إذا كان رسول الله (ص) قد حقن دماء المشركين إذا نطقوا بشهادة “لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” حتى لو كان النطق لفظاً باللسان دون أن يؤمن القائل بما يقول، فلماذا يكفّرنا من يدعي الإسلام، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن القرآن خاتم الكتب، وهو محفوظ من كل نقص، أو دس أو تحريف إلى قيام الساعة، ونشهد أن كل قول يخالف هذا القول هو كذب، ولو قاله من قاله في مسطور قديم أو تخريف حديث.
أما عن تسمية الروافض، فهي تهكمٌ وانتقاصٌ من إسلام الشيعة، أطلقه حكام ظالمون وكتبةٌ حاقدون، زاغوا عن الطريق القويم لرسول الله (ص)، وحادوا عن أوامر القرآن واقترفوا نواهيه، ويكفي للدلالة على مدى الفساد الذي مرت به الأمة الإسلامية قراءة ُ كتاب الأغاني، أو كتب التاريخ التي تتحدث عن قتل المرأة لزوجها، والأب لابنه، والأخ لأخيه في سبيل الحكم والسلطة، ومع ذلك يلقب الجميع بخلفاء المسلمين، لا بل أن لوحة صخرية وضعت على قبر صحابي في الشام تقول: “هذا قبر الصحابي حجر بن عدي رضي الله عنه الذي قتله الخليفة الصحابي فلان رضي الله عنه!! فكيف يقتل صحابي صحابياً وكلاهما “رضي الله عنه”؟!
إذن فإن كلمة الروافض وغيرها من الأكاذيب التي وضعت في كتب التاريخ إنما كتبها المؤرخون الأوائل المدفوعة أجرتهم من أموال خلفاء على شاكلة الصحابي الذي قتل الصحابي حجر بن عدي رضي الله عنه. وتقف تلك الأكاذيب وواضعوها خلف معظم المصائب، والتشنيعات على الإسلام والرسول وآل بيته، وللأسف، فإن بعض الكتب الشيعية تضم (كما بعض الكتب السنية) روايات مختلقة وغير صحيحة.
وكما أطلق المشركون على رسول الله لقب الساحر والمجنون، هكذا يسمي التكفيريون وهادمو أصالة الإسلام أتباع أهل بيت الرسول (ص) الشيعة.
ونحن الشيعة نعتقد :
أن ” الدين عند الله هو الإسلام، وهو الشريعة الإلهية الحقة، التي هي خاتمة الشرائع، وأكملها وأوفقها في سعادة البشر، وأجمعها لمصالحهم في دنياهم، وآخرتهم، وصالحة للبقاء مدى الدهور والعصور، لا تتغير ولا تتبدل، وجامعة لجميع ما يحتاجه البشر من النظم الفردية والاجتماعية والسياسية”.
ولما كانت خاتمة الشرائع، ولا ترقبَّ بعدها لشريعة أخرى تصلح هذه البشرية المنغمسة بالظلم والفساد، فلا بد أن يأتي يوم يقوى فيه الدين الإسلامي، فيشمل المعمورة بعدله، وقوانينه.
ولو طبقت الشريعة الإسلامية بقوانينها في الأرض تطبيقا كاملاً صحيحاً، لعمّ السلام ُبين البشر، وتمت السعادة لهم وبلغوا أقصى ما يحلم به الإنسان من الرفاه، والعزّة، والسّعة والدّعة، والخُلق الفاضل، ولانقشع الظلم من الدنيا، وسادت المحبة والإخاء بين الناس أجمعين، وغاب الفقر والفاقة من صفحة الوجود.
وإذا كنا نشاهد اليوم الحالة المخجلة والمزرية، عند الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين، فلأن الدين الإسلامي في الحقيقة لم يطبق بنصه وروحه، ابتداء من القرن الأول من عهودهم، واستمرت الحال بنا – نحن الذين سمينا أنفسنا بالمسلمين – من سيء إلى أسوأ.
فلم يكن التمسك بالدين الإسلامي هو الذي جرّ على المسلمين هذا التأخر المشين، بل العكس، إن التمرد على تعاليم هذا الدين، واستهانتهم بقوانينه، وانتشار الظلم والعدوان فيهم من ملوكهم إلى صعاليكهم، ومن خاصتهم إلى عامتهم، هو الذي شلّ حركة تقدمهم، وأضعف قوتهم، وحطم معنوياتهم، وجلب عليهم الويل والثبور، فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم: (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، تلك سنة الله في خلقه إنه لا يفلح المجرمون)، (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)، (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).
وكيف ينتظر من الدين أن ينتشل الأمة من وهدتها، وهو عندها حبر على ورق، لا يُعمل بأقل القليل من تعاليمه ؟!
إن الإيمان، والأمانة، والصدق، والإخلاص وحسن المعاملة والإيثار، وأن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، وأشباهها، من أول أسس دين الإسلام، وهي سنن ودعها المسلمون من قديم أيامهم وصولا حيث نحن الآن، وكلما تقدم بهم الزمن وجدناهم أشتاتاً وأحزاباً وفرقاً يتكالبون على الدنيا، ويتطاحنون على الخيال، ويكفّر بعضهم بعضاً بالآراء غير المفهومة، أو الأمور التي لا تعنيهم، فانشغلوا عن جوهر الدين، وعن مصالحهم، ومصالح مجتمعهم، بأمثال النزاع في خلق القرآن ،والقول بالوعيد، والرجعة، وأن الجنة والنار مخلوقتان، أو ستخلقان، وبالموقف من الخلّ إن كان حلالاً أم حراماً! ونحو هذه من النزاعات، التي أخذت منهم بالخناق، وكفّر بها بعضهم بعضاّ، وهي إن دلّت على شيء إنما تدل على انحرافهم عن السنن الجّادة المعبّدة لهم، إلى حيث الهلاك والفناء.
وزاد الانحراف فيهم بتطاول الزمان، حتى شملهم الجهل والضلال، وانشغلوا بالتوافه والقشور، والخرافات والمجادلات، وبالمباهاة فوقعوا في نهاية المطاف في هاوية لا قعر لها، يوم تمكن الغرب المتيقّظ والعدو اللدود للإسلام من أن يستعمر هذه البقاع المنتسبة إلى الإسلام، وهي في غفلتها وغفوتها، فيرمي بها في هذه الهوة السحيقة، ولا يعلم إلا الله تعالى مداها ومنتهاها (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون).
ولا سبيل للمسلمين اليوم، وبعد اليوم إلا أن يرجعوا إلى أنفسهم، فيحاسبوها على تفريطهم، وينهضوا إلى تهذيب أنفسهم أولا، والأجيال الآتية من بعدهم ثانيا، بتعاليم دينهم القويم، ليمحوا الظلم، والجور من بينهم، وبذلك يتمكنون من النجاة بأنفسهم من هذه الطامة العظمى، ولا بد بعد ذلك أن يملؤا الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، كما وعدهم الله تعالى ورسوله وكما هو المترقب من دينهم الذي هو خاتمة الأديان، ولا رجاء في صلاح الدنيا وإصلاحها بدونه.
ولا بد من إمام ينفي عن الإسلام ما علق فيه من أوهام، وألصق فيه من بدع وضلالات، وينقذ البشر، وينجيهم مما بلغوا إليه من فساد شامل، وظلم دائم، وعدوان مستمر، واستهانة بالقيم الأخلاقية والأرواح البشرية، عجل الله فرجه وسهل مخرجه.
عبد الحميد عباس دشتي
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)