Site icon سيريان تلغراف

زواج .. أونلاين !!

بعد أن ضاقت سبل اللقاء..
زواج الفيس بوك.. ملجأ المغتربين وهوس المستغلين

لم تتوقع أن نصفها الآخر موجود في تلك البلاد البعيدة.. ولم تتخيّل، يوماً، أن تجمعها به مجموعة للمغتربين على “فيس بوك” ليتوّج تعارفهما هذا بزواج ناجح ، حيث قرّر زوجها “حالياً”، الزواج  في أوّل زيارة للوطن، والارتباط بمن تتناسب وأفكاره، وتلملم ما تبقى من أحلامه في الاستقرار بعد علاقة سابقة فاشلة، فكانت رانيا (31 سنة) من وقع عليها الاختيار بعد سهرات طويلة من “الدردشة” وتبادل الإعجابات..
ظاهرة التعارف، وحتى الزواج، عن طريق الفيس بوك، باتت أمراً شائعاً، حيث لم يعد الفيس بوك الوسيلة التي تتلقى فيها المعلومات الجديدة عن الأصدقاء، وإنما وسيط  للبوح بالمشاعر الصادقة، والبحث عن الصديق الحقيقي أحياناً، وشريك العمر أحياناً أخرى..
والسؤال، الذي يطرح في كثير من صفحات الشباب والشابات: “ما رأيك في الزواج عبر الفيس بوك؟.. يأتي ليعبروا فعلاً عن رأيهم فيه أحياناً، وليدفعوا بعضهم للتفكير بجدية في الموضوع أحياناً أخرى، خاصة أنّ كثيراً من الشباب اليوم، يقضون معظم – إن لم نقل جلّ ـ وقتهم أمام تلك الشاشات، يتواصلون ويدردشون ويعبرون عن حالاتهم..
كلام كثير، وأحداث واقعية تتناول قصص نجاح أو فشل شباب وشابات، في البحث عن النصف الآخر (فارس الأحلام)، عبر مواقع التواصل الاجتماعي  فهل هو أمر طبيعي في وقت ضاقت فيه أماكن التواصل بسبب تداعيات الأزمة التي تمرّ بها البلاد، أم هي ضرورة فرضتها الوسيلة الأكثر استخداماً في أوساط أولئك الشباب؟..

لا اختلاف..
ثلاثة من أصدقائي تزوّجوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعيشون حياة يملؤها التوافق – يقول محمد 35 سنة – ويعتمد الأمر على التفاهم بينهم وتقبل الأسرتين للأمر، أما مسألة الشك والتخوف من الارتباط بهذه الطريقة، وكما يقول المثل “كلّ إنسان يرى الناس بعين طبعه”، فإذا تعدّدت علاقات الرجل أو الفتاة قبل الزواج، من الممكن أن ينظر كلّ طرف إلى الآخر من منظور علاقاته السابقة، وفي مجتمعنا الشرقي يتمّ الزواج، عادةً، عبر التواصل الاجتماعي والطرق التقليدية المعروفة، ومن الممكن حتى في هذه الحالات أن يكون للطرفين علاقات سابقة، فالتعارف عبر الفيس بوك لا يختلف عن التعارف بالطرق الأخرى..

تحت عين العائلة..
اعتبر “طليع”، الذي خطب عن طريق الفيس بوك، أن مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة تعارف مثل أيّة وسيلة أخرى، ومن الطبيعي أن يتطور التعارف في بعض الحالات ليتمّ الاتفاق على الزواج، أمّا نظرة المجتمع التي عانى منها “ طليع”، حيث شعر بالحرج والصعوبة في تعريف عائلته وعائلة خطيبته بالوسيلة التي تعرف من خلالها إليها، فلأن المجتمع لا يتقبل هذا النوع من التعارف سواء كان بنية الزواج أم غير ذلك، من مبدأ أنّ أيّ تعارف من هذا النوع لا بدّ أن يكون تحت عين العائلة..

