ساعة الهجوم المنسق ضد جماعة الإخوان المسلمين في المعارضة السورية . السعودية ضد “الإخوان” مع العلمانيين والليبراليين في لحظة إعادة هيكلة المعارضة السورية في الخارج .
التحالف بين السعودية والمجموعات الديموقراطية والعلمانية السورية يظلل هجوما واسعا على الإخوان المسلمين في “الائتلاف الوطني السوري” المعارض ، سلك دروب اجتماعات عدة جرت في الأسابيع الماضية ، احدى محطاتها المقبلة ، مؤتمر تشاوري ديموقراطي سوري في القاهرة نهاية الأسبوع الحالي .
كما يظلل هجوما آخر بدأه “رئيس أركان الجيش الحر” العقيد الفار سليم إدريس ، قبل يومين ، بتوجيه طلب لتقاسم “الائتلاف” مناصفة مع “الإخوان” ، مرفقا بطلب إقالة “رئيس الحكومة المؤقتة” غسان هيتو ، وضمن مهلة أسبوع واحد .
وحيد صقر ، شرطي سابق فار من سوريا وملاحق جنائيا بتهمة “مراودة قاصر عن نفسها بهدف اغتصابها”
وكان موقوفا على هذه الخلفية حين فر وهو رهن المحاكمة
اللحظة السياسية السورية المعارضة ، مسكونة بهاجس سعودي وليبرالي متداخل : تحجيم الإخوان المسلمين ونفوذهم غير المتناسب مع حضورهم الحقيقي في “الثورة” ، ومشروعهم الاستحواذي عليها .
لكن المحرك الذي يدير الاعتراض على صعود “الإخوان” ، لا ينتمي إلى انتقاء طبيعي سوري في مجرى الصراع ، ولا إلى إرادات سورية خالصة ، بل إن الغالب فيه دوران اللاعبين من المعارضين السوريين ، باستثناء قلة ضئيلة منهم ، في فلك المحورين المتنازعين على الشام ، من قطر والسعودية .
فمنذ أن استولى “الإخوان” على “المجلس الوطني” ، وبعد أن فشلت محاولة إقصائهم عن “الائتلاف” ، تحولت قوة المعارضة الحقيقية لتقدم “الإخوان” داخل المعارضة السورية إلى تقاطع طبيعي بين السعودية ، التي تحاول احتواء التقدم القطري في الشام ، بالاستناد إلى قوى معارضة سورية ترفع راية العلمانية والديموقراطية ، وتسعى لوضع حد لهيمنة “الإخوان” على “الائتلاف” ، بعد أن تحول إطارا وحيدا معترفا به دوليا ، وناظما لعلاقات المعارضة في الداخل مع القوى الدولية وصناديق المساعدات ، ومرشحا للعب دور أساسي في مرحلة ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد .
وخلال عشرة أيام مضت ، جرت ثلاث محاولات لدفع الليبراليين والعلمانيين في قاطرة سعودية ، لتغيير مسارات “الائتلاف” ، وفرض لائحة من ٢٥ اسما اقترحها اجتماع علماني ديموقراطي في باريس قبل أسبوعين ، وأسهم في انتخاب اللائحة ، أعضاء مجمدون في “الائتلاف” ، ككمال اللبواني ووليد البني بالإضافة إلى المعارض البارز ميشال كيلو .
وانتخبت أسماء نسوية واقلوية ويسارية وكردية ، لتشكيل كتلة تعيد التوازن إلى “الائتلاف” في مواجهة كتلتي “الإخوان” ومصطفى الصباغ القطرية . وصد “الائتلاف” في اجتماع اسطنبولي في ٢٦ نيسان الماضي ، مناورة علمانية سعودية واضحة لمقاسمة “الإخوان” القرار والنفوذ ، فرفض ضم اللائحة التي عرضت عليه إلى عضويته . وأعقب إخفاق اسطنبول محاولات في فيينا ، ثم في الرياض ، تدخل فيها السعوديون مباشرة لدى القطريين .
