وكالة المخابرات المركزية الأميركية أشرفت على 160 رحلة جوية لنقل السلاح من قاعدة “العيديد” القطرية ومن كرواتيا إلى المسلحين السوريين من مطلع العام الماضي ..
بعد أسابيع قليلة وحسب على ما كشفته الصحف البريطانية والكرواتية بشأن الجسر الجوي الذي أقامته دول غربية وخليجية ، فضلا عن تركيا، لنقل السلاح إلى سوريا عبر تركيا والأردن ، ضبطت صحيفة “نيويورك تايمز” نظام الهاشميين الصهاينة الحاكم في عمان وشركاءهم في تركيا بجرم إنشاء أكبر جسر جوي لنقل السلاح إلى العصابات الإجرامية المسلحة في سوريا عبر وكالة المخابرات المركزيةCIA. ويمكن الاستنتاج، من سياق التحقيق، أنه الجسرالجوي الأكبر من نوعه في العالم منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، حين قامت واشنطن بإنشاء جسر جوي لتزويد إسرائيل بالعتاد العسكري طيلة أيام الحرب، لاسيما بعد اليوم السادس على اندلاعها.
صحيفة “نيويورك تايمز”، وفي تحقيق لها نشر اليوم تحت عنوان “توسع الجسر الجوي الذي أنشأته وكالة المخابرات المركزية لنقل السلاح إلى المتمردين السوريين” ، قالت إن الحكومات العربية ومعها تركيا، وبمساعدة CIA، وسعت نطاق مساعداتها للمتمردين السوريين خلال الأشهر الأخيرة على نطاق غير مسبوق، حيث جرى إنشاء جسر جوي لنقل الأسلحة والمعدات اللازمة. واستند تحقيق الصحيفة على مراقبة حركة المطارات والمقابلات التي أجرتها مع مسؤولين رسميين في عدة بلدان ، فضلا عن حسابات عدد من قادة المتمردين .
وطبقا للصحيفة ، فإن الجسر الجوي بدأ أوائل العام الماضي ، وليس خلال الأشهر الأخيرة كما كانت أشارت إليه صحف أوربية من قبل،واستمر بشكل متقطع حتى الخريف ، لكنه ما لبث أن اتسع بشكل كبير ليصبح مع نهاية العام الماضي “تدفقا مستمرا في نقل السلاح”، وفق ما أظهرته البيانات التي اطلعت عليها الصحيفة، والتي أكدت أن الجسر الجوي شمل حتى مطلع الشهر الجاري أكثر من 160 رحلة نقل جوي عسكرية نفذتها الطائرات السعودية والأردنية والقطرية، وحطت في مطارات أردنية وتركية (لاسيما مطار إيسنبوجا قرب أنقرة).وقالت الصحيفة إن الجسر الجوي لنقل السلاح تطور مع التحولات التي كانت تشهدها الحرب في سوريا، وكان تحت إدارة وإشراف وكالة المخابرات المركزية .
وطبقا للصحيفة ، فإن وكالة المخابرات المركزية أدارت العملية من “مكاتب سرية” لمساعدة الحكومات العربية على نقل السلاح من كرواتيا، وقامت بفحص قادة المتمردين والجماعات المسلحة التي تثق بها من أجل تسليمها شحنات السلاح، وفق ما كشفه مسؤولون أميركيون للصحيفة. وبالتزامن مع ذلك، ضغط وزير الخارجية الأميركية جون كيري على الحكومة العراقية يوم أمس الأحد، حين زار بغداد بشكل مفاجىء، من أجل منع طائرات نقل السلاح الإيراني إلى الجيش السوري من المرور في المجال الجوي العراقي، رغم أن طائرة نقل قطرية كانت تشحن السلاح إلى مطار”إيسنبوجا” قرب أنقرة ليلة السبت ـ الأحد، وهي آخر شحنة تم رصدها .
