يثبت ما يحصل في أروقة جامعة الدول العربية اليوم مدى غموض ميثاقها، وهو الذي أقر في العام 1945. أما الإشارة إلى الميثاق اليوم فلا تعود إلى تعليق عضوية سوريا في الجامعة، فذلك حصل سابقاً مع مصر (1979)، بل بتكرار السيناريو الليبي، حيث منحت الجامعة مقعد سوريا الشاغر لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض على اعتباره ممثل الشعب السوري. إلا إن الميثاق يفتقر أصلاً إلى بند يحدد مرحلة ما بعد تجميد العضوية.
وبالعودة إلى قرار تعليق عضوية أعضاء الجامعة، تنص المادة الـ18 من الميثاق على التالي، «إذا رأت إحدى دول الجامعة أن تنسحب منها، أبلغت المجلس عزمها على الانسحاب قبل تنفيذه بسنة. ولمجلس الجامعة أن يعتبر أي دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلة عن الجامعة، وذلك بقرار يصدره بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها».
من هنا ندخل إلى الملف السوري، ففي 13 من تشرين الثاني العام 2011، قررت الجامعة تعليق عضوية سوريا ابتداء من 16 تشرين الثاني، إلى حين التزام النظام السوري بالمبادرة العربية. لكن القرار صدر بموافقة غالبية الأعضاء، حيث اعترض كل من لبنان واليمن وامتنع العراق، في حين ان المادة 18 من الميثاق واضحة في ضرورة الموافقة بـ«الإجماع» في حالات تعليق العضوية.
حين تم اتخاذ قرار تعليق عضوية مصر في العام 1979 على خلفية توقيع الرئيس الأسبق أنور السادات اتفاق كامب دايفيد مع إسرائيل، بقي مقعد مصر شاغراً في الجامعة، حتى أعيد إلى النظام المصري في العام 1989.
أما في الحالة الليبية، ففي شباط العام 2011، قرر مجلس الجامعة «وقف مشاركة وفود ليبيا في اجتماعات مجلس الجامعة العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، إلى حين قيام السلطات الليبية بتحقيق أمن الشعب الليبي واستقراره».
ورفع المجلس الذي عقد اجتماعه على مستوى المندوبين الدائمين توجيهاته إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب في 2 آذار للنظر في مدى التزام الجماهيرية الليبية بأحكام ميثاق جامعة الدول العربية، طبقا للمواد المتعلقة بالعضوية والتزاماتها .
وبعد ستة أشهر على قرار تجميد العضوية، بقي خلالها مقعد ليبيا شاغراً، الى ان توافقت الدول العربية على تسليم «المجلس الوطني الانتقالي» في ليبيا مقعد بلاده، بما يشكل اعترافاً عربياً جماعياً بالمجلس ينهي تجميد عضوية ليبيا. واعتبر الأمين العام للجامعة نبيل العربي وقتها أن «المجلس الوطني الانتقالي هو الممثل الشرعي للشعب الليبي».
لكن اشكالية تسلم مقعد ليبيا في القمة العربية لم تطرح لأن قمة لم تعقد في الفترة ما بين تسلم المجلس الانتقالي التمثيل الليبي، وبين سقوط نظام الرئيس معمر القذافي.
وحين وصل الأمر إلى سوريا، تحفظ كل من العراق والجزائر عن منح مقعد سوريا لـ«الائتلاف السوري المعارض» على اعتبار أنه يتعارض مع ميثاق الجامعة، بينما نأى لبنان بنفسه.
وربما ما حصل في الملف السوري، هو ما أجبر الأمين العام للجامعة نبيل العربي على المطالبة بضرورة تعديل الميثاق خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة الرابعة والعشرين أمس. وقال انه «بات من الضروري إجراء عملية مراجعة شاملة لميثاق جامعة الدول العربية، والذي تمت صياغته عند نهاية الحرب العالمية الثانية، في ظروف دولية وإقليمية لم تعد قائمة، بحيث تمكن الجامعة من الاضطلاع بوظائفها التي تمليها عليها تحديات العصر بظروفه الدولية والإقليمية الحالية».
وليس انتهاك ميثاق الجامعة أمراً يُتهم به أعضاء الجامعة، بل إنهم يعترفون بذلك أصلاً. وفي تصريحات صحافية، أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الليبي محمد عبد العزيز الموقف الذي خرج به وزراء الخارجية العرب في لقائهم حول تمثيل سوريا في القمة، وقال «نحن نحترم الآراء في الجزائر والعراق، لكن الوضع الميداني ومعاناة الشعب السوري، وتواصل تحطيم البنية التحتية للسوريين، تجعلنا لا نفكر كثيراً في الجانب القانوني للجامعة العربية، حتى ولو لزم الأمر أن نضحي بالجانب القانوني حماية لشعبنا في سوريا».
لكن أولاً وآخراً ربما تجدر الإِشارة إلى البند الثامن من الميثاق، الذي ينص على أن «تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بألا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها».
سيريان تلغراف