نافذة مفتوحة أم مغلقة؟
تقول روز، إذا تقدّم شاب لخطبتها – في حال كانت نواياه صادقة – بعد التعارف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فستقترح عليه أن يحضر أهله لطلبها، دون أن يفاتحهم أو تفاتح هي أهلها بأمر التعارف عبر الفيس بوك، فالأهل – حسب وجهة نظرها –  لن يتقبلوا ذلك؛ لأنهم لا يعرفون ماذا يعني “فيس بوك”، وإبعادهم عن هذه التفاصيل من الممكن أن يسهم في تفادي الخوض في بعض المشكلات، المهم الاتفاق الثنائي بينهما ونظرتهما إلى المستقبل، واقتناعهما معاً بشرعية الطريقة التي تعارفا بها، وتتخوّف روز من أن يذكّرها بعد الزواج، وفي حالة غضب، مثلاً، بأنه تعرف إليها عبر الانترنت، أو يلمح إلى قلّة التزام منها، أو تقليل من قيمتها، متجاهلاً أنّ الانترنت كان نافذة ليبني معها أسرة متفاهمة.
إلى ذلك، لا تعتبر الاختصاصية الاجتماعية باسمة عرابي أنّ الفيس بوك، وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، نافذة اجتماعية للخطوبة حالياً، ولا ترى عرابي صدقية في هذا الزواج على الإطلاق، مشيرة إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي من الممكن أن تساعد في زيادة معرفة الطرفين بعضهما ببعض، إلا أنه لا يمكن أن يكون وسيلة التعارف الأولى.
خاصة أنه، في كثير من الحالات، بإمكان الشاب التلاعب بالفتاة، واستغلالها باسم الخطوبة، خاصة أن نسبة كبيرة من الصور التي يتمّ تناقلها في تلك المواقع مزيّفة وغير حقيقيّة.
وبيّنت عرابي أنّ شخصية الفتاة والشاب اختلفت عن السابق، ولم يعدِ الشاب يفكر فقط في زوجة هادئة ليرتبط بها، ويعيش معها العمر كلّه، كما لم يعد تفكير المرأة محصوراً بضرورة أن تكون متزوّجة، بل أصبح لها طموحات وأحلام أخرى تسعى لتحقيقها؛ لأنّ المعيار والطموح تغيّر عند الطرفين، كذلك تغيّرت نظرة المرأة إلى المستقبل وإلى الرجل، ولم تعد تقبل أن يشاركها حياتها أيٌّ كان بدليل نسب الطلاق المرتفعة مقارنة بحجم المشكلات التي تحدث بينهما.

من طلب صداقة إلى طلب زواج..
سوسن (26 سنة) أكدت أنّ صديقتها خطبت عبر الفيس بوك من شاب لم تكن تعرفه من قبل، بعد أن جمعتها معه صداقة عبر الفيس بوك فقط، وأن كثيراً من التردّد وخوف الوقوع في شباك شخص محتالٍ، سبقا موافقتها عليه، حيث تم اللقاء المتكرّر بينهما بعد إلحاح منها لتتأكد من حسن نيّته إلى أن اقتنعت بصدقه وتمّت الخطبة.

بحث عن عريس..
تتالت القصص التي نجح الفيس بوك في أنّ يلمّ شمل شخصياتها، وتتطور علاقة الصداقة بينهم إلى زواج، ما شجع داليا (28 سنة) على استخدام الفيس بوك، والدخول إلى عالم الانترنت، فأنشأت صفحتها الخاصة، لتضمّ عدداً من الأصدقاء ظاهرياً، إلا أنّ الهدف الحقيقي كان البحث عن “العريس”، ورغم استخدامها الإنترنت، إلا أنها لم تتخيل نفسها ذات يوم مرتبطة بشاب عبره، لكن داليا وجدت في الفيس بوك فضاء واسعاً يسمح بتوسيع دائرة معارفها، والتعرف إلى كثير من الأشخاص من كافة المناطق والأعمار، وكثرة هؤلاء المعارف من الممكن أن تساعدها لتتعرّف إلى شريك لحياتها.

