تزامناً مع بدء الجيش العربي السوري عملية واسعة ونوعيّة في ريف دمشق، ومع وجود محقّقي الأمم المتحدة بشأن استخدام السلاح الكيميائي في خان العسل في سورية، تدفّق صباح أمس، سيل من الادعاءات التي تتهمّ الجيش العربي السوري باستخدام السلاح الكيميائي (غاز السارين) في هجوم على المدنيين في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، ما أدى، حسب تلك المزاعم، إلى سقوط مئات الضحايا..
تلك الادعاءات تلاها مباشرة العديد من التصريحات التمهيدية لاتخاذ قرار دوليّ يدين الحكومة السورية، وكأنّ هناك ما يتمّ الإعداد له، خاصة أن سورية اعتادت أن تترافق جلسات مجلس الأمن مع المجازر المزيّفة والادعاءات الكاذبة بوقوع تلك المجازر على يد الحكومة السورية، في محاولة للتسابق مع روسيا لإصدار قرار إدانة الحكومة من جانب واحد، في حين تريد الأولى استصدار قرار يدين التسليح والتمويل، ويوقف تدفق السلاح والإرهابيين إلى سورية.
السعودية، أوّل المموّلين للإرهاب في سورية، بقيادة بندر، الذي يشدّ على يد الجهاديين الموعودين بالجنّة على أرضها، والذين كانوا قبل أيام يرتكبون المجازر في ريف اللاذقية، طلبت عقد اجتماع فوريّ لمجلس الأمن الدولي حول سورية، والشيء ذاته طلبه نبيل العربي، “الأصدقاء” كذلك انبروا للتعبير عن سخطهم ممّا أثير إعلامياً، وأولاً على قنوات العربية والجزيرة اللتين بثّتا تقارير من هناك بعد ساعتين تقريباً، في ما لم يعد حتى بالإمكان وصفه بأنه استهتارٌ بالعقول؛ لأنّه، في حال صحّ استخدام مثل هذا الغاز لا يمكن دخول المنطقة قبل 24 ساعة على الأقلّ!
الصديق وزير الخارجية البريطاني عبّر عن “قلقه البالغ”، مبيّناً أنّه سيرفع تقارير عن استخدام السلاح الكيميائي في سورية إلى مجلس الأمن، مطالباً دمشق بالسماح لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول إلى مكان الهجوم، في الوقت نفسه، دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى توجّه المفتشين الدوليين إلى الموقع، وشاركته الجامعة العربية طلبه هذا أيضاً.
من جانبها، سارعت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، في بيان لها، إلى اتهام قنوات الفتنة والتضليل وسفك الدم السوري، كعادتها، بالادعاء كذباً أنّ الجيش العربي السوري استخدم الأسلحة الكيميائية في مناطق ريف دمشق، وجاء في البيان أنّ القيادة العامة؛ إذ تؤكد أنّ هذه الادعاءات باطلة جملة وتفصيلاً، وعارية تماماً من الصحة، وتندرج في إطار الحرب الإعلامية القذرة التي تقودها بعض الدول إعلامياً ضدّ سورية، فإنّها تشدّد على استكمال مهامها الوطنية في مواجهة الإرهاب أينما كان على تراب الجمهورية العربية السورية تنفيذاً لواجبها في حماية الوطن والمواطن.
وأضافت القيادة، في بيانها، أنّ ما تدعيه هذه المجموعات الإرهابية والقنوات التي تدعمها، ما هو إلا محاولة يائسة للتغطية على هزائمها على الأرض ويعكس حالة الهستيريا والتخبّط والانهيار الذي تعانيه هذه المجموعات ومن يقف وراءها.
وأكّدت القيادة إصرارها على تنفيذ واجباتها الدستورية في تخليص الوطن من رجس المجموعات الإرهابية المسلحة، وفي الوقت نفسه، دعت كلّ من يحمل السلاح ضدّ الدولة إلى تسليم نفسه للجهات المختصة لتسوية وضعه قبل فوات الأوان.
من جانبه، أكّد المحلل الاستراتيجي، تركي حسن، أنّ الجيش بدأ، صباح أمس، عمليات نوعية في ريف دمشق، بما فيها المعضمية، وجوبر، والغوطة الشرقية، وداريا، لافتاً إلى أنّ الإدعاءات التي تتّهم الجيش باستخدام الكيميائي في الغوطة، ما هي إلا محاولة لتعطيل عمل لجنة التحقيق وحرفها عن مسارها وبرنامجها بهدف التغطية على جرائم استخدام المسلحين للكيميائي في خان العسل وغيرها..