وقالت الصحيفة ، استنادا إلى مصادرها، إن شحنات الأسلحة الأكثر ضخامة جرى نقلها منذ تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، أي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، نتيجة لحالة الإحباط التي عاشتها تركيا والحكومات العربية إزاء بطء التقدم الذي أحرزه المتمردون. حيث أصبحت شحنات السلاح أكثر تكرارا وكثافة ، وهو ما أدى إلى زيادة تقاقم مشكلة اللاجئين السوريين الذين عبروا إلى الدول المجاورة خلال الشت .
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الحكومة التركية قولهم إن حكومتهم كانت مشرفة على معظم تفاصيل برنامج نقل السلاح، بما في ذلك الإشراف على إيصاله إلى داخل الأراضي السورية عبر قوافل عسكرية. وقال هؤلاء المسؤولون إن الشحنات كانت “كبيرة جدا”. وهو ما أكده للصحيفة تجار سلاح معنيون بالأمر ، أطلعوا الصحيفة على بيانات ( بوليصات الشحن) الخاصة بحمولات الطائرات التي كانت تتولى نقل السلاح .
ونقلت الصحيفة عن “هيو غريفيت” ، الباحث في معهد ستوكهولهم الدولي لأبحاث السلام، والذي يراقب عمليات النقل غير المشروع للسلاح، قوله إن الجسر الجوي المشار إليه نقل ما يعادل 3500 طن من العتاد الحربي، آخذا بعين الاعتبار “كثافة وتكرار تلك الرحلات الجوية التي كانت عمليات لوجستية مخططة ومنسقة بشكل سري على نحو جيد جدا”. كما ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في حكومات البلدان المذكورة قولها إن شحنات الأسلحة كان يجري شراؤها من قبل قطر والسعودية من كرواتيا منذ أوائل العام 2012 ، ثم يصار إلى نقلها على من طائرات الشحن الأردنية إلى عمان، ومن هناك تتولى المخابرات الأردنية والجيش الأردني نقلها إلى المتمردين داخل سوريا. وهو ما كان يجري أيضا على الجبهة الشمالية، حيث كانت الطائرات تنقل شحنات أخرى إلى تركيا ، قبل أن يتولى الأتراك نقلها إلى الداخل السوري. ووصف مسؤول أميركي ما نقله الجسر الجوي من سلاح بأنه”طوفان من السلاح” .
ورغم ضخامة شحنات السلاح و”طوفانها”، تتابع الصحيفة، كان قادة المتمردين يشكون ويتذمرون من “بخل وشحّ” المزودين. وهو ما قاله للصحيفة المدعو” عبد الرحمن عياشي” ، قائد ما يسمى بـ”كتائب صقور الشام”، التابعة لجماعة الأخوان المسلمين. أما حسن عبود ، وهو من قادة “صقور الشام “أيضا، و “أبو أيمن”، المنتمي لـ”كتائب أحرار الشام” الوهابية، فكشفا أن السلاح الذي كان يصل إلى “الجيش الحر”، كان قادته “الثوريون الدجالون” يبيعونه ويتجارون به !
لكن مسؤولا أميركيا أبلغ الصحيفة بأن ما يقوله هؤلاء ليس صحيحا، فقد كان شحنات السلاح”ضخمة وتتدفق باستمرار(…) لكنهم استهلكوا أكثر من مليون عيار ناري خلال أسبوعين فقط” !
