نشرت الصحافة التونسية خلال اليومين الماضيين عددا من التحقيقات المكرسة لشهادات جهاديين عائدين من سوريا ، رووا خلالها عن الجحيم الذي واجههوه هناك ، وفضحوا المستور مما لا يجد طريقه إلى الإعلام . ومن أبرز ما نشرت الصحافة في هذا السياق ، إفادة الجهادي “أبو قصي” المنحدر من ولاية سيدي بوزيد ، والبالغ من العمر 30 عاما ، وإفادة محمد بن تمنصورت من جزيرة “جربة” .
يؤكد “أبو قصي” أن في سوريا حوالي ألفي شاب تونسي من اعمار مختلفة منهم الطالب ومنهم التلميذ ومنهم العامل ومنهم العاطل عن العمل، كما توجد حسبما اكده 13 فتاة متخصصة في ما يعرف بجهاد النكاح ، والذي اعتبره صحيحا وليس كذبة ، وتشرف على الفتيات امرأة تدعى «أم جعفر» كانت في الاصل تعمل راقصة على حد قوله في قناة «غنوة». كما اكد أنه يوجد خط مباشر لإرسال المجاهدين ليبيا ـ بنغازي . وأشار إلى أنه وصلت الى سوريا قبل ان يهرب بأسبوعين مجموعة جهادية قادمة من ليبيا تدعى «كتائب الدرنة». أما محمد بن تمنصورت ( الملقب “حمتين”) ، وهو أيضا في الثلاثين من عمره من جزيرة “جربة”، فيقول ” لست نادما على التجربة التي خضتها واعتبر انّ القدر ادّخرني لكي اعود الى تونس وافضح هؤلاء المجرمين»..بهذه الكلمات انطلق حمّتين في سرد اطوار تجربته من الجهاد. كان يتحدّث الينا وعيناه تنظران الى الارض، لم يكن يقوى على النظر الينا بشكل مباشر، رفض التصوير وكلّ اشكال التسجيل في البداية غير انّه سرعان ما وافق على تسجيل لقائنا بالصّوت فقط لانّ الصورة حسب قوله ستخلق له عديد المشاكل مع المحيطين به خاصّة وانّه خجول ويكره الاضواء ويخشى ردّة فعل اقاربه واصدقائه اذا ما رأوا صورته تتصدّر صفحات الجرائد”.
ويتابع “سافرت الى تركيا منتصف سنة 2006 – يقول محدّثنا – بعد ان حصلت على عقد عمل مغر في احدى الشركات المتخصّصة في النسيج .. كنت منبهرا جدّا بتجربة الاسلام السياسي، وكنت ارى في حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان نموذجا ناجحا وبرهانا قويّا على انّ الاحزاب ذات المرجعية الاسلامية قادرة على الحكم وادارة الشان العام. لم اكن احمل بذور التطرّف بداخلي ولم اكن اتبنّى عقيدة الجهاد الى ان حصل ما لم يكن في الحسبان”.
ويواصل روايته بالقول”بعد اندلاع النزاع المسلّح في سوريا (حمّتين لا يعتمد عبارة الثورة لوصف ما يحدث في سوريا) تمّ نقلي للعمل في انطاكيا على الحدود التركية السورية في احدى الوحدات الصناعية التابعة لشركتنا والتي اصبحت تختصّ في صناعة الازياء العسكرية والملابس القتالية لمقاتلي ما يسمّى بالجيش الحرّ وجبهة النصرة. وماهي الاّ عدّة اسابيع حتّى اصبحنا نعيش على وقع النزاع المسلّح حيث بتنا نتعامل بشكل مباشر مع بعض القيادات الميدانية للجيش الحرّ ونشاهد على مرأى من الجميع كيف يتمّ تجميع الشباب المجاهد، اغلبهم من المغرب العربي، استعدادا لتهريبهم بعلم من السلطات التركية الى الاراضي السورية للجهاد. في البداية كان الامر ملتبسا امامي ولكنّني سرعان ما انبهرت بما يدور حولي”. من الانبهار الى معسكر التدريب فترة الانبهار لم تدم طويلا اذ سرعان ما دخل حمّتين في نقاشات مباشرة مع احد المحسوبين على قيادة الجيش الحرّ( تبيّن لاحقا بانّه سمسار يجنّد الشباب مقابل اموال طائلة تُدفع له) ، وقد انتهى به المطاف مرتميا بين احضان التيار الجهادي.
يقول محدّثنا محمد بن تمنصورت في هذا السياق :” كنت اشاهد مقاطع الفيديو التي توثّق لبطولات المجاهدين بانبهار شديد الى ان احسست بانني اصبحت جاهزا لخوض التجربة ، عندها ربطت الصلة بعصمان المكنّى بابي قتادة فأمهلني يومين لارتّب اموري ثمّ نقلني الى احد معسكرات التدريب في جنوب انطاكيا مع العلم انّ انطاكيا لمن لا يعرفها هي مدينة تاريخية تقع على الضفّة اليسرى لنهر العاصي على بعد 30 كلمتر من شاطئ البحر الابيض المتوسّط في لواء الاسكندرون الواقع تحت السيادة التركية. وتعتبر مدينة أنطاكية إحدى أهم المدن في تاريخ سورية حيث أنها كانت عاصمة سوريا قبل الفتح الإسلامي في القرن السابع، وما زالت حتى الآن عاصمة للكنائس السورية المسيحية. باختصار شديد التحقت بمعسكر التدريب فتلقّيت تكوينا سريعا دام نحو عشرة ايّام في كيفية تفكيك وتركيب الاسلحة الخفيفة والمتوسّطة بالاضافة الى الرماية وتفخيخ المنشئات. لم اكن استوعب كثيرا ما اكنت اتلقّاه من تكوين غير انّني كنت اشعر بحماس كبير للالتحاق بجبهة القتال لنصرة الاخوة المجاهدين.”
“حمّتين” بدأ يستيقظ من حماسه الدوغمائي قبل سويعات من تهريبه الى التراب السوري :” لقد بدأت الغشاوة تزول عن عيني – يقول محدّثنا – حيث شاهدت بامّ عينيّ قائدنا المفدّى وهو يتحدّث باللغة التركية مع بعض المحسوبين على الجيش الحرّ (لم يكن يعلم انّ هنالك من بين المجاهدين من يتقن اللغة التركية) ويتشاجر معه حول مبالغ مالية مازال لم يتسلّمها بعد لقاء تجنيده لعشرات الشبّان اغلبهم من ليبيا وتونس للقتال. ارهفت السمع فساورني احساس غريب .. لقد كان يبيع ويشتري فينا كانّنا خرفان.. من الف الى الفي أورو ثمن كلّ مجاهد يتمّ تسليمه لقيادة جبهة النصرة او الجيش الحرّ.. من يدفع اكثر يتسلّم البضاعة.. وقد حصل في احيان كثيرة ان تمّ تحويل وجهة دفعة من المقاتلين من الجبهة الى الجيش الحرّ لانّه دفع اكثر . انّها تجارة رابحة وقودها المغفّلون امثالي.. ولكن للاسف الشديد فات الاوان ولم يعد بمقدوري العودة الى الخلف”.
سيريان تلغراف