بحسب المعلومات و العديد من المعطيات الاقتصادية في اقليم كردستان العراق فأن السلطات المعنية حريصة على تنفيذ كل المشاريع المتعلقة ببناء مجموعة من ناطحات السحاب او ما يسمى بالأبراج العالية التي يتجاوز عدد طوابقها 34 طابقاً كما هو الحال في مشروع برج جاف تاورس في مدينة السليمانية و مشروع الابراج الاربعة في مدينة اربيل، ناحية عنكاوة.
وتهدف سلطات الاقليم بصورة اساسية من وراء دعم هذه التوجهات العمرانية لتشييد ناطحات السحاب الى الحاق مدن الاقليم و بالتحديد عاصمته اربيل بصفوف المدن العالمية الكبرى و اللافتة غير ان هذه التوجهات لاتزال تصطدم بمشكلة توفر رؤوس الاموال لأن هذا النوع من الطفرة العمرانية و المعمارية يتطلب استثمارات ضخمة تصل الى عشرات مليارات الدولارات.
كما ان هذه التوجهات الداعمة لبناء الناطحات، لاقت بعض الاعتراضات من قبل السكان المحليين كما حصل في مشروع الابراج الاربعة في ناحية عنكاوة في اربيل لأن من شأن هذه الابراج ان تهدد الهوية التأريخية لهذه المنطقة وهو التحدي الذي يجب ان يخضع لدراسات علمية مكثفة لكي يتم تنفيذ مشاريع الابراج العالية في الموقع المناسب لتفادي المخاوف لدى الكثيرين من ان عالمية اربيل قد تؤدي الى اندثار هوية اربيل الحضارية و التراثية و التأريخية.
وبالتوازي، فأن المساعي المستمرة لتطوير منطقة القلعة الاثرية التأريخية، قلب اربيل بهدف المحافظة على ملامحها المعمارية يرسل برسالة تطمينات عملية بأن بناء ناطحات السحاب في اربيل لن يتسبب في زوال هويتها التاريخية كما يعتقد البعض او ان السلطات المعنية تريد اخذ المدينة الى المشهد المعماري العالمي دون الاكتراث بمشهدها المعماري والحضري بجذوره التأريخية و الاجتماعية والثقافية.
ومن المنظور المعماري الاقتصادي، فأن المضي قدماً في بناء الناطحات لن ينقل اربيل الى العالمية فحسب بل ان الكثير من رؤوس الاموال عبر العالم قد تحسم قرارها وتتخلى عن ترددها في ما اذا وجدت في اقليم كردستان بيئة مشجعة و حاضنة لهذا النوع من البناء المعماري .
وفي الجانب الاسكاني، يمكن لناطحات السحاب ان تشكل احد الحلول الجذرية لمشكلة السكن المتزايدة داخل الاقليم، كما ان معظم ابناء الجيل الجديد من الشباب في كردستان لا يعارض انتقاله من السكن في البيت التقليدي الى شقق على ارتفاع مئات الامتار .
ومن ناحية ثانية هناك عامل آخر هو هجرة اعداد كبيرة من الكفاءات و الايدي العاملة من داخل العراق و جواره و بعض الدول البعيدة للسكن في اقليم كردستان وعاصمته، وقد يمثل هذا العامل سبباً واقعياً يدعم التوجهات الى بناء الابراج العالية لمواجهة ازمة اسكان متوقعة في المستقبل المنظور.
ومن بين اهم الاعتبارات الاقتصادية لوجود ناطحات السحاب في اربيل و غيرها من مدن كردستان ان هذا الوجود سيرتبط بشكل عضوي بتطور الاعمال و الاستثمارات و بتطور نوعية السكان وليس اعدادهم فحسب وبالتالي من شأن كل ذلك ان يخدم حركة التنمية الشاملة في اقليم كردستان في قطاعات اخرى، التجارة و الصناعة و المصارف و الاتصالات و الطرق و النقل والمطارات وهذا امر حيوي للغاية لتكون اربيل بشكل خاص مدينة عالمية بجدارة لأن صفة العالمية يجب ان لا تقتصر على عدد الناطحات التي ستشيد في غضون عامين او ثلاثة اعوام او خمسة اعوام بل على عدد ونوعية الاشغال الاقتصادية التي ستأتي بها هذه الناطحات.
ولكي تتجنب اربيل ان تكون مدينة ابراج بالكامل او في معظمها كما هو حال مدينة دبي في دولة الامارات العربية المتحدة، يجب ان لا تكون مهووسة ببناء ناطحات السحاب لكي تصل بسرعة الى مصافي المدن العالمية لأن في ذلك مخاطر حقيقية تتعلق بمجالات اقتصادية بحتة مثل حجم نفوذ الاقتصاد الدولي في الاقليم و تأثر هذا الاخير بالأزمات اكثر من غيره كما حصل مع دبي التي تأثرت دون سواها من مدن دول الخليج العربي بتداعيات ازمة الرهانات العقارية في الولايات المتحدة في العام 2008 لأنها نسجت صلات وشراكات اقتصادية مهولة بالاستثمارات الخارجية لكن ما يعنينا من الناحية المعمارية هو ان اي هوس في بناء الناطحات قد يوحي ان اربيل مدينة اميركية او يابانية و ليست مدينة كردية عراقية ما يتسبب في تأثيرات في غاية الصعوبة نفسياً و اجتماعياً و انسانياً حيث ادركت دراسات حديثة ان بعض سكان دبي بدأ يعاني من هذه التأثيرات بعد نحو عقدين من الزمن على الطفرة العمرانية و المعمارية فيها ولذلك يجب ان يفكر المعنيون في اقليم كردستان من الآن في كيفية تحويل اربيل الى مدينة عالمية في ابراجها العالية مثل دبي ولكن بهوية كردستانية عراقية وهو ما لم تستطع دبي تحقيقه فقد اكتسبت صفة المدينة العالمية بهوية عالمية وبالتالي كان من الصعب عليها في الوقت الحاضر ان تستعيد ماضيها وتراثها الاجتماعي و الثقافي.
كما ان على المعنيين في اربيل الداعمين لمشاريع بناء الناطحات ان يفكروا بشكل جدي في ان تكون الابراج التي ستبنى لها ملامح معمارية محلية او هي مزيج من البناء المعماري المحلي و العالمي لأنه من الضروري ان تكون اربيل مدينة تجمعها مع دبي صفة العالمية لكنها مختلفة عنها معمارياً ما يشكل عملاً مميزاً اذا نجح الاقليم في ترسيخ هذا المعنى و هذه الخاصية المعمارية.
وعلى المستوى العراقي، فأن نجاح بناء ناطحات سحاب في اربيل سيساهم بصورة ديناميكية في تنشيط السياحة و اعمال القطاع الخاص الذي يعاني من ازمات متلاحقة غير ان من افضل نتائج هذا النجاح انه سيشجع على انتقال بعض الطفرات العمرانية الى بعض المدن العراقية التي عانت لسنوات طويلة من توقف العمران كما ان بعض المحافظات العراقية المنسية ربما ستسعى لتقليد اربيل في ناطحاتها ما يؤدي الى ظهور بؤر عمرانية ومعمارية عالمية في اكثر من منطقة في العراق.
سيريان تلغراف | سرى فوزي الخفاجي