قبل البدء برواية قصة التقرير المنسوب الى المخابرات الألمانية حول غزو اسرائيلي وشيك سيشنه العدو على سورية وجنوب لبنان، يجب ايضاح نقطتين.
– النقطة الأولى:
– لم تنهزم الثورة العربية الكبرى في نهاية الحرب العالمية الأولى بالسلاح بل انهزمت بالحرب النفسية فلم يتوحد جهد العرب ضد الغزاة الأوروبيين نتيجة قناعتهم بلا جدوى المواجهة ولم ينهزم عسكرياً رشيد عالي الكيلاني في ثورته التي أطلقها في شباط عام ١٩٤١ ضد البريطانيين، فقد كان جيشه أقوى من جيش الإنكليز لكن ما هزمه تقاعس ملايين العراقيين عن نصرته نتيجة للحرب النفسية التي أقنعه من خلالها البريطانيون أنهم منتصرون لا محالة مهما فعل العراقيون ، ولم ينتصر الصهاينة على الجيوش العربية ولا على الفلسطينيين لأنهم كانوا الأقوى بل لأن حربهم النفسية كانت الأقوى فساهمت مع عوامل أخرى في هزيمة ساحقة وفي تهجير شعب ولم ينهار الجيش المصري في سناء عام ١٩٥٦ ولا الجيشين المصري والسوري عام ١٩٦٧ لأن الجيش الصهيوني كان بتلك القوى التي تخيلها من كانوا في أرض المعركة بل لأن الصهاينة مارسوا حرباً نفسية متطورة لم يكن لدى مصر وسورية في ذلك الوقت مايرد أذاها عن جنودهم فانهاروا قبل وصول العدو فعلياً الى مواقعهم، ولم يهرب جيش التنظيمات الفلسطينية وعشرات الآلاف من حاملي السلاح من لبنانيين تاركين جنوب لبنان عام ١٩٨٢ لغمة سائغة وسهلة للإسرائيلين ودون قتال لأن جيش العدو كان جيشاً لا يقهر بل لأن من كنا نعتمد عليهم لمواجهة العدو سقطوا مسبقاً أمام حرب العدو النفسية علينا وانهزم من انهزم نفسياً قبل حتى أن يرى دبابات العدو، وصمد من صمد لأنه لم يعد لديه خيار إلا الموت ومع خيار الموت لا حرب نفسية تخيف إن لم يكن هناك مجال للهرب لذا حين فتح الصهاينة لياسر عرفات ولمن معه طريق البحر انهزم نفسياً وركب سفن الأميركيين ورحل تاركاً بيروت لجزاري صبرا وشاتيلا.
– النقطة الثانية:
من أول مفاعيل المقاومة في لبنان أنها جعلت الحرب النفسية الإسرائيلية بلا طائل ، فلم يعد يخشى الناس ذلك الجيش المرعب الذي كان ذكره يصيب بالذعر شعوب العرب قاطبة وقبلهم جيوشهم وزعمائهم، وشاهد العرب صورة الجيش الصهيوني تتدمر وتضمحل هيبته مع كل ضربة ضده جنوده في لبنان ومع كل انسحاب ومع كل هزيمة جزئية حتى ولو كانت بحجم الفشل في الاحتفاظ بشوارع بيروت آمنة لجنوده، ثم سقط الخوف العربي من اسرائيل بعد الانسحاب الكبير من معظم الاراضي اللبنانية المحتلة في العام ١٩٨٥ فاندلعت الانتفاضة ثم انعكست الاية في الحرب النفسية بفعل الهزائم الاسرائيلية فاصبح الجيش الصهيوني مسخرة الشعوب العربية في عام ٢٠٠٠ مع الانسحاب التام من جنوب لبنان، ثم اصبح الجيش الصهيوني مسخرة لشعوب الارض في ٢٠٠٦ مع فشله الذريع في تحقيق اهدافه في الحرب على لبنان في صيف ذلك العام.
وكانت المشكلة الاولى التي حاول الصهاينة الباحثين في اسباب علاج الهزيمة حلها هي ” كيف نستعيد هيبة وقوة الردع المعنوية للجيش الصهيوني”
والمشكلة التالية :
” كيف يمكن ايقاع هزيمة نفسية بمقاتلين يرون الموت رديفا للانتصار” ؟
ما لا يعرفه الرأي العام العربي ان الصهاينة ليسوا وحدهم من شارك في دراسة اسباب انتصار المقاومة في تموز ٢٠٠٦ ، بل ان كل حلفاء الاسرائيليين شاركوهم في ذلك وتوصل الجميع الى توصيات اعتمد الصهاينة الكثير منها وعلى رأسها:
اولا : التركيز على التفرقة المذهبية واغراق لبنان في حروب مذهبية وتقوية السلفيين وكل عدو للمقاومة لتنشغل بنفسها بدل الاستعداد لقتال الاسرائيليين وهذا الجانب شارك في تنفيذه عمليا الاميركيون من خلال مخابراتهم ومن خلال الضغط على حلفائهم العرب ليشاركوا في ذلك.