وعود مزيفة..
في المقابل، كثيرون يرفضون فكرة الزواج عبر الإنترنت لما له من مخاطر، والحجة في ذلك أنّ كلا الطرفين لا يعرفان بعضهما بشكل مباشر، ويرى طارق (30 عاماً) أن الذي يبدأ بكذبة ينتهي كذلك بكذبة، وأي فتاة تصدق كذبة الزواج عبر الفيس بوك، واهمة، وقال: لا أقبل الزواج بهذه الطريقة، وأعتقد أن معظم الشباب يوافقونني في ذلك، فمن أراد الزواج من فتاة، وكان صادقاً، عليه طرق باب أهلها دون أن يجرّ قدميها بوعود مزيفة سرعان ما تنكشف في أوّل اختبار، مضيفاً أنّه، بعد الزواج، تحوم الشكوك بين الطرفين على خلفية علاقة الفيس بوك التي جمعت بينهما.
تفشّي ظاهرة العنوسة لدى الفتيات، والعزوبية لدى الشباب، على حدّ سواء، كان سبباً رئيسياً للزواج عبر الفيس بوك، حيث ازدادت هذه الظاهرة في هذه الفترة نتيجة الأوضاع وقلة الأمان. الدكتور أحمد الأصفر، الأستاذ في علم الاجتماع، يقول: إن موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك سهل التعرف، ومن الممكن اعتباره وسيلة تعارف عصرية، على الرغم من أنه لا يتوافق مع التقاليد السورية من جهة، وهو خطر على الفتيات، خاصة مع وجود شباب ممّن لديهم هوس في الاحتيال على الفتيات، وكسب قلوبهنّ، بعد وعود كاذبة بالزواج والارتباط الجدي.

لِمَ لا؟!..
تقول رولا (30 سنة) إنّ التعارف على الفيس بوك مثل التعارف في العمل، أو الجامعة، أو في أي مكان، إلا أنّ الصدق شيء أساسي في هذا النوع من التعارف، مشيرة إلى معرفتها كثيراً من التجارب التي نجحت، وكانت بداية تعارفها على الفيس بوك، ولكن يبقي الصدق والمصارحة الأهمّ في ذلك، مبينة أن الأزمة التي تمر بها البلاد ساهمت في زيادة نسبة الزواج عبر الفيس بوك، خاصة بين المغتربين عن بلدهم، حيث بات التعبير عن مشاعر الحزن والفرح عن طريق الفيس بوك وسيلة ناجحة، وبات ارتباط الشاب مع فتاة ما من داخل البلد عبر الفيس بوك طريقة للتواصل مع البلد الأم، التي هو بحاجة إليها، وعدم قدرة الطرفين على التواصل المباشر يجبرهما على اللجوء إلى الفيس بوك، والاتفاق حول كلّ ما يلزم لتتوّج علاقتهما بالزواج.
يتفق سليم مع رولا في أن التعارف بقصد الزواج عن طريق الفيس بوك ليس خطأ، خاصة إذا تأكّد الشاب من صدق الفتاة، وأنها إنسانه جديرة بالاحترام، ويري سليم أنّ الفيس بوك أسهم، بنسبه ضئيلة، في نجاح العديد من حالات الزواج، وأغلب الحالات التي أسهم فيها كان عامل الوحدة والغربة – خاصة في هذه الأوضاع – هو الدافع، حيث تدفع الغربة الشخص إلى البحث عن شريك الحياة عن طريق الفيس بوك، خاصة أن السفر والتنقل بين المحافظات صعب جداً، عدا الدخول والخروج إلى البلد.

المتنفس الوحيد..
تقول نور عن تجربتها الفيسبوكية، إنّ الفيس بوك من الممكن أن يجعل الفتاه تتعلق بشخص، ثمّ لا يكون هناك ارتباط على أرض الواقع إلا في حالات نادرة، معتبرة أنّ الزواج عبر الإنترنت فاشل، وخصوصاً الفيس بوك، لأن التعارف يتمّ عن طريق الكتابة، والزواج لايمكن أن يتم التفاهم عليه عبر الدردشة، ولو تمّ فسيكون هناك عدم ثقة متبادلة بين الطرفين.
من جهتها، تتحدث رنا عن تجربتها القاسية والفاشلة في العالم الافتراضي، والتي أقنعتها بأنّ فكرة الزواج عبر الفيس بوك مزيّفة، حيث تعرفت إلى شخص من محافظتها إلا أنّه مغترب منذ فترة طويلة، وكانت أخبار البلد والمدينة رابطاً يجمعهما معاً في أحاديث طويلة، وعلى الرغم من أنّها لم تلتقِ به أبداً، إلا أنّ حالة الشاب النفسية ووضعه العائلي المتدهور، خاصة أنّه في مرحلة انفصال عن زوجة سابقة، جعلت من رنا فتاة أحلامه وملاذاً وحيداً لانتشال ذلك الشاب من تلك الحالة، وكان ردّ جميلها أنْ وعدها بالزواج.
وبعد مرور فترة على المحادثة عبر الفيس بوك، والتخطيط لتأسيس عائلة سعيدة مع فارس أحلامها، بدأت العلاقة تأخذ جانباً آخر، وبدت ملامح التردد تظهر على الشاب، ليبدأ باختلاق الحجج والمبررات لتأجيل أيّ ارتباط رسمي، ما أدّى إلى إنهاء العلاقة.
وعلى الرغم من أنّها لم تكن تتوقع أن تحبّ شخصاً عبر خطوط الشبكة الاجتماعية، تؤكّد رنا أنّ مشاعر الحب كانت ومازالت موجودة لذلك الشاب، مع أنّها لم تلتقِ به بعد، حيث ترى – من تجربتها الشخصية – أنّ المشاعر من الممكن أن تتولّد عبر الفيس بوك، لكن على الطرفين أن يكونا مقدّرين لتلك المشاعر، أو على الأقل، أن يكونا صادقين بتلك المشاعر .

