Site icon سيريان تلغراف

رمضان هذا العام .. اختبار حقيقي لمعنى الصوم !

ألم في الشهر الغالي.. والأسعار شر لابد منه

خبز ونواشف على موائد إفطار بعض السوريين.. وبعضهم تخلى عن طقوسه الإجتماعية

تطغى في هذا العام أجواء الحرب التي يعيشها السوريون وما تحمله من حزن وأسى، على جميع مظاهر التهليل لقدوم شهر رمضان، والتي اعتاد السوريون عليها حين يقترب موعد حلول الشهر المبارك..

رمضان هذا العام يأتي في ظل ظروف معيشية هي الأسوأ منذ بداية الأزمة. إنه العام الثالث على التوالي الذي يعاني فيه السوريون من غلاء المعيشة في الشهر الغالي، لاسيما في هذا العام الذي وصل فيه الدولار قبيل يوم واحد من رمضان إلى 310 ليرات..

الأسواق لم تعد مزدحمة كالعادة، وأسعار موادها الغذائية الرمضانية (تمر – عرقسوس – تمر هندي – خبز رمضان) فوق الخيال. أما المواطن، فيقف موقف المتفرج فقط؛ ما يدل على أن الأزمة التي نالت من جيوب المواطنين، تمكنت من النيل من عاداتهم الاستهلاكية في هذا الشهر الفضيل، مترافقةً بمظاهر ألم وحزن، اضطرت معها العائلات السورية، التي نال الإرهاب من معظمها، في ظل ظروف النزوح والتشرد وفقدان الوظائف، إلى التخلي عن عاداتها الرمضانية الاجتماعية..

طقوس رمضان تتحول إلى عادات يومية

بعد أن كان السوريون ينتظرون من العام إلى العام سماع صوت مدفع إثبات حلول الشهر الكريم، تحول هذا الصوت إلى طقس يومي يستيقظ عليه السوريون، بل يمنعهم من النوم في أحيان كثيرة، وهم يستمعون إلى أصوات المدافع والقذائف. أما فوانيس رمضان التي طالما زينت الحارات وخاصة دمشق القديمة تعبيراً عن قدسية هذا الشهر واحتفاءً به، فأصبحت هذه الفوانيس لا تنطفئ وهي تنير حارات دمشق المظلمة ليلاً، بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر عن أحياء المدينة..

أسواق دمشق كئيبة وخاوية

لم تكن الأسواق السورية كئيبة وحزينة كما هي عليه اليوم، تلك هي السمة العامة التي تظهر في الشارع السوري؛ فالأسعار التي جاوزت في ارتفاعها لهيب حرارة شمس تموز، جعلت السكان يقفون مكتوفي الأيدي أمام ثمن السلع، الأمر الذي بات يحرمهم من تبضع المواد الأساسية، حتى من خضار وفواكه ومواد غذائية

تقول أم مصطفى: نحن نحارب بقوت يومنا، فالأسعار أصبحت لا تطاق وبالكاد نؤمّن اللقمة. أما مونة رمضان وغذائياته، فقد أصبحت من المنسيات..

فيما يتحسر التاجر أبو فادي على محله الذي كانت تزينه البضائع المتنوعة في مثل هذا الوقت من العام في السنوات السابقة، ويبرر ارتفاع الأسعار بقوله عوامل كثيرة ساهمت في ذلك، أولها الانخفاض الكبير لقيمة الليرة السورية أمام الدولار وقرارات الحكومة بمنع الاستيراد إلا بموافقتها، ومنع الحواجز المنتشرة على مداخل المدينة من إدخال السيارات التي تحمل البضائع وسوء الوضع الأمني في الأرياف، كل هذه الأمور أوصلتنا إلى هذا الحال، هكذا ينهي أبو فادي كلامه، وهو يشير بيده إلى رفوف محله الفارغة، فالبضائع مفقودة، على الرغم من غلائها..

المواطنون الذين التقتهم “بلدنا” عبروا عن استيائهم وقلة ذات اليد أمام عجزهم عن شراء السلع الأساسية على مائدة الشهر الفضيل..