والتقى بندر بن سلطان ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل تباعا ، قيادة ائتلافية ضمت جورج صبرا وفاروق طيفور وعبد الأحد اصطيفو وسهير الاتاسي استمعت إلى طلبات سعودية برفع التنسيق المباشر بين الرياض و “الائتلاف” من دون المرور بالقناة القطرية .
واستبق السعوديون التوافق الروسي الأميركي في موسكو على العودة إلى “بيان جنيف” ، بدعوة ضيوفهم للاستعداد لمرحلة من المفاوضات مع النظام ، واحتمالات تقديم تنازلات ، وإقفال الباب أمام الجماعات الجهادية والسلفية .
ويقول قطب سوري ساهم في المفاوضات إن الأمير بندر بن سلطان طلب تسوية ترضي العلمانيين بتوسيع “الائتلاف” ليستقبل اللائحة الجديدة من الأعضاء .
وجرت مفاوضات لكي يسمي القطريون بعض الأعضاء الممثلين للأقليات في “الائتلاف” لكن الصفقة أخفقت ، وجرى تأجيل النظر بالموضوع إلى ما بعد انعقاد المؤتمر التشاوري للقوى الديموقراطية ، والذي سيجعل من الصعب تجاهل وجودها ، ورفض ضم لائحتها تحت أي مبرر إلى “الائتلاف” .
ويراهن التيار الديموقراطي عشية انعقاد مؤتمره في القاهرة على فرض اللائحة المقدمة من نواته على جماعة الإخوان المسلمين ، بمجرد الإعلان عن ولادته ، وتحوله إلى الإطار الديموقراطي العلماني الوحيد والأقوى ، والذي يملك تمثيلا متكافئا لهذا التيار ، ودعما سعوديا مجديا في آن واحد .
ويذهب عاملون على اجتماع القاهرة ، إلى القول إن الذاهبين إليه لن يغيروا موعده ولو تضارب مع اجتماع “الائتلاف” في اسطنبول ، وان “الائتلاف” سيضطر التي تغيير موعد اجتماعه ، لكي ينضم إليه العلمانيون ، قبل أن يبدأ أعماله ، وينتخب رئيسا جديدا له ، يرجح أن يكون برهان غليون ، بحسب الترجيحات الأخيرة .
واشتكى معارض علماني سوري بارز في باريس من أن تركيبة “الائتلاف” قد صنعت بطريقة لا يمكن معها تمرير وجهة نظرنا ، موضحا انه لم يعد جائزا أن تصبح تسمية عضو أو آخر في “الائتلاف” رهينة الخلاف السعودي القطري على قيادته .
وقال المعارض إن كمال اللبواني ووحيد صقر وعمار القربي أصبحوا اقرب إلى وجهة النظر السعودية ، وان رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري يلعب دور قناة التوافق الرئيسة داخل المعارضة السورية .
وعزا المعارض السوري ضعف التيار العلماني داخل المعارضة ، وتظلله بالدعم السعودي في خلافها مع قطر ، إلى عزوف الأميركيين بشكل خاص عن التواصل مع الشخصيات العلمانية ، واقتناع سفيرهم روبرت فورد أن خريطة القوى على الأرض باتت تفرض التعامل مع التيار الإخواني الفاعل ، والأكثر تنظيما في صفوف “الثورة” السورية ، والرهان عليه لاحتواء الصعود السلفي الجهادي .
وكان الخلاف القطري – السعودي على العلمانيين وتوسيع “الائتلاف” وإقالة غسان هيتو الذي يعترض “المجلس العسكري الموحد” على بقائه في منصبه ، قد دفع قيادة “الجيش الحر” إلى تسريب إنذار إلى “الائتلاف” وهيتو ، يحدد أجندة اجتماعه السبت المقبل في اسطنبول .
