتم تتحملون مسؤولياتكم، وعلى قادة الدول أن يتحملوا مسؤولياتهم، في إشارة روسية واضحة إلى الرضى والتأييد للسلوك الذي ينتهجه الرئيس الأسد، في تعامله مع الأزمة ومتفرعاتها إقيليمياً ودولياً. وهذا المشهد يشكل جرعة دعم قوية لسورية في مواجهة واشنطن التي تدفع بالمنطقة إلى الفوضى، في سياق خططها الرامية إلى تأمين أمن «إسرائيل» ومصالحها.
وفي رأي متابعين لما يجري في المنطقة، أن قابل الأيام لن يكون في صالح الذين تآمروا على سورية، خصوصاً أن عامل الوقت بدأ يضغط عليهم، إذ إن الولايات المتحدة وكذلك فرنسا تقفان على عتبة الولوج في التحضير للانتخابات الرئاسية، وهذا يعني أن ملف الشرق الأوسط سيكون خارج مدار السياسة الأميركية والفرنسية، في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وهو ما يشكل حالة إرباك لباقي الدول التي لن يكون في مقدورها الاستمرار في الإمساك بخيوط اللعبة. وفي المقابل، فإن القيادة السورية ستكون أكثر ارتياحاً بينما هي تقوم بالعملية الجراحية التي باتت لا مفر منها من أجل النأي بسورية عن منزلق الفتنة والحرب الأهلية.
وحيال هذا الواقع المشتت لدى المجموعة الدولية لجأت الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها إلى لعب ما تبقى من أوراق احتياط ضد سورية، من خلال سحب السفراء من دمشق، وتعهد الدول الأوروبية بممارسة المزيد من الضغوط على سورية، في حين أن بعض الدول العربية وعد أيضاً بممارسة المزيد من التصعيد الإعلامي وتزوير الحقائق وزيادة الإنفاق المالي، بغية طمأنة المسلّحين الذين يعبثون بأمن سورية واستقرارها، وحثهم على الصمود، بعد أن فعلت الضربات الموجعة من قبل الجيش فعلها في صفوف هؤلاء، الذين لم يعد أمامهم سوى خيار واحد من اثنين: فإما تسليم أنفسهم إلى القوى الأمنية، أو الموت على قارعة الطريق.
الاسد الاب باني سوريا الحديثة ، والاسد الابن راعيها ، والرب حاميها …..