يقول مصطفى: لقد رفعوا أسعار المواد التي نحتاج إليها بكثرة مثل الأرز والخضروات واللحوم قبل شهر رمضان، فكيف خلال هذا الشهر؛ لأن ارتفاع أسعار هذه المواد أمر معتاد في رمضان؛ كونه مرتبط بعامل ارتفاع الطلب عليها وككل عام تعلن الحكومة إجراءات لكبح جماح التضخم، لكن لم يؤثر أي قرار على المستغلين من التجار في هذا الشهر، حيث ارتفعت الأسعار قبل يوم  من رمضان بنسب تراوحت بين 40 % و90 %.

في المتاجر والمحلات، تجد الكثير من الرفوف فارغة تماماً. أما ما وجد من السلع الاستهلاكية التي غالبا ما يتم احتكارها، فبلغت أسعارها مستويات غير مسبوقة على الإطلاق. يقول سامي، وهو أب لسبعة أطفال، إن الأموال القليلة التي تمكن من جمعها لن تذهب إلى مائدة رمضان، وإنما إلى مصاريف دخول أولاده إلى المدرسة، ويوضح أن غالبية الناس لايجدون عملاً، وبالتالي ليس لديهم أي مصدر للرزق. هم لايعرفون متى تكون الكارثة التاليةن ولا كيفية مواجهتها

بدورها تؤكد سلمى، أن الأزمة التي تمر بها البلاد أثرت بشكل كبير في نفوس الناس، ومن الصعب جداً أن يكون التواصل موجوداً بين الأقارب والأصدقاء في هذا الشهر الفضيل، خاصة أن الجميع يعود إلى منزله مبكراً، ولايخرج من بعدها، ناهيك عن الغلاء الرهيب في الأسعار، مشيرة إلى أن المائدة على الإفطار ستكون خبزاً وبعض النواشف لأغلب العائلات، هذا إن توافرت، وتقول إنه رمضان والناس جائعون..

ليست ذات أهمية ..

على الرغم من الأزمة، فإن شهر الصوم هو بالنسبة إلى كثيرين شهر الجود والبركات وبالتالي لا مكان فيه للاقتصاد والتوفير؛ فحزام التقشف لا يمكن شده بالنسبة إلى هؤلاء إلا بعد عيد الفطر. تقول أم سعيد ربة منزل: إنه الشهر الوحيد الذي تجتمع فيه عائلات بأسرها حول موائد كبرى..

الأزمة ليست مهمة، كما تقول الأم لسبع عائلات، مؤكدة أن الناس ينسون همومهم في هذه اللقاءات، فالجميع في رمضان الكريم يدعو ويُدعى إلى موائد الإفطار والسحور، كما لو أنه مناسبة لمن يشتري أكبر قدر من الطعام ويُعدّ أكبر عدد من الأطباق، على الرغم من الغلاء، إلا أننا لن نسمح لأحد أن يحرمنا متعة هذا الشهر وحميميته

شهر يحمل الحسرة ..

تقول الاختصاصية الاجتماعية هناء برقاوي: رمضان هذا العام سيكون صعباً على السوريين، خاصة لمن تشرد من منزله وبات يسكن في مراكز الإيواء، ومن سافر ومن هجر من منزله قسراً والتواصل الاجتماعي يحمل الحسرة على غياب الأشخاص الذين تعودوا على رؤيتهم، وخاصة من استشهد خلال الأزمة، وخاصة وقت الإفطار. وهناك حسرة على المنازل التي تركها أصحابها بسبب تأزم الأوضاع في مناطقهم لن يكون هناك بهجة كما كان الوضع سابقاً خلال شهر رمضان. لقد كان الناس ينتظرونه بفارغ الصبر، لاستقبال الأصدقاء والأقارب، لأنه شهر التواصل في انتظار الأعياد. أما الأسعار فباتت في ارتفاع هائل وستختلف نوعية الطعام وتنوعه، وسيقتصر على وجبات خفيفة وقليلة تلبي حاجات الناس ووضعهم المادي، مقارنة بالأسعار، إضافة إلى العبء المادي لتأمين المواد الغذائية لهذا الشهر الفضيل والضغط الحياتي على المواطن، وعلى الرغم من أن الدولة وعدت بتخفيض الأسعار، لكن لن تستطيع؛ لأن يداً واحدة لاتصفق، كونه وبطبيعة الحال، هناك تجار سيستغلون شهر رمضان..  وتزيد الأسعار.