وفي السياق نفسه، يرى المحلل السياسي، الدكتور صابر فلحوط، أنّه، من حيث المبدأ، لا يوجد حكومة في العالم يمكن أن تكون قد ارتكبت جريمة استخدام الكيميائي فوق أرضها، سواء كان ذلك ضد شعبها أم ضد المعتدين والغازين والإرهابيين القادمين إلى أرضها.
مشيراً إلى أنّه من غير المنطقي أن تدعو الحكومة الأمم المتحدة للتحقيق باستخدام المسلحين للكيميائي في سورية (خان العسل)، وفي الوقت نفسه تستخدمه في الأيام التي توجد فيها اللجنة، لافتاً إلى أنّه في حال كانت اللجنة تمتلك الحرية والنزاهة، فلابد من أن تخرج بتقرير يوصّف الحالة الحقيقية على أرض الواقع، ويؤكّد أنّ المسلحين الإرهابيين هم من استخدموا الكيميائي في سورية.
وفي ما يتعلق باحتمال أن يكون أحد الأطراف قد استخدام الكيميائي في ريف دمشق الشرقي، فعلاً، صباح أمس، يقول الدكتور صابر فلحوط إنّه لا يعتقد أنّ هناك استخداماً للكيميائي في ريف دمشق على الإطلاق، حيث لا تساعد بيئة وجغرافيا المنطقة في ذلك، لاسيما أنّ هناك مناطق تداخل كبيرة لمواقع القتلة المسلحين، ومواقع الجيش العربي السوري وداعميه وقواه الأمنية، حيث من الصعوبة بمكان أن يستخدم الإرهابيون الكيميائي كما من المستحيل أن يقوم بذلك الجيش السوري، الذي أكّد أنّه لم ولن يستخدم الكيميائي على الأراضي السورية على الإطلاق.
أمّا عن احتمال موافقة الحكومة، أو طلبها من لجنة التحقيق، زيارة ريف دمشق للتأكد العاجل من تصريحات الحكومة النافية لاستخدام الكيميائي هناك، لاسيّما أن كبير المفتشين الدوليين أكّد عقب الاتهامات ضرورة التحقّق من التقارير حول استخدام الكيميائي في الريف، فيقول فلحوط، إنّه لا يعتقد أن ذلك ممكن الحدوث، مرجعاً ذلك إلى قرار الحكومة السورية التي يتوقّع أنها من الممكن أن تكون الآن بصدد دراسة ذلك من كلّ النواحي، لاسيّما الأمنية منها.
من جهة أخرى، يلفت إلى أنّ الجيش يحرز تقدماً هائلاً كبيراً ونوعياً في الريف، لذلك لن يترك المسلحون وداعميهم تهمة إلا وسيتهمون بها الحكومة السورية والجيش العربي السوري..
فتح ملف الكيميائي بهذه الطريقة، وفي هذا التوقيت بالذات، يثير الريبة، حسب ما يرى القيادي في ائتلاف قوى التغيير السلمي طارق الأحمد، الذي يشير إلى وجود مماطلة استمرت طويلاً من قبل الأمم المتحدة في إرسال لجنة للتحقيق في استخدام الكيميائي في سورية، الذي دعت إليه الحكومة السورية، واستمرّت هذه المماطلة إلى حين حدث تبديل للواقع، وسيطر المسلحون على خان العسل بعد أن كانت المنطقة تحت سيطرة الدولة، وكان من الممكن أن يتم تسهيل عمل اللجنة بشكل أكبر..
ويتخوّف الأحمد من تكرار تجربة العراق المريرة بشأن استخدام أسلحة الدمار الشامل والتدخّل العسكري بهذه الحجّة، مؤكداً: مما لا شك فيه أنّ ملف أسلحة الدمار الشامل من أفضل الملفات التي تعطي الولايات المتحدة الأمريكية الذريعة الرئيسة لاحتلال أيّ بلد كما حصل في العراق..
أمّا بخصوص احتمال زيارة لجنة التحقيق الدولية إلى ريف دمشق، واحتمال موافقة الحكومة السورية على ذلك، فيقول الأحمد إنّ البروتوكولات الدولية أشبه بالاتفاقات بين الدول، وهي تخضع دائماً لآلية معينة، وليس من الممكن أن يتمّ أمر كهذا بسرعة، خاصة أنّ اللجنة لها برنامجها، وتمّ الاتفاق سلفاً على حركتها في سورية.
من جانب آخر، يرى القيادي في ائتلاف قوى التغيير السلمي أنّ المسألة لها علاقة بشكل رئيس بتكبير أو تصغير الملفات قبل عقد جنيف 2 الذي من المفترض أن يبحث الحلّ الدولي.
سيريان تلغراف | لودي علي – بلدنا