Site icon سيريان تلغراف

انفجار قضية “جهاد النكاح” في تونس وتحولها إلى قضية رأي عام .. شبكات تنشط في تجنيد الفتيات والدولة تتبرأ

لم تهدأ موجة الجدل التي تصاعدت مؤخراً في تونس حول قضية «جهاد النكاح» بعد. ما زال المصطلح، الذي يقوم على إرسال فتيات تونسيات لتلبية الحاجات الجنسية للمقاتلين في سوريا، يتفاعل بعدما غزا الساحتين التونسية والعربية إثر صدور عدد من الفتاوى تجيز للمسلحين غير المتزوجين في سوريا أو الذين لا يمكنهم ملاقاة زوجاتهم إمكان إبرام عقود نكاح شرعية.

وهذه العقود تقوم مع بنات أو مطلقات لمدة قصيرة لا تتجاوز الساعة يتم على إثرها الطلاق وذلك لإعطاء الفرصة لمقاتل آخر.

أما المبرّر الشرعي لهذه الفتوى فكان تمكين «المجاهدين» من حقهم الشرعي في المعاشرة، وهو ما يزيد من عزائمهم ويرفع قدراتهم ومعنوياتهم القتالية، بحسب الفتوى.

وتشير التقارير إلى أن هذه الفتوى انتشرت بكثافة خاصة في المناطق التي سيطر عليها المسلحون في سوريا، إذ تؤكد مصادر التحقت بـ«الجهاد» هناك وعادت منه أن الفتيات يذهبن بملء إرادتهن بعدما يتم إقناعهن بأن «جهاد النكاح» هو الوسيلة الفضلى لجهاد المرأة ضد نظام الأسد.

وقد عمل العديد من الأشخاص في الفترة الأخيرة من خلال حسابات وهمية على موقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فايسبوك» على تشجيع الفتيات من خارج سوريا على هذا الجهاد وذلك من خلال إرسال رسائل شخصية على حساباتهم.

ولم يقتصر جهاد النكاح على التونسيات، فبحسب رسالة وردت على حساب فتاة أردنية على «تويتر» ، يشترط على الفتاة أن تكون بالغة من العمر 14 عاما على الأقل أو مطلقة وأن تكون متدينة ترتدي النقاب أو الزي الشرعي، وتختم الرسالة بالقول ان «جهاد النكاح» هو جهاد في سبيل الله وفق الصيغ الشرعية يخول القائمة به دخول الجنة .

ويعود أصل الحكاية، كما بات معلوماً، إلى فتوى للداعية السعودي محمد العريفي الذي قال منذ أشهر في إحدى تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ان «زواج المناكحة الذي تقوم به المسلمة المحتشمة البالغة 14 عاما فما فوق أو مطلقة أو أرملة هو جائز شرعا مع المجاهدين في سوريا».

وبعدما أحدثت الفتوى ضجة كبيرة، سارع العريفي إلى نفي ما نُسب إليه، مؤكداً في خطبته الدينية مؤخراً أن ما قيل بشأنه حول جهاد النكاح «كلام باطل لا يقوله عاقل» .

في هذا الشأن، يقول الباحث في علم الاجتماع عبد الستار السحباني ان مصطلح «جهاد النكاح» هو مصطلح مفهوم في تونس، انتشر كغيره من المفاهيم الأخرى على غرار الزواج العرفي نتيجة صعود الاتجاه السلفي، الذي يملك رؤية خاصة للمجتمع والمرأة. ويروّج الاتجاه السلفي لجهاد المناكحة في إطار «الجهاد المقدس» أو «الحرب المقدسة» التي تدور الآن على الأراضي السورية.

هذه الظاهرة الغريبة والشاذة على المجتمع التونسي تتحمل فيها الحكومة التونسية المسؤولية التامة نظراً لعدم تحركها لأخذ الإجراءات اللازمة في ما يخص موضوع الجهاد في سوريا، برغم علمها» .

وبرغم غرابة الفتوى، إلا إن الساحتين العربية والتونسية قد استجابتا لتطبيقها بشكل كبير. وبحسب شهادات بعض العائدين من سوريا، هناك ما لا يقل عن 13 فتاة تونسية حتى الآن التحقن بصفوف المجاهدين في سوريا. وتتزامن هذه الشهادات مع إبلاغ عائلات تونسية عن اختفاء بناتهن المراهقات وسط ترجيحات بسفرهن إلى سوريا لـ«الجهاد» .

وفي هذا الإطار، نفت نائبة رئيس الرابطة التونسية لحقوق الانسان بلقيس مشري أن تكون الرابطة قد سجلت أي حالة مشابهة، من دون أن تستبعد أن تكون هناك شبكات متورطة أيضا في إرسال فتيات تونسيات للنكاح .

تفاجأ التونسيون قبل ثلاثة أسابيع بتسجيل مصوّر انتشر على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي يظهر فيه ذوو فتاة محجبة تدعى «رحمة عطية» (16 عاماً) أكدوا أنهم لم يجدوها في المنزل صباحاً وقد علموا بعد ذلك بأنها توجهت إلى سوريا. بعد انتشار نداء عائلتها، عادت «رحمة» لكنها كانت في حالة نفسية صعبة، وقد رفضت الإفصاح عن تفاصيل رحلتها إلى سوريا حتى لأفراد عائلتها .

تؤكد عائلة «رحمة»، التي تعمدت إبعادها عن الأنظار، أن ابنتها ليست متشددة في الدين لكنها خضعت لتأثير زملاء لها في الدراسة عُرفوا بانتسابهم إلى التيار السلفي الجهادي، ومن الأرجح أن يكونوا قد «غسلوا دماغها» وأقنعوها بالسفر إلى سوريا «لمؤازرة المجاهدين هناك» .

وفي السياق، يضيف السحباني، أنه «يتم استدراج الفتيات المراهقات عن طريق شبكات تتولى غسل أدمغتهن» .

أما على الصعيد الرسمي، فقد صرّح وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي، لإذاعة «شمس أف أم»، بأن فتوى «جهاد النكاح» لا تلزم الشعب التونسي ولا مؤسسات الدولة.

كما لم تخف وزارة المرأة والأسرة تسجيل حالات اختفاء عدة للأطفال المراهقين إثر ظهور شبكات متخصصة تستهدف الشباب والأطفال من الجنسين لتجنيدهم عبر ممارسة التجييش الفكري والعقائدي.

وقد دعت الوزارة التونسيين إلى تكثيف الإحاطة بأبنائهم وتوعيتهم بخطورة الانجراف وراء هذه الدعوات التي تستغل عوامل انعدام الفكر النقدي ونقص الثقافة الدينية لديهم من أجل زرع أفكار التعصب والكراهية وإرسالهم إلى بلدان تعيش صراعات داخلية بدعوى الجهاد .

وبغض النظر عن إنكار بعض الأطراف المتشدّدة وجود هذه الظاهرة، يبقى موقف الحكومة التونسية وقراراتها وتصريحات الحكومة محل جدل في ما يخص استهتارها أو تغطيتها للتيارات المتشددة، في وقت تواصل فيه دعاوى «جهاد النكاح» في الانتشار من تونس إلى العديد من البلدان العربيّة .

سيريان تلغراف | السفير

Exit mobile version