مازال وسيبقى عالماً افتراضياً..
الفيس بوك كان، ولا يزال، عالماً افتراضياً ، هذه حقيقة لا يجوز لأحد إنكارها، وبهذا الخصوص، يقول الدكتور طلال مصطفى، أستاذ علم الاجتماع، إنّ مواقع التواصل الاجتماعي، وإمكانية التعارف والزواج عبرها، تخلق في خيال الأفراد عدة تساؤلات مفادها: هل يمكن أن نجزم بأنّ هؤلاء الأشخاص حقيقيون بأسمائهم وصورهم؟ وهل من الممكن لتلك المواقع أن تكون أساساً لزواج ناجح؟ وكيف سيكمل الطرفان حياتهما في حال تزوّجا بعد أن يكون هناك مجال واسع للشكّ وعدم الثقة.
ومن الناحية الاجتماعية، يقول مصطفى، على الرغم من تطوّر التكنولوجيا في مجتمعنا، إلا أنّ النظرة التقليدية مازالت مسيطرة – فيما يتعلق بالزواج – عن طريق الفيس بوك، ومع حدوث أوّل مشكلة، سنجد الأهل يلومون الأبناء على طريقة تعارفهما، وكأنّ المشكلات ما كانت لتحدث لو أنّ الشابين تزوّجا بطريقة تقليدية.

ما رفضه المجتمع في الماضي من الممكن أن يتقبّله اليوم
ويخالفه في الرأي الطبيب النفسي هيثم علي، حيث يرى أنّ مجتمعنا الآن أصبح مجتمع الأقمار الصناعية والتكنولوجيا، وكلّ ما هو وسيلة اتصال وتواصل جديدة جزء من اليوميات، ولذلك لا بد من أن يسمح بفرص التواصل الاجتماعي وتسمح به، وتستطيع أن تلجأ إليه، أيضاً، لحل مشكلات نفسية واجتماعيه أخرى كالعنوسة.
أما بالنسبة إلى الارتباط عبر الفيس بوك، فيقول علي: لا بأس به، ولكن على الشاب والفتاة أن يتحلّيا بالصدق والجدية، وأن يكون هناك رؤيا واضحة حتى يكون هناك نوع من الثقة المتبادلة.
وعن نظرة المجتمع إلى زواج الفيس بوك، يقول الطبيب النفسي: كانت هناك أمور وموضوعات مرفوضة، هي الآن مقبولة في المجتمع، ومرحّب بها، واختلفت نظرة المجتمع للتواصل عبر الفيس بوك بعد الأزمة التي تمرّ بها ًالبلاد، وما رفضه المجتمع في الماضي من الممكن أن يتقبّله الآن، وخصوصا بعد حالات البعد وصعوبة التواصل والوجود في المنطقة نفسها التي من الممكن أن يلتقي فيها الشاب والفتاة، ومن ناحية أخرى تفتح مجالاً للفضفضة والراحة النفسية، ففي هذه المرحلة تزداد الحاجة إلى الحب، والتواصل مع أشخاص يفكّرون بطريقة قريبة من بعضهم.

تبقى لمواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك، وتويتر، وسكاي بي، وغيرها من المواقع، سلبياتها وإيجابياتها، لكن كيفيّة استغلالها من طرف المستخدم هي التي تحدّد ما إذا كانت تضرّ أو تنفع..

سيريان تلغراف | ريم فرج – بلدنا

Exit mobile version