ثانيا: التركيز على جمهور المقاومة الراغب والحالم باستثمار قوة المقاومة في امنه الذاتي المؤدي الى ازدهار اقتصادي وعمراني والى حياة مطمئنة ومستقبل واعد لا تجعله التهديدات الاسرائيلية مستحيلا .
ولان التهديد الاسرائيلي لم يعد يخيف احدا كان من المحتم على الصهاينة وحلفائهم العمل اعلاميا بشكل شديد ومستمر وبتجانس دقيق بين وسائل الاعلام العربية المتصهينة وتلك اللبنانية المشابهة لخلق حالة ذهنية تقلق المواطنين الداعمين للمقاومة وتهز ثقتهم بالمقاومين وبمستقبلهم وتعلي من شأن وخطورة التهديد الاسرائيلي القادم لتدمير حياتهم وومستقبلهم تدميرا شاملا وفي اي وقت.
ثالثا: الاستفادة من المغتربين العملاء لافساد قادة المقاومين ومسؤولي المناطق والقرى والوحدات بالمال والنساء والتنافس على الثروة.
لذا ترى ان اغلب المسؤولين الملتصقين بواقع الناس هم هدف لمحاولات ربط صداقة معهم من قبل اثرياء محليين او مغتربين وتلك ليست صدف متشابهة بل مخططات دقيقة ينفذها عدد من غرف العمليات التي قامت بعمل مماثل في سورية ونجحت في اختراقها طولا وعرضا بالمال والافساد ونفس الهدف هو ما يطمح اليه اعداء المقاومة في لبنان.
في هذا السياق، يأتي التقرير الاستخباراتي الالماني المزعوم حول حرب اسرائيلية مدمرة على لبنان، وهو التقرير المخابراتي حقا ولكن ليس تقريرا واقعيا، بل تقريرا هادفا يعتبر نموذجيا لمن يفهمون الاعيب العدو وحربه النفسية.
وسواء اتت المصادر به من المانيا حقا او من اي بلد اوروبي او عربي فإنه لا يعبر عن واقع بل عن احلام صهيونية لانهم بكل بساطة تحدثوا عن تدمير وعن تهجير وعن انتصار ………
وهل قال الصهيوني غير ذلك في دعايته التي سبقت وواكبت حرب ٢٠٠٦ ؟ لو كان الصهيوني قادرا على تحمل تبعات تدمير جنوب لبنان فهل كان لينشر تقريرا ام كان ليفعلها مباشرة ولكان شن حربه تحت اي عنوان مفتعل ؟ إن التقرير الالماني جزء من الحرب النفسية والحروب مع العدو محتملة منطقيا ولكنها بعيدة كل البعد واقعيا وتنفيذيا خصوصا في هذه المرحلة لان للمقاومة قدرة رد شديدة الوطأة لا يمكن للصهاينة تحملها.
واي مغامرة صهيونية تتضمن ضربات قاسية للمدنيين في لبنان تعني تدميرا اشد في مستعمرات ومدن الصهاينة، فالمقاومة في ٢٠٠٦ كانت تملك قدرة تدمير نسبتها واحد الى خمسين مما تمتلكه الان كما ونوعا وعددا وهذا الامر يعرفه الصهيوني تماما.
فهل سيغامر باستدرار صواريخ المقاومة على مستودعات كيميائية في حيفا فينهي حيفا بمن فيها وهل سيسعى الى استفزاز المقاومة بشعبها حتى لا يبقى لديها ما تخشى عليه فتضرب تل ابيب حيث كل متر مدمر يحوي مبنى يحتاج لصاروخين لانزاله بمن فيه الى الارض ؟ المسلحون استعملوا الاسلحة الكيماوية في سورية ضد الجيش السوري، فهل يعتقد الصهاينة ان المقاومة ستقبل بتدمير الجنوب وهل ستتورع عن تدمير مدن اسرائيلية كاملة بأي وسيلة وبأي سلاح مهما كان محرما؟ إذا سقط السبب وخسرنا قرانا ومدننا فأن المقاومة ملتزمة بأن لا تبقي للصهاينة مدنا يعيشون فيها.
كلام كبير ولكنه ينطلق من واقع، والحرب التي يتمنى الصهاينة ان ينتصروا فيها لن تدور في ارضنا بل في مستعمراتهم ويكفينا ثقة بذلك ان العملاء دمروا مدن سورية فهل تعجز المقاومة عن تدمير مدن العدو؟ وهل لدى الجولاني اسلحة اكثر مما لدى نصرالله ؟
نقطة اخيرة : هناك عمالة مأجورة للعدو تعمل على نشر دعايته، وهناك عمالة بالبلاهة تعمل على تسويق دعاية العدو بنقل كل ما يقوله او يقوله عنه اصدقائه دون تعليق يفشل حرب الصهاينة نفسيا. لذا … ايها الاعلاميون الناقلون لدعاية الاحتلال: انتم عملاء مأجورين او عملاء اغبياء بالبلاهة … فأختاروا لأنفسكم اللقب المناسب أو اصلحوا انفسكم.
سيريان تلغراف | وكالة أنباء آسيا