تتكثف الاجتماعات المغلقة في مقرات عدد من البعثات الديبلوماسية العربية والغربية في نيويورك، بهدف التوصل سريعا إلى مشروع قرار يتضمن اعترافا بـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض، من المقرر أن تقدمه المجموعة العربية للتصويت عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال ايام .
وفي الشكل، فإن مشروع القرار هو «ترحيب بالقرارات العربية»، في إشارة إلى قرار القمة العربية في الدوحة في 26 آذار الماضي تسليم مقعد سوريا إلى «الائتلاف». غير أنه يتضمن أيضا إدانة للنظام السوري وتحميله مسؤولية أعمال العنف المستمرة منذ أكثر من عامين، بحسب مصدر ديبلوماسي في الأمم المتحدة. وفي حال تبنت الجمعية العامة مشروع القرار، فإن ذلك سيمثل تحولا بارزا في المعركة الديبلوماسية بشأن سوريا، وقد يفتح الباب أمام احتمال منح مقعد سوريا إلى المعارضة .
وقال المندوب السوري لدى الامم المتحدة بشار الجعفري، في حديث إلى»السفير»، إن مشروع القرار «لا سابقة له»، لافتا إلى أنه «حتى خلال الحملة على العراق، لم يطعن احد بشرعية النظام وبقي تمثيل العراق إلى آخر لحظة، إلى حد سقوط بغداد». وأضاف ان الهدف من مشروع القرار هو «بناء شرعية دولية لدعم مشروع قرار آخر، قريب جدا، للاعتراف بالمعارضة كممثل وحيد لسوريا» .
لكن نجيب غضبيان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اركنساس، الذي يترأس مكاتب «الائتلاف» في الولايات المتحدة ويشارك في اللقاءات الديبلوماسية بشأن سوريا، وكان آخرها في مقر البعثة الفرنسية، يستبعد حتمية الحصول على مقعد سوريا في المدى القريب. وقال غضبيان لـ«السفير» إن «القرار الذي سيطرح خلال ايام على الجمعية العامة هو قرار عام يرحب بالائتلاف، في حين أن استلام مقعد سوريا يلزمه معركة قانونية وسياسية تأخذ وقتها، كما يتطلب جهوزية من قبلنا»، لافتا إلى الانقسامات التي ما زالت قائمة داخل المعارضة السورية .
وبمقدور الجمعية العامة أن تمنح مقعد سوريا إلى المعارضة بمعزل عن مجلس الأمن حيث استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ثلاث مرات ضد قرارات بشأن سوريا. ويقول الباحث في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» اندرو تابلر لـ«السفير» إن التصويت يتم في الجمعية العامة وليس في مجلس الأمن «لأن الأمر لا يتعلق بخلق دولة جديدة، بل بتحويل المقعد من فريق إلى آخر»، لكنه توقع صراعا طويلا في لجنة وثائق التفويض قبل أن تتحول المسألة إلى التصويت في الجمعية العامة .
وتضم لجنة وثائق التفويض، التي تنظر في طلبات اعتماد البعثات الديبلوماسية وتصدر توصيات للجمعية العامة، تسع دول، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا والصين. ولا تتمتع أي دولة بحق «الفيتو». وإذا تعذر التوافق في لجنة وثائق التفويض، فمن الممكن أن يحصل التصويت في الجمعية العامة، التي يبلغ عدد أعضائها 193، وذلك بالأكثرية العادية. ويستلزم منح مقعد سوريا إلى «الائتلاف» المعارض حشد دعم قوى مختلفة كدول أميركا اللاتينية والدول الأفريقية، وذلك قد يتم في مدة تتراوح بين شهرين وأربعة أشهر، بحسب مصدر ديبلوماسي .
في هذه الأثناء، يعمل الجعفري «على مدار الساعة»، كما يقول، و«من دون يأس»، للتصدي لهذا الاحتمال، مشددا على انه يشكل «خرقا للقانون الدولي ويعني شرعنة الصفة التمثيلية للمجموعات المسلحة والعصابات». ويأمل ألا يحصل مشروع قرار المجموعة العربية على غالبية الأصوات، مضيفا إن «التنبؤات هي أن عددا كبيرا من الدول ستمتنع عن التصويت» .
يشار إلى أن الجمعية العامة منحت مقعد ليبيا إلى «المجلس الوطني الانتقالي» في 16 أيلول العام 2011. لكن ما يختلف عن وضع سوريا اليوم هو أن البعثة الليبية لدى الأمم المتحدة كانت قد انضمت إلى «المجلس الوطني الانتقالي»، فضلا عن أن الثوار، بمساعدة حلف شمال الأطلسي، كانوا في المرحلة الأخيرة من حربهم ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي الذي كان قد فقد السيطرة على معظم المدن، بما فيها طرابلس .
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان، في حديث إلى «السفير» إنه لا يتوقع أن تحصل المعارضة السورية قريبا على «اعتراف كامل ونهائي» وإن التطورات الديبلوماسية الأخيرة هي فقط «لتصعيد الضغط على النظام» .
ويعتبر خشان أن الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا وبريطانيا، تريد حلا سريعا في سوريا «لكن العامل الحاسم في الموقف الغربي من سوريا هو الموقف الأميركي». ويضيف: «الولايات المتحدة ليست على عجلة من أمرها، إذ إن الحرب في سوريا أعطتها الفرصة للقضاء على الإسلاميين الذين لم تستطع القضاء عليهم في أفغانستان والعراق» .
سيريان تلغراف