سلاح إلى المتمردين من قاعدة “العيديد” في قطر:
وتحت عنوان فرعي يتعلق بتاريخ بدء شحن السلاح إلى المتمردين، قالت الصحيفة إن أول شحنة كانت بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير من العام الماضي 2012 ، حين هبطت طائرتا نقل عسكري من طراز”سي 130″ تابعتان للحكومة القطرية في مطار استانبول، وفق بيانات الحركة الجوية الخاصة بالمطار. وخلال الفترة من 26 نيسان / أبريل إلى 4 أيار /مايو من العام الماضي أيضا، قامت طائرات شحن عسكرية قطرية عملاقة من طراز”سي 17″، أمريكية الصنع، بتنفيذ ست رحلات جوية إلى مطار “إيسنبوجا” التركي ، حاملة شحنات سلاح من قاعدة”العيديد” الأميركية في قطر. وبحلول شهر آب / أغسطس ، كانت طائرات النقل العسكرية القطرية قد نفذات 14 رحلة إلى المطار التركي نفسه ، من القاعدة نفسها، كنوع من التعويض على هزيم المعارضة في “بابا عمرو” في حمص. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين غربيين وعدد من قادة المتمردين قولهم إن قطر كانت “مزودا فعالا بالأسلحة (…) إلى درجة أن الولايات المتحدة أصبحت تشعر بالقلق بعدما تبين أن السلاح القطري كان يصل إلى الجماعات الإسلامية في إدلب”. لكن القطريين استمروا في نقل السلاح ، حيث فتح المتمردون جبهة ثانية في المحافظة. وكشفت الصحيفة ، نقلا عن مصادرها، أن مدير وكالة المخابرات المركزية حتى تشرين الثاني / نوفمير، ديفيد بترايوس، لعب دورا فعالا في مساعدة القطريين على القيام برحلات نقل السلاح تلك، وفي تامين شبكة من طائرات النقل لتنفيذها. وقد رفض الإجابة على رسائل الصحيفة التي طلبت منه التعقيب على تلك المعلومات!
هكذا، يتابع مصدر الصحيفة القول، أصبحت الولايات المتحدة متورطة تماما من خلال وكالة المخابرات المركزية في الأزمة السورية ، ومن خلال تسهيل نقل شحنات السلاح إلى المتمردين . كما أن مسؤولي البيت الأبيض كانوا على اطلاع منتظم على ما تقوم به وكالة المخابرات المركزية، مبررين ذلك بأن دولا أخرى كانت ستقوم بالأمر سواء قامت به الولايات المتحدة أم لا!!
وتتابع الصحيفة تحقيقها بالقول إن أسطول طائرات النقل العسكرية القطرية كان أصبح معبأ بالكامل لهذه المهمة مع حلول فصل الخريف، بحيث أنه لم يكن يمض يوم تقريبا دون تنفيذ رحلة نقل سلاح إلى المتمردين عبر الأراضي التركية.
لاعبون آخرون :
في تشرين الثاني / نوفمير، تتابع الصحيفة، بدأ لاعبون آخرون بالانضمام إلى العملية ، لاسيما الأردن. فقد بدأت طائرات النقل العسكرية الأردنية من طراز”سي 130 إس” الهبوط في مطار “إيسنبوجا” التركي حاملة السلاح من كرواتيا. وفي غضون ثلاثة أسابيع كانت طائرتان أو ثلاث من طائرات النقل الأردنية تعمل ذهابا وإيابا بين عمان والعاصمة الكراوتية (زغرب) ، ناقلة كميات كبيرة من المشتريات السعودية من السلاح الكرواتي إلى المتمردين السوريين ، كما أكد مسؤولون من عدة بلدان للصحيفة. وفي 15 كانون الأول / ديسمبر، عادت أولى الطائرات الأردنية من كرواتيا، بحسب تسجيلات طائرة استطلاع اعترضت الطائرة الأردنية فوق قبرص ،طبقا لما أكده مسؤولون عن الحركة الجوية في المنطقة. وفي جميع التسجيلات كانت تظهر اثنتان من طائرات “إليوشن 76″ تحمل شعار”الدولية الأردنية للشحن الجوي” ، لكن بعلامة عسكرية. وقد أظهرت التسجيلات أن الطائرتين الأردنيتين قامتا بما مجموعه 36 رحلة ذهابا وإيابا بين الأردن وكرواتيا ما بين 15 كانون الأول / ديسمبر وحتى شباط / فبراير الماضي. كما وأظهرت التسجيلات أن الطائرتين قامتا بخمس رحلات بين عمان وتركيا خلال كان الثاني / يناير الماضي.