وبحسب التسريبات يمهل سليم إدريس “الائتلاف” أسبوعا ، ليرد على طلباته خطيا : إفساح المجال لأعضاء الكتائب المقاتلة من مدنيين وعسكريين للحلول في نصف مقاعد “الائتلاف” ، وتأجيل تسمية “وزيري الداخلية والدفاع” إلى ما بعد التوسيع . وضمنيا يكرر الإنذار المطالبة بتنحية هيتو . ومن مدريد يعد رئيس “الائتلاف” المستقيل احمد معاذ الخطيب العدة للعودة بقوة إلى مقدمة المشهد المعارض ، واستكشاف كتلة كانت تنقصه في “الائتلاف” ، يمكنه الارتكاز إليها في دعم تصوره التفاوضي للحل .
ويذهب الخطيب وأكثر من أربعين هيئة وشخصية معارضة إلى مدريد في ٢٠ و٢١ أيار ، إلى اجتماع دعا إليه “حزب التنمية الوطني السوري” المعارض ، برعاية وزارة الخارجية الاسبانية .
ومن المنتظر أن يكون اجتماع مدريد مناسبة للخطيب لتقديم مشروع حل سياسي ، وأكثر من مجرد فرصة لإطلاق هيكلية معارضة جديدة .
وليس من الواضح ما إذا كان بوسع الخطيب أن يجد الجمهور نفسه الذي صفق لمبادرته “الفايسبوكية” للتحاور مع النظام في شروط ما دون “بيان جنيف” ، لم يحسن الخطيب تطويرها وتحويلها إلى بيان عملي في مواجهة من أطلقوا النار عليها فور الإعلان عنها في “المجلس الوطني” و “الائتلاف” ، كما لم يحسن النظام السوري التقاطها بالاستجابة لبعض شروطها التمهيدية المتواضعة .
وسيكون على الخطيب اختبار التيار التفاوضي في شارعي المعارضة والنظام ، خصوصا انه يقدم على مدريد مصحوبا بتسريبات عن اتصالات مع رجال أعمال مقربين من النظام ، لتسهيل أي مبادرة تفاوضية جديدة .
والأرجح انه عبر رابطة علماء دمشق و “حزب التنمية الوطني” وجماعات من رجال الأعمال الدمشقيين وأبناء الطبقة الوسطى سيعمل على بلورة تيار جديد ينقل هؤلاء من حيز الكتلة الصامتة ، التي تعارض النظام ، ولكنها ترفض العنف ، ومصيرا حلبيا لدمشق ، وتعول على وسطية الخطيب لإسماع صوتها .
وسيختبر إمام الجامع السابق ما تبقى من تأييد غربي لخطه التفاوضي ، بعد خروجه من “الائتلاف” وهو ما لا يمكن الرهان عليه .
وقال الأمين العام لـ”التنمية الوطني” زاهر سعد الدين إن الهدف من يومي مدريد هو “تسريع الفرز داخل المعارضة” بين أنصار الحل السياسي والحل العسكري ولكننا “نحترم أيضا الجيش الحر الذي يعمل بالتراتبية العسكرية ، ويقبل ببيان جنيف” .
ويحضر مدريد حسن عبد العظيم عن “هيئة التنسيق” ، وحسان الشلبي عن “التيار الوطني السوري” ، وميشال كيلو ، وسميرة المسالمة ، واللواء الفار محمد الفارس ، وبسام الملك عن “حزب الأحرار السوريين” ، وعارف دليلة ، ومصطفى الكيالي وسعد المشرف عن العشائر و “الكتلة الوطنية” ، ومحمد المزيد التركاوي شيخ عشائر التركاوي ، وسمير التقي عن مركز الدراسات ، ونبراس الفاضل ، ورياض نعسان الاغا ، وجمال سليمان ، وعبد القادر الكتاني من “مركز الدراسات العربية والإسلامية” ، وممثلون عن رابطة علماء دمشق ، وشخصيات وطنية ومعارضة أخرى مستقلة .
سيريان تلغراف | السفير