بعض المناطق في دمشق مناطق غير مستقرة أمنياً يصعب الخروج والدخول إليها، وبالتالي بعد الإفطار لن يشهد الشارع السوري حركة ازدحام، أو حتى تبادل زيارات، وسيكون الخروج صعباً في وقت بات السوريون يدخلون فيه بيوتهم مبكراً حرصاً على سلامتهم، لذا سيكون التواصل إلكترونياً بين السوريين، سواء مع الأصدقاء والأقرباء خارج البلد، ومن هم في محافظات أو مناطق أخرى داخل سورية.

رمضان فيسبوكي..

لم تخل وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وغيره من تعبير السوريين عن تداعيات الأزمة في هذا الشهر الفضيل، حيث عبّر الكثيرون عن حسرتهم لفقدان طقوس رمضان التي اعتادوا عليها، وبحكم التنقّل الصعب بين المحافظات كان أغلب الشباب السوري يبيّن مدى معاناة كلّ منطقة يسكن فيها في حلول هذا الشهر، معبرين عن صعوبة التكيف مع الغلاء الفاحش للأسعار، وغياب التواصل المباشر بين الأحبة والأصدقاء، معتبرين أنّ التواصل سيكون روحياً كما هو الشهر الفضيل، وبعضهم أبدى تفاؤله بأن يكون رمضان هذا العام للسلام والمحبة والرفق بالفقير والنازح، والوقوف إلى جانب من فقد ابناً أو صديقاً أو أخاً.

حلقات ناقصة..

في هذا العام ـ كما يبدو ـ لن يطلق السوريون العنان لجيوبهم، حيث لم تعد المقاهي والمطاعم تستقبل روادها حتى ساعات متأخرة من الليل، فقد تخلّت ـ كما يبدو ـ عن تقديم السحور الرمضاني كما كان الوضع سابقاً،

حين تنعقد فيها السهرات وحلقات الشاي والأرجيلة إلا في بعض هذه المقاهي التي لها زبائنها الخاصين.

محمد، صاحب أحد المقاهي، يقول: لقد حاولنا، قدر الإمكان، أن نحدّد برنامجاً خاصاً لشهر رمضان، إلا أنّ الغلاء الكبير في الأسعار، وعدم تردّد الناس إلى المطاعم لم يشجعني على ذلك، وإنما اكتفيت باستقبال الزبائن الذين قد يدخلون لطلب وجبة على الإفطار، أمّا عن السحور، فيقول: لا أعتقد أن السحور خارج المنزل بقي من طقوس رمضان، لأن الناس لم يعودوا يخرجون في وقت متأخر، لذا سيقتصر السحور على المنازل لدى الجميع.

سمية تقول: رمضان مغاير هذا العام، حيث أتى ليبرز تعاسة االسوريين العالقين بين مطرقة الغلاء والوضع الاقتصادي المتدهور والمفروض عليهم، وسندان تداعيات الأزمة والإرهاب المدمّر في سورية.

أمّا حلا، فقالت: إنّ طقوس رمضان غائبة تماماً هذا العام، لأن الجميع حزين، فهناك من فقد صديقاً وقريباً، وأمٌّ فقدت ابنها، فكيف سيخرج هؤلاء ويستمتعون بشهر رمضان، ناهيك عن تغير العادات التي كنّا نتمتع بها، من الخروج ليلاً والسهر بعد الإفطار في انتظار السحور، مشيرة إلى أنّ المسحراتي لم يعد موجوداً، ولن يستطيع إيقاظ الصائمين لتناول سحورهم.

رمضان في مراكز الإيواء..