في الوقت نفسه، وبالتزامن من رحلات الطائرات الأردنية، كانت الطائرات القطرية والسعودية قد بدأتا برنامجا مشابها لنقل السلاح . وقد سجل في هذا السياق قيام طائرات”سي 130″ الضخمة المخصصة للنقل العسكري بثلاثين رحلة جوية إلى مطار “إيسنبوجا” التركي خلال الفترة ما بين منتصف شباط /فبراير الماضي وبداية الشهر الجاري، وفق بيانات عن حركة المرور اطلعت عليها الصحيفة. وقد شوهدت هذه الطائرات بالعين المجردة من قبل الأهالي في تركيا، ما دفعهم إلى تنبيه قادة المعارضة التركية إلى ذلك.
شركة الشحن الجوي الأردنية … بالجرم المشهود
الصحيفة الأميركية ولكي تضع المسؤولين الأردنيين في الزاوية، اتصلت في السابع من الشهر الجاري بمدير الشحن في الشركة الأردنية المشار إليها ، محمد جبور، وسألته عن الدور الذي تلعبه شركته الحكومية في نقل السلاح إلى المتمردين. فكانت إجابته النفي المطلق لأن تكون طائرات شركته قامت بطلعات جوية إلى كرواتيا. وأكد أن ما يقال بهذا الشأن “محض أكاذيب .. فنحن لم نقم بأي شيء من هذا”. لكن مسؤولا عن الحركة الجوية الإقليمية الذي زود الصحيفة ببيانات حركة الطائرات الأردنية، كشف للصحيفة أن الشركة المذكورة ما هي إلا واجهة”مدنية” لسلاح الجو الأردني.
عندها عادت الصحيفة إلى المسؤول الأردني محمد الجبور لتسأله عن الأمر، لكنه ـ وكأي غبي وأحمق ـ نفى أن تكون الشركة تملك أية طائرات شحن من طراز “إليوشن 76″، قبل أن تعمد شركته إلى إغلاق الموقع الرسمي للشركة على شبكة الإنترنت ووضع عبارة “أندر كونستركشن / قيد البناء”على الصفحة في اليوم نفسه ( وهولا يزال كذلك حتى الآن) ، متوهما أن أحدا لن يستطيع إثبات أن شركته تملك هذا النوع من الطائرات!
“الحقيقة” تبدأ من حيث انتهت “نيويورك تايمز” :
اليوم ، وفي متابعة منها لتحقيق “نيويورك تايمز”، من حيث انتهى، ذهبت “الحقيقة” إلى موقع المنظمة العربية للطيران ، فوجدت عليه نبذة كاملة عن الشركة وتاريخها، بما في ذلك الإشارة إلى أنها تملك طائرة واحدة من طراز Ilyushin76-TD ، وطائرتين من طراز Ilyushin76-TD-90 سلمتا إلى الأردن في العام 2011. وهي الطائرات نفسها التي تنقل السلاح. وإذا كان نظام الهاشميين الصهاينة أغلق موقع الشركة على الإنترنت، فإنه ـ وبسبب غبائه ـ لم ينتبه إلى أن لها موقعا فرعيا داخل موقع “شركة الصقر الملكي الأردني / فولكان”، وهي شقيقتها. ويمكن الوصول إلى المعلومات المتصلة بها، بما في ذلك بيانات خاصة عن طائرات”إليوشن” نفسها التي تملكها ( اضغط هنا).
ومع ذلك ، تبقى الصورة هي الأبلغ ، فهنا (أدناه) صورة لموقع الشركة الأردنية قبل إغلاقه حين علم القائمون عليها باكتشاف أمرهم في السابع من الشهر الجاري .
(*) ـ هامش : وفق أحد صحفيي “الشرق الأوسط” الوهابية، ستنشر الصحيفة غدا الثلاثاء ترجمة ملخصة لتقرير “نيويورك تايمز”، لكنها ستحذف منه كل ما يتعلق بالسعودية وقطر ودورهما!! كما وستحذف “القفلة” النهائية لتحقيق الصحيفة الأميركية الذي يضبط الشركة الأردنية بالجرم المشهود، ويكشف كيف قامت بإغلاق موقعها بعد أن جرى ضبطها !
صورة عن صفحة ” الدولية الأردنية للشحن الجوي” قبل إغلاقه بعد افتضاح أمر الشركة ، وتظهر عليه صور طائرات “إليوشن 76” !!
سيريان تلغراف | الحقيقة