خالد عرقسوسي من الهلال الأحمر يقول: نحاول أن يكون لدينا وجبات أو مواد جاهزة للاستعمال فوراً، حيث يتمّ توزيعها على مراكز الإيواء خلال النهار، لأنّه من الصعب إيصال وتوزيع المواد الغذائية لآلاف الأسر في وقت الإفطار.. هذا كله يحتاج إلى سيارات كثيرة، وسيتمّ توزيع معظم الوجبات مدعّمة بالحلويات وغيرها، وفي وقت سابق قمنا بتوزيع معدات للطبخ على مراكز الإيواء، لأنّه من خلال تجربتنا اكتشفنا أنّ لكلّ عائلة طريقة طبخ واستهلاك معيّنة، وتختلف من منطقة إلى أخرى، لذا نناشد الجمعيات الخيرية دعمهم بالخضار واللحمة، إضافة إلى المواد الأولية وتجهيزات المطبخ مع المواد الغذائية لتكتمل الوجبة خلال شهر رمضان، والمطلوب من الجمعيات الخيرية أن تزيد نشاطها، ولاننكر أنّ هذه الجمعيات أسهمت في رمضان العام الماضي، لكن اليوم نحن بحاجة إلى مساعدة وبذل جهد أكبر، مضيفاً أن هناك برنامجاً خاصاً في شهر رمضان لتوزيع المواد الغذائية، حيث يوجد نازحون في الجوامع ومراكز الإيواء، لذا يتمّ التعاون مع اللجنة العليا للإغاثة، ونحاول أن يكون العمل متناسقاً بين كلّ الفعاليات، ويهمّنا راحة البال، لذا عندما تقوم جهة معيّنة بالتكفّل بعددٍ ما من مراكز الإيواء يكون العمل أفضل، ويسمح بوصول المواد إلى كلّ العائلات بكلّ تناسق.

لن يكون كرنفالاً..

محمود عكام، مفتي حلب، أكد أنّ شهر رمضان هذا العام اختبار حقيقيّ للصائمين ليثبوا فيه إن كان صيامهم حقيقة وإيماناً، وهو اختبار للمحنة.

رمضان، سابقاً، كان كرنفالياً أمّا اليوم، فسيكون صياماً إيمانياً، لذا يجب أن يتحلّى الصائمون بصفات هذا الشهر الفضيل بوصفه شهر المواساة والمساواة والصبر، لا أن نجعل منه شهرَ الأطعمة والأشربة، وهو يعطي الصبر والمناعة، وبما أنّه شهر التعاون والجود على الناس أن يقفوا إلى جانب بعضهم، مبيناً أنّ الغلاء الذي يشهده رمضان إن لم تجد له الدولة حلاً فبإمكان السوريين  أن يصوموا عن المواد الغذائية الغالية الثمن، مبيناً أن التواصل الاجتماعي بين الناس لايقتصر على الزيارات، وبما أن الأوضاع غير مناسبة لذلك على التواصل الاجتماعي في هذا الشهر الفضيل أن يأخذ جانبه الحقيقي، ألا وهو تقديم المعونة والمساعدة المادية والمعنوية لكلّ متضرر، سواء كان صديقاً أم قريباً أو جاراً، إضافة إلى أنّ التبرع للفقراء من أهم ما يمكن أن يقوم به الناس ميسورو الحال في هذا الوقت الصعب، وتقديم المساعدة للنازحين والموجودين في الجوامع ومراكز الإيواء، حيث أكّد عكام أنّ التعاون مستمرّ بين وزارة الأوقاف والهلال الأحمر خلال شهر رمضان لإيصال المساعدات قدر الإمكان إلى كلّ من هو بحاجة، ولاسيما النازحين من بيوتهم، ومن هم دون مأوى.

من رحم الألم يولد الأمل

لم يمنعها اختلافها معهم في الدين من مساعدتهم؛ بل كانت أحد مؤسسي مشروع مطبخ رمضان.. “الوضع الإنساني على وشك الانهيار، ولا بد من أن يتضامن الجميع لمساعدة المسلمين على تأمين وجبة إفطار رمضان”.. بهذه الكلمات عبّرت الشابة المسيحية لمى عن الأسباب التي دفعتها إلى تأسيس مشروع مطبخ رمضان في أحد أحياء دمشق التي فضلت عدم ذكر اسم الحيّ خوفاً من العمل على تعطيله من قبل أيٍّ كان”..

سيريان تلغراف | ريم فرج – بلدنا

